ظلت معدية بورفؤاد ومحيطها ببورسعيد وبورفؤاد علي مدار80 عاما مصدرا للبهجة والمتعة, يقصدها مواطنو بورسعيد وضيوف المدينة للاستمتاع بالعبور الآمن المجاني لأجمل وأشيك رحلة عبور في العالم, وليس بين ضفتي القناة ومجاري مصر المائية فقط.. دشن خطها الملك فؤاد في نهايات حقبة الثلاثينيات وهو يعبر القناة للاحتفال بافتتاح ضاحية بورفؤاد أول سكن لعمال ومهندسي الكوبانية( شركة قناة السويس) الأجانب والمصريين, وعبرها من بعده الملايين من مواطني بورسعيد وبورفؤاد, وضيوف وزوار المدينة ذهابا وإيابا للتنزه والتنقل اليومي الضروري, وأبدا لا ينسي كل من استقلها واستمتع بها في عصورها الذهبية أيام المعديات الفرنسية الصنع ذات الصالونات الأنيقة, والخدمة والضيافة الراقية من جانب قباطنة ومشرفي المعديات الذين تعاملوا مع عابريها علي كونها عبارة بحرية جميلة تشق عباب القناة, وعلي كونهم مجموعة من السائحين الذين يستحقون المساعدة في الركوب والنزول والتأمين اللازم في أثناء رحلة الدقائق العشر. وظلت المعدية ذكري جميلة في نفوس عابريها, ولوكيشن رائعا لعشرات الأفلام المصرية, خاصة في الستينيات وزمن المجد البورسعيدي بعد انتصار56, وتحفة بحرية لا مثيل لها في إفريقيا والشرق الأوسط, وخلفية نادرة لهواة التصوير والعابرين الراغبين في الاحتفاظ بذكري العبور الجميل معها. ولأن دوام الحال من المحال جاءت سنوات الانهيار والهوان لتضع بصمتها المؤسفة علي المعدية, حيث بات استخدامها هما بالنهار, وذلا بالليل, وتبدلت أحوالها بعدما حلت المعديات الحديدية الصماء بدلا من المعديات الفرنسية الأنيقة الآدمية, واختفي المشرفون الملتزمون بمساعدة الركاب وتأمينهم, وتحول مشوار العبور إلي رحلة عذاب يومي نتيجة للقمامة, والمتسولين, واللصوص الدائمين, وأولاد الشوارع, والتعرض المباشر للهيب الشمس, وزمهرير البرد في غياب الصالونات الخاصة بالركاب التي اعتبرها مصممو المعديات الحديدية الجديدة ترفا لا داعي له, وإضافة إنسانية لا مبرر لها علي الإطلاق. وزاد الطين بلة خلال العامين الماضيين.. عام ما بعد الثورة, حيث أصبحت المعدية هدفا سهلا لكل من يريد الاحتجاج علي المحافظ والأمن والمحليات واتحاد الكرة ومشروعات الإسكان, وبات معتادا إيقاف حركة عبورها قسرا وحجز آلاف العابرين علي الضفتين إجباريا, والويل والثبور وعظائم الأمور لمن تنفلت شفاه بأدني تعبير رفض أو استياء لما يجري من مآسي ومهازل إيقاف العمل بمرفقها, فقد يدفع مواطنا مسكين لا يريد إلا العودة لمنزله ببورفؤاد أو بورسعيد حياته ثمنا لمقولة( اف) عابرة وسط آلاف المتمسكين بالفوضي, و المصرين علي تعطيل كل شيء, وأي شيء من أجل الضغط لتحقيق مطالبهم في زمن الفوضي والتسيب الثوري. والسؤال هنا لمسئولي المحافظة والأمن ومن أعلاهم أعلي قيادات الحكومة والداخلية: إلي متي ستظل معدية بورفؤاد هدفا لكل غاضب ومحتج علي كل شيء, وأي شيء؟ وهل من المعقول أن تنتظم حركة المعديات كالساعة علي مدار سنوات الظلم والفساد والقهر وتتعطل حركتها لساعات يوميا في زمن الحرية والكرامة والثورة؟!