سعر الصرف هو قيمة وحدة من العملة الوطنية بوحدات من عملة أجنبية, أو هو قيمة وحدة من عملة أجنبية بوحدات من العملة المحلية. ونظرا لسيادة الدولار الأمريكي في التعاملات الدولية بالمقارنة بالعملات الأخري فيجري تحديد قيمة الجنيه المصري بما يعادله من الدولار الأمريكي. والصورة الشائعة هي كم يساوي وحدة واحدة من الدولار الأمريكي بوحدات من الجنيه المصري. والمراقب لسعر الصرف في الوقت الحالي بنهاية عام2012 يجد أن الجنيه يتلقي ضربات قاسية ولكمات موجعة في سوق الصرف الأجنبي حيث تنخفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بمعدل قرش أو قرشين يوميا. إن انخفاض قيمة الجنيه المصري يترتب عليه ارتفاع أسعار الواردات من السلع الاستهلاكية والمواد الخام ومستلزمات الإنتاج والآلات والمعدات والأجهزة. وبالتالي ارتفاع أسعار السلع المستوردة والمنتجة محليا, ويسري هذا الارتفاع في جسد الاقتصاد الوطني مسببا موجات تضخمية عاتية تعصف بالقوة الشرائية للجنيه المصري في السوق المحلية, وينتج عن انخفاض القوة الشرائية للجنيه المصري, انخفاض مستوي معيشة الأفراد والأسر من مكتسبي الأجور وأصحاب المعاشات وذوي الدخول الثابتة مثل أصحاب الودائع المصرفية, وحائزي الأوراق المالية ذات الدخل الثابت مثل السندات, كما يضر انخفاض قيمة الجنيه المصري بأصحاب الاستثمارات عند إعادة تحويل استثماراتهم مرة أخري من الجنيه المصري إلي عملة من العملات الأجنبية. والنظرة التحليلية لسوق الصرف الأجنبي توضح أن استمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري محصلة لعدة عوامل تتفاعل مع بعضها منتجة لهذا الانخفاض. فهناك طلب متزايد علي شراء الدولار الأمريكي وانخفاض المعروض منه. وتلعب الحالة الراهنة من عدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني وتناقص موارد النقد الأجنبي من السياحة والاستثمارات دورا فعالا في هذا الاختلال بين قوي سوق الصرف الأجنبي. حيث تدفع هذه الحالة أصحاب الموارد المالية بالجنيه المصري إلي الخوف من انخفاض القوة الشرائية لهذه الموارد فيسارعون إلي تحويلها إلي الدولار الأمريكي. وفي الوقت نفسه تزداد رغبة أصحاب الموارد المالية بالدولار الأمريكي في الاحتفاظ بها باعتبارها مخزنا للقيمة. وذلك بالإضافة إلي صعوبة تدخل البنك المركزي لحماية الجنيه المصري بسبب تناقص الاحتياطي النقدي لديه. لذلك فإن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني وتناقص موارد النقد الأجنبي من شأنه أن يعمق هذه الاتجاهات في سوق الصرف الأجنبي وأن ينطلق لولب التضخم في أسواق السلع والخدمات مسببا مزيدا من الاحتقان والغضب الجماهيري الذي يعمق بدوره حالة عدم الاستقرار السياسي. وهذه الحلقة الجهنمية يمكن لها أن تستمر خاصة وأن الحكومة مكبلة بقيود تزايد المديونية وتزايد عجز الموازنة العامة وتناقص موارد النقد الأجنبي مما يعوقها عن التصدي لتدهور قيمة الجنيه المصري في سوق الصرف الأجنبي. كما أن زيادة الصادرات قد تواجهها صعوبات زيادة الطاقة الإنتاجية في مدي زمني قصير. كما أن توجيه جانب من الناتج المحلي للتصدير ووضع قيود علي الواردات قد يؤدي إلي نقص المعروض من السلع في الأسواق وبالتالي زيادة معدل ارتقاع الأسعار وتزايد انخفاض القوة الشرائية للجنيه المصري. لذلك أقول للمتصارعين علي السلطة إن صبر الجماهير كاد ينفذ وأن قدرتها علي تحمل هذه الحالة من عدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني وتدهور مستوي المعيشة قد اقترب من نهايته. وأن استمرار هذه الحلقة الجهنمية من تدهور مستوي المعيشة وعدم الاستقرار السياسي قد يؤدي إلي ثورة شعبية عارمة تطيح بالمنظومة السياسية الحالية وتبني منظومة أخري تحقق مصالح الشعب. لذلك أدعو النخبة الحاكمة والقوي السياسية المعارضة إلي أن تحسن قراءة الواقع لتستشف منه صورة المستقبل, وأن تعلي المصالح العليا للوطن علي المصالح الخاصة وأدعو الجميع إلي النظرة المسئولة والرؤية الواعية بما هو في صالح هذا الوطن.