انتشرت ظاهرة العنف الشبابي في المظاهرات السلمية في المحافظات المختلفة ونصب الشباب الذين لا يريدون أمن وسلامة المجتمع أنفسهم أوصياء علي الشعب وحماة للثوار وكجزء مكمل لثورة يناير المجيدة التي لم تشهد علي مدار24 يوما منذ بداية الثورة وحتي تنحي الرئيس السابق حالة عنف واحدة أو تخريب في منشآت الدولة, ومع ارتفاع حدة العنف نرصد الظاهرة ونحللها من خلال علماء النفس والاجتماع والاسباب التي أدت لزيادة العنف الذي سيطر علي شباب الأمة بشكل مخيف لم يعرفه المجتمع من قبل. تقول الدكتورة هالة يسري أستاذة علم الاجتماع إن ظاهرة العنف الشبابي التي تظهر في الشوارع والميادين العامة في المحافظات المختلفة بالدولة وما يتخللها من اعمال بلطجة وتخريب سواء في المنشآت العامة أو الخاصة والاعتداءات علي قوات الشرطة والآمنين ترجع إلي ارتفاع نسبة عدد أطفال الشوارع الذين تتراوح أعمارهم بين15 إلي16 سنة والذين اعتادوا علي الأعمال التخريبية لافتقادهم إلي التوجيه الصحيح, فضلا عن تشبع بعضهم بأفلام الرعب والعنف التي تسيطر علي نفوس معظمهم. وأضافت يسعي بعض هؤلاء الشباب إلي التقليد الأعمي للمشاهد التي يرونها دون تمييز الفارق بين الواقع والخيال, ولذلك الأفلام والمسرحيات التي تعبر عن الثراء السريع والتعدي بالقول واللفظ علي الكبار والمسئولين وعدم احترامهم للكبير سنا ومقاما. وأكدت ان القيم المصرية منهارة في معظم البيوت المصرية والمجتمع الذي نعيش فيه ليخرج الشباب بلا وعي ونتيجة هذا الانهيار إلي الشارع ليعبروا عن أنفسهم بطريقة خاطئة ويظهر عليهم العنف في أفعالهم بعد أن افتقدوا إلي الرموز والقيادات الفعلية في مجتمعنا. وأشارت إلي أن من أسباب تفشي ظاهرة العنف لدي الشباب عدم وجود استثمار حقيقي لأوقات فراغ الشباب صغير السن بممارسة الرياضة واستغلال طاقتهم بالشكل المطلوب ونتيجة لذلك أصبحوا يقفون علي نواصي الشوارع لمعاكسة بنت الجيران والتسكع في الطرقات المختلفة والجلوس علي المقاهي واللجوء لشرب بعض المكيفات التي تذهب العقل وتؤدي إلي ممارستهم أفعالا يعاقب عليها القانون. وأكدت إن مثل هؤلاء الشباب يكونون ناقمين علي المجتمع الذي يعيشون فيه ويسعون للانتقام من المجتمع لأنهم لم يجدوا من يعلمهم أو يوجههم أو يلتقطهم من الشارع, ولذلك من الممكن لهذه الفئة العمرية أن تنتقم من نفسها بهدم المجتمع والقيام بأعمال التخريب والعنف لعدم شعورهم بالانتماء والولاء من الأسرة أو المنطقة التي يعيشون فيها تجاه المجتمع أو أي مجموعة أخري, ويكون انتماؤها الوحيد إلي المجموعة التي في مثل اعمارهم السنية. وأوضحت ان الفئة العمرية الأخري التي تشارك في أعمال التخريب والعنف تحت غطاء التظاهر السلمي والتي تتراوح أعمارها من17 إلي21 سنة فمعظمهم شباب مندس من البلطجية والمأجورين لارتكاب أفعال إجرامية لاستمرار الحالة الملتهبة التي عليها الشارع لزعزعة أمن واستقرار الدولة بأي شكل من الاشكال, ولذلك فمثل هؤلاء الشباب يريدون النيل من الوطن في محاولة لإثبات فشل وعجز الحكومة في إدارة البلاد والتأكيد علي أن قوات الشرطة غير قادرة علي قمع هذه الأفعال. واختتمت الدكتورة هالة كلامها قائلة ان عدم الشفافية من الدولة عن القاء القبض علي بعض العناصر التي تدعو إلي العنف وترتكب الأعمال التخريبية من الكشف عن هويتهم وانتمائهم والإفصاح الكامل عمن يقف وراءهم ويدعمهم ماليا وفكريا وسياسيا يؤدي إلي استمرار حالة التوتر في الشارع وتعرض أبناؤنا للخطورة بصفة مستمرة, فضلا عن عدم القدرة علي وضع برامج لهؤلاء الشباب لدمجهم في العمليتين الاقتصادية والاجتماعية بشكل صحيح للاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم العقلية والذهنية والجسمانية. أما الدكتورة مني قدري أستاذة علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس