نستودعك الله يا من غصت في بحر نغمات الشرق.. نستودع جسدك ولن نستودع فنك للأبد... فكم آلمنا فراق هذا الفنان الكبير والملحن الموهوب الذي تميز بأجمل الألحان التي أطربتنا وأشجنتنا علي مدي عقود من الزمان. لمن لا يعرفه إنه الفنان الإنسان المتواضع.. صاحب الرصيد الفني الغزير عمار الشريعي.. قمة وقيمة شامخة من القمم الفنية المعاصرة في مجال الموسيقي, إنه شخصية صعبة التكرار فنادرا ما تجد فنان يتسم بهذا الإبداع والثراء العقلي والذهني وأيضا تواضعه وخفة ظله التي تمتع بهما مما أضاف لرصيده الجماهيري لدي عشاقه ومحبيه. ورغم إعاقته البصرية إلا أنه استطاع بقوة إيمانه وصبره أن يتحداها بمنتهي المثابرة. لقد أثري الحياة الفنية بأعماله وإبداعاته التي ما دامت تمتعنا وستبقي في وجدان الشعب المصري والعربي, فهو فخر لكل موسيقي لما قدمه علي مدار تاريخه الفني الطويل ويكفينا ما قام بنقده وتحليله من خلال البرنامج الرائع غواص في بحر النغم والذي يعتبر وثيقة تحليلية استطاع من خلالها تقريب الألحان الشرقية للجمهور العربي. فسيظل هو الفنان الرمز للفن الموسيقي الشرقي علي مر التاريخ. ورغم فقدانه للبصر لكنه تحلي بالبصيرة التي أنعم الله بها عليه واستطاع بإحساسه الفني الراقي أن يخاطب وجدان الملايين في العالم العربي حيث تخطت موسيقاه الحواجز الجغرافية للمكان واستطاع أن يفرز المشاعر الفياضة من ثناياه ويتوغل في القلوب المحبة والعاشقة لألحانه البسيطة الناعمة ذات الانفعالات القوية.فقد تحدي الإعاقة وأثبت مقدرته وتفوقه علي نفسه; حيث كان خير مثال يحتذي به في الموهبة الرفيعة ذات الألحان الغزيرة والإلهامات المنسابة في خضم العواطف والذكريات,لقد ترك بصمات عديدة في المجال الموسيقي من خلال إتقانه وإحساسه المرهف حيث استطاع أن يوجه ويعلم ويوظف ليس فقط الشباب أو المواهب الفنية المبتدئة التي احتضنتها برعايته ولكننا نستطيع أن نقول إنه حرك عواطف أجيال من المطربين وقام بإشعال نيران الوطنية التي لم تنطفئ من خلال إبداعاته التي استمرت لما يقرب من ثلاثة عشر عاما من الاحتفالات الوطنية التي كنا نتلهف لسماعها لنحظي بمتعة السيل الغزير من الألحان الجميلة, وبأبوته الحنونة اهتم بموسيقي الأطفال وقدم أروع الألحان,هذا بالإضافة لما قام به من ثراء في الأفكار والألحان لكل ما وضعه من موسيقي للأفلام أو المسلسلات والتي لا تزال تتربع عرش هذا النوع من الفنون والذي تميز به وترك لنا فيضا غزيرا لموسيقي خمسين فيلما سينمائيا أشهرهم البريء, أرجوك أعطني هذا الدواء, حليم, ومائة وخمسين مسلسلا تليفزيونيا من أفضل الموسيقات التي قدمت للمسلسلات وأهمها رأفت الهجان,الشهد والدموع,زيزينيا,نصف ربيع الآخر,دموع في عيون وقحة, كما قدم ألحان عشر مسرحيات مثل الواد سيد الشغال, علشان خاطر عيونك, وأيضا عشرين عملا إذاعيا, هذا بالإضافة لما قدمه من مجموعة البرامج الإذاعية والتليفزيونية والتي لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا في العالم العربي علي رأسها غواص في بحر النغم والذي يقدم منذ عام1988, مع عمار الشