اقتربت بحذر, كانت أعمدة من المياه ترتفع داخل الإسطوانة الزجاجية, يتجمع ضباب رمادي تم يأخذ طريقه في لي شفاف لم يعنها الجالس في استرخاء تام, يعالج بفمه قطعة البلاستيك ويفتح شفتيه وكأنه يتحدث والكلمات دخان, عطلت مؤقتا الرائحة الذكية حواس الشم والاستشعار عن بعد, ما اثارها فعلا حركة المياه الصاعدة التي لاتنتهي, إلي لاشيء, البلورة الصافية تصنع اشكالا خرافية, تدركها بعين ألفت الأشخاص وقطع الطعام والمواد الحرة الحركة في الهواء, جاء من خلف الضباب من كمون واظلام خفيف الي الدائرة التي صنعتها حول مكان اللهب واعمدة الدخان ورائحته التي تنتشر كالبخور, اضاف عدة جمرات متقدة, تنبهت ان حامل الجمرات ليس في يد طه يتحرك وحده مختفيا وراء الضباب, من يمسك مقبضه لحظات وتشكلت في الاجواء اوجه جديدة, مباشرة امام اعين الجميع, لحظات ونفث الشيشة بقوة مصحوبة بزفير من الاعماق, راحت تتابع اشكالا جديدة تتكون وتتكور, تتحاور بعصبية, يغطي عليها صوت التلفاز وهو ينقل عبر بث مباشر من مناطق بعيدة, يتشكلون الأن أمامها, امامهم جميعا جواد تتقاذفه الرياح بعد ان مزقت الفارس الي قطع, مازال الجسد متعلقا بذيل الحصان, يرفض ان يزوي, الرفض تحد يكسب من يفعله شموخ القوة, تيار الهواء البارد يعيد تشكيل الأوضاع كانت تشعر بالجوع, لا شيء سوف يشغلها عن القوت الضروري للحياة والاستمرار, همت بالابتعاد عن كل هذا, تحركت فعلا في اتجاه المنطقة الرمادية حيث تختفي كل الكائنات الجزافية التي تصدر من تلك المعوجة الزجاجية الشفافة والتي برغم شفافيتها تخرج كل تلك الصور, سرعان ما تقهقرت الي الوراء فقد كان رمضان ضنا قد جاء يحمل صينية تفوح منها مناقيش وفطائر أبو الدهب ويضعها مباشرة امام النرجيلة علي طاولة في متناول يده اليسري حيث اليمني تمسك بالخرطوم, لم يشأ ان يتناول الطعام وقد امسكت به شرائط الدخان, تعجبت ان فمه يخرج النار طوفانا فلم لا يأكل الآن؟, وكأنه فهم انتظارها, نظراتها جلوسها في مقابل نار الولعة واللهب وفطير جدو أبو الدهب القي قطعة لابأس بها, غيرت رأيها في الرحيل خلف لقمة العيش, في عجالة التهمت ما القي, وكأنه احس بلهفتها علي الفتات بادر بأخري وثالثه, جذبت الرائحة فطيطة صغيرة من العائلة المشمشية, سمحت لها امها بأن تنزل إلي الكافية لتجرب الأعتماد علي الذات, طردتها من المكان بخربشه في الوجه, احتفظت بمسافة تقيها الغضب دارت محدثة صوتا خفيضا حول نار الشيشة, سرعان ما استجاب والقمها قطعة بعد قطعة, كانت الخيالات قد تحولت الي صفوف متراصه من المتقاتلين, اشتعلت علي اثره بعض الحرائق المحدوده, طرقعة نار الفحم وشرارات وقنابل دخان وهراوات واصوات شتائم ومناورات, عدت اكثر من عشرة يسقطون, دماء نازفة في الطرقات, اخلاء سريع بلا اثر وكأن هناك قطة خفية تغيبهم في بطنها كما تفعل مع اللقيمات, كادت تشبع, يمكن ان تنصرف في أي وقت, مع قدوم ارجل نحوها تعرفها جيدا, ارجل الحاج محمد مدير الكافيه, استقر الي كرسي مجاور, كانت قطع الطعام قد توقفت منذ لحظات, سمعت صوت الحاج محمد يستفسر: انت ايه رأيك يا حاج جمال في اللي بيجري؟ صوت قلق, مضطرب.. جمال.. جمال!! يسرع ضنا الي المكان تسرع عدة ارجل الي المكان, صوت يسأل: انت حطيت ايه في الأكل, هاتولي حالا ابو الدهب.. دا مات, والمصحف ما فيه حاجة في الأكل, صوت ضنا يعلو: هو ما اكلش حاجة كان بيرميها للقطة وهي عايشة اهي, صوت طه: انا غيرت الولعة وكان عادي؟ لا قوة الا بالله, ابتعدت الأ رجل في سرعة واضطراب ظاهر وقف عدد من العمال علي مسافة يحرسون الجثمان الجالس علي الكرسي, كان يحب جلسته تلك المنعزلة امام التلفاز متابعا نشرات الأخبار مقلبا القنوات والصحف اليومية, كان يحب كل الناس, العمال حتي قطط الموائد..؟ خاطرت بالاقتراب من مائدته, هل حقا مات, كان لايزال ممسكا باللي بين يديه وطرفه في فمه, جلسة عادية تماما, اليد الأخري سقطت بعيدا عن الأطباق قفزت الي الطاولة, تأملته ومدت أنفها اليه بحذر تراجعت قليلا, كان الطعام قد برد تماما, سوف يلقونه في المهملات, تراجعت عن فكرة الرحيل, في النهاية كان يريد ان اتم وجبتي, تركت الأطباق وقد مسحتها تماما.