فتقول إن الشباب الذين يفعلون هذه الأعمال التخريبية محبطون وليس لهم دور في المجتمع ويشعرون أنهم عند ارتكابهم هذه الأعمال أن لهم دورا ووجودا في المجتمع الذين يعيشون فيه. وأوضحت انه ليس كل الشباب الذين يشاركون في المظاهرات ثوارا أو بلطجية أو مأجورين ولكن منهم شباب لا يعملون ويعانون من البطالة لسنوات طويلة وبعضهم ليس له أمل في المستقبل ولذلك تملكهم نوع من الغضب والإحباط والإحساس الشديد بأن كل شئ في البلد يدفعهم إلي العنف, خاصة أن جزءا كبيرا من هؤلاء الشباب ضائع لافتقادهم للامان بوجود العمل المناسب الذي يشغلهم ويشعرهم بقيمتهم الحقيقية في المجتمع المحيط بهم. تؤكد إن العملية التعليمية لها دور في ما يحدث للشباب نظرا لان المناهج في مختلف المراحل التعليمية مشبعة بالعنف بشكل غير مباشر, كما أن المدارس لا تقوم بدورها المنوط بها في تعليم التلاميذ والطلاب المفاهيم المجتمعية عن كيفية التظاهر السلمي وبث الولاء والانتماء في نفوسهم, وحثهم أيضا علي المحافظة علي الممتلكات العامة والخاصة وجميع الأشياء الايجابية التي أوجدتها ثورة25 يناير المجيدة. قالت إن الثورة أقيمت من أجل قيم نبيلة ومفاهيم كبيرة وعميقة ولكن بعد الثورة وسقوط النظام السابق تصارعت الأحزاب والقوي السياسية علي السلطة وتركوا الشباب بدون قدوة يفعلون ويقولون ما يشاءون دون تمييز بين الخطأ والصواب, ولم يحاسب أي شاب علي الأفعال التي كان يقوم بها مما أوجد الفوضي وظهرت سلبيات لم نألفها من قبل. وأشارت إلي أنه لأول مرة في مصر يضرب شاب ويسحل ويجرد من ملابسه أمام الأعين في عهد الرئيس مرسي لمجرد أنه كان وسط المتظاهرين, وكنا نعلم أن ذلك يحدث بوحشية في النظام السابق ولكن لم يدر بخلدنا أن هذا سوف يحدث بعد الثورة التي جاءت من أجل الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية. وأضافت إننا حاليا في زمن الصورة التي تتناقلها وسائل الاعلام المرئية وليس زمن الكلام, فالصورة والمشهد السياسي يدعوان الشباب للنزول إلي الشارع وممارسة العنف بعدما شاهدنا العنف بقيام قوات الشرطة بضرب المتظاهرين بالرصاص الحي, ولذلك فليس من المتوقع أن يقف الشباب مكتوفي الايدي وكان عليه البحث عن وسيلة لرد الفعل الموجه إليهم من الشرطة بحمل بعض الاسلحة للدفاع عن أنفسهم ولذلك فالعنف ولد عنفا مضادا. أعلنت أنها ضد العنف والتخريب الذي يحدث في مؤسسات الدولة ولكن الشباب الذين يقفون عند قصر الاتحادية الذي يمثل رمز للسلطة يعلمون أن الرئيس غير موجود بداخله ولكنهم أرادوا بالتظاهر أمام القصر ورشقه بالطوب والحجارة توصيل رسالة أنهم قادرون علي الوصول للقصر في ظل ممارسة الدولة للعنف مع المتظاهرين من خلال قوات الأمن. ويوضح الدكتور سيد صبحي المحلل في علم النفس إن العنف من المظاهر السلوكية التي توجد عند كل فرد في المجتمع مما يمكن تسمية ذلك بطاقة العدوان ولكن يتم تهذيبها من خلال التنشئة الاجتماعية والإرشاد النفسي السليم عن طريق الوالدين في الأسرة, ومن هنا تغسل طاقة العدوان عند الفرد الذي تربي علي هذه الشاكلة. قال إن المجتمع يعاني من انتشار الأولاد في الشوارع الذين هربوا من التعليم ومن أسرهم دون رقيب أو ارشاد نفسي واجتماعي, فالمدرسة كانت مؤسسة تربوية تعليمية لسنوات طويلة تعلم السلوك القويم والمحبة المتبادلة بين التلميذ وزميله, وكان المدرس يقود ذلك بشكل سليم ويرشد التلاميذ ويعطيهم ولا يأخذ منهم. وأضاف إن الوضع تغير الان وأصبح المدرس هدفه الاساسي الأخذ بعد أن انتشرت الدروس الخصوصية وظهرت الأحقاد بين التلاميذ وبعضهم البعض, حيث يحقد التلميذ غير القادر علي أخذ درس خصوصي علي زميله القادر ماليا علي ذلك, ومن هنا نشأت المشكلة وذرع العدوان بين التلاميذ وبعضهم البعض أدي إلي تغير السلوك.