فرحنا يضيع في الحزن كما يضيع النهار في الليل إنها بضع كلمات لحنها الموسيقي العبقري هيندل.. والذي حينما نذكر مؤلفي عصر الباروك فعلي الفور نتذكر هذين العلمين الكبيرين وهما باخ وهيندل ورغم أن الكثيرين قد لا يعرفون من هو هذا الموسيقي الرائد لأعلام الموسيقي الكلاسيكية علي مر العصور المختلفة.. فقد كانت الرغبة في ذكري ميلاد هذا المؤلف الألماني الكبير أن نلمس حياته وأهم أعماله للقارئ العزيز. فهو جورج فريدريك هيندل المولود في مدينة( هاله) في الثالث والعشرين من فبراير عام1685 ويعتبر من أشهر موسيقيي عصر الباروك وأحد أعظم الموسيقيين الأوربيين علي الإطلاق.. ويتزامن مولده مع ميلاد عظماء التأليف الموسيقي في هذه الفترة حيث سبق مولد يوهان سباستيان باخ بما يقرب من شهر, وقبل ميلاد دومنيكو سكارلاتي بثمانية أشهر.. وكان لهذا التزامن أثر كبير فيما بعد علي حياة هيندل وتشربه لأسلوبهما الفني وتأثره بهما في مؤلفاته رغم أنه يكبرهما.. ولكن يرجع هذا لنشأتهما لأبوين من مشاهير الموسيقي واللذين عملا علي رعاية موهبتهما الفنية منذ الصغر مما كان له أثر واضح علي وضع أسس جديدة ومبتكرة للتأليف الموسيقي في هذه الحقبة وما بعدها.. ولكن هذا الأمر كان مختلفا بالنسبة لهيندل حيث نشأ وسط أبوين لم يكترثا بتعليمه الموسيقي, فكان والده الطبيب الجراح الرسمي في بلاط الدوق يوهان أدولف أمير ساكس فايسنفيلز, ووالدته ابنة قس لوثري ولم يرض الأبوان عن تعلق الابن بالموسيقي وشغفه بالعزف علي الهاربيسكورد والأورغن ولكن بعد أن سمعه الدوق وهو يعزف; أصر علي تعليمه بشكل احترافي وأقنع والديه بذلك, فسمحا له الوالدان أن يدرس علي يد فريدريك تساخاو.. وما أن نضجت موهبته سريعا وبرع في عزف الأورغن إلا واستسلم أبواه إلي هذه المنحة الربانية وبدأ يذيع سيطه في ألمانيا.. وبعدها سافر إلي إيطاليا عام1706 ومكث هناك فترة تعرف خلالها علي سكارلاتي ووالده أليساندرو وأيضا المؤلف الإيطالي الشهير أنطونيو فيفالدي وغيرهم واتقن من خلالهم أساليب التأليف الإيطالي وألف هناك حوالي مائة كانتاتا بجانب الأوبرات والأعمال الأخري.. كما سافر إلي لندن واستمر هناك فترات وظل يتأرجح بين بريطانيا وهانوفر وأحبه البريطانيون واعتبروه أحد أهم مؤلفيهم علي مر العصور بجانب بيرد وهنري بيرسل ومنحوه الجنسية البريطانية عام1727. وتتميز موسيقي هيندل بأنها عميقة العاطفة وقريبة إلي الوجدان وفي نفس الوقت محبكة البنيان ولها أبعاد درامية من خلال استخدام السلم الموسيقي( المقام) في توظيف البعد الدرامي للعمل, ويعتبر إنتاج هيندل شديد الغزارة حيث ترك لنا ميراثا موسيقيا ضخما في مجال الأوبرا والتي تزيد علي أربعين عملا أوبراليا أشهرها الميرا, يوليوس قيصر, رودريكو, تامولانو والساندرو, كما قدم العديد من الأعمال الغنائية الدرامية( الأوراتوريو) التي أخذها عن كاريسيمي وكايزر ووصل بها إلي أوج ازدهارها وغالبا ما يستمد موضوعها من الكتاب المقدس ومن أهمها انتصار الزمن والحقيقة, يوسف واخوته, المسيح وسليمان والتي اختار أغلب موضوعاتها دينية ولكن أضفي عليها بين الحين والآخر عنصر تشويق غير ديني ذا طابع دنيوي وركز علي العنصر الدرامي لا الديني, هذا بالإضافة لمجموعة من الكانتاتا مثل أبوللو ودافنة, كما قدم سريناده موسيقي الماء عام1717 والتي نالت إعجاب جورج الأول ملك بريطانيا وأمر بإعادة تقديمها ثلاث مرات في ذات الأمسية, وكان عمله موسيقي الألعاب النارية الملكية قد حقق شهرة واسعة أيضا, كما أخذ هيندل عن كوريللي وتوريللي كتابة الكونشيرتو جروسو( الكبير) لآلتين أو أكثر بمصاحبة أوركسترا حجرة والذي يتشابه مع كونشيرتو براندنبورج لباخ, وقدم هيندل جميع أشكال التأليف الموسيقي من صوناتات وكونشيرتات ورباعيات وكانتاتات وأناشيد وطنية وموسيقي كنسية دينية وأوبرات ومتتابعات وموسيقي للباليه. فتحية حب لهذا الإنتاج الغزير لفنان أوروبي شامل ولد وتعلم في ألمانيا وأتقن أسلوب الموسيقي في إيطاليا وأبدع في بريطانيا.