هو ذلك المصرى عاشق الفلاحة والزراعة والذى يحلم بأن يحيل كل شبر رمال فى البلد إلى مساحة خضراء لا تسرح عزيزى القارئ فى عنوان المقال وتعتقد أنه عن الزعيم جمال عبد الناصر خاصة أننا لا نتوقف عن الكلام عنه والاختلاف حوله، فناصر الذى هو موضوع مقالى ليس جمال عبد الناصر، وإن كنا سنكتشف فى سياق الكلام أن هناك علاقة مباشرة بين ناصر صديقى الذى هو بطل هذا المقال بناصر بطل الشعب وملهمه، أو هكذا كان يراه قطاع كبير من المصريين ومنهم المرحوم عبد العزيز صابر والد ناصر الذى أطلق عليه هذا الاسم حباً فى ناصر الزعيم وهو ما فعله الكثيرون ممن كانوا ولا يزالون متيّمون بحب عبد الناصر.وربما فى يوم ما أكتب عن الزعيم جمال عبد الناصر سواء هنا أو فى يوميات الأخبار حيث عندى الكثير مما أريد كتابته عن هذه الشخصية التاريخية الفذة. أما ناصر عبد العزيز صابر، موضوع مقالى هذا فهو واحد من هؤلاء المصريين الكثيرين ممن يعيشون خارج مصر ويحبونها أكثر من كثير ممن يعيشون داخلها، هذه حقيقة خبرتها من خلال احتكاكى بكثير من المصريين فى المهجر سواء فى أوروبا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية. كثير من هؤلاء يحبونها بإخلاص عجيب يجعلك دائماً تسأل عن سر هذا الخيط الذى يربطهم بوطنهم رغم أنهم بلا شك يعيشون خارجها عيشة أفضل كثيراً ممن يعيشون فيها. هؤلاء لا يحبونها حب البعيد الذى لا يعرف عنها شيئًا، بل هم على علم ودراية كاملة بتفاصيل حياتنا، يفرحون معنا إذا فرحنا ويحزنوا لما يحزننا ويعانون كلما زاروها مما نعانى منه، ومع ذلك لا يتأفف أحدهم حالفًا طلاق بالتلاتة أنه لن يعود إليها ثانية.من هؤلاء الناس ناصر صابر، الذى لا يحب أن يسبق اسمه بأية ألقاب، رغم أنه مهندس زراعى كبير، لكن يبدو أنه مثل أى أمريكى لا يلقى للألقاب بالاً عكس بلاد تقدس الألقاب وتطلقها حتى على الصنايعية فجعلت منهم الباشا والبيه والاستاذ وغيرها من ألقاب. عرفت ناصر صابر منذ أكثر من عشرين عاماً، التقيته للمرة الأولى فى مصر فى استراحة أحد استديوهات ماسبيرو حيث كان كلانا ضيفاً على أحد البرامج. لم أصدقه وهو يعرفنى بنفسه وقتها بأنه يعيش فى الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ سنوات طويلة جداً وهو الآن فى زيارة لمصر لحضور مؤتمر المصريين فى الخارج وكيفية الاستفادة منهم للاستثمار فى مصر والذى استضافت القاهرة خلال الفترة القليلة الماضية نسخة جديدة منه. لم ينطق ناصر منذ أن عرفته بأى كلمة إنجليزى سواء التقينا هنا فى مصر أو فى أمريكا، ولو فعل ما كنت ألومه حيث يعتبر البعض أن إلقاء بعض العبارات الإنجليزية خلال الكلام دليل على التحضر والرقى. لكن ناصر الذى يحب مصر حباً حقيقياً بعيداً عن الشعارات الرنانة يفتخر جدًا بلغته العربية كما يفتخر بمصريته. حتى عندما ألتقيه فى أمريكا تظل مصر محور كلامه واهتمامه وحبه الأبدى الذى غرسه فيه والده رحمه الله ووالدته بارك الله فى عمرها. ناصر ولد فى أمريكا لأبوين مصريين شبعانين مصرية،ولم يعد لمصر إلا بعد «الهاى سكول» أو الثانوية العامة حباً فى دراسة الزراعة بالإسكندرية، ثم عاد واستقر مرة أخرى فى أمريكا، لكنه مطلقاً لم يغادر مصر التى سكنت بين جوانحه حتى أصبح مهموماً بها وقضاياها وكأنه فعلاً لم يغادرها يوماً. وكما زرع عبدالعزيز صابر فى قلب ناصر وأشقائه، فعل ناصر ذلك فى قلب أولاده. كيف لا والأغنية المفضلة له هى ملحمة «صورة» للعندليب عبد الحليم حافظ يسمعونها فى البيت والسيارة حتى فى مدارسهم وجامعاتهم من خلال موبايلاتهم، حتى اشتهرت الأسرة فى نيوجيرسى وربما فى أمريكا كلها بالأسرة التى تعيش فى أمريكا لكنها تسكن فى مصر، يضحك ناصر ويقول: وهل يطيب السكن إلا فى مصر؟!! لا يزال ناصر منذ أن عرفته طيلة هذه السنوات هو ذلك المصرى عاشق الفلاحة والزراعة والذى يحلم بأن يحيل كل شبر رمال فى البلد إلى مساحة خضراء. ولأنه كما قلت رجل عملى لا يحب الشعارات، قرر أن يستثمر كل مدخراته فى مشروع زراعى كبير فى بنى سويف، بل نجح فى إقناع بعض المستثمرين الأمريكيين فى المساهمة فى المشروع. ومثله مثل أى حالم لم يفلح الروتين والإجراءات العقيمة فى أن تحول بينه وبين حلمه مهما تكبد من أموال. فيقول وهو لا يتخلى أبداً عن ابتسامة الواثق: مصر تستاهل كل خير ومهما قدمنا لها فلن يساوى شيئاً مقابل أنها منحتنا أعظم لقب فى التاريخ، لقب مصرى.. اعترف بأننى كثيراً ما ألوم ناصر وأطالبه بأن يكف عن محاولاته لكنه فى كل مرة يمنحنى درساً جديداً فى الوطنية وحب البلد، قائلًا: لو كففت عن الحلم لبلدى فهذا سيكون آخر يوم فى عمرى، بل إننى على ثقة بأننى لو لم أحقق حلمى وأنا على قيد الحياة فسيحققه ابنى من بعدى. بارك الله لك فى عمرك وفى حلمك يا ناصر ولكل ناصر، صابر، لا يزال يملك القدرة على الحلم والسعى لتحقيقه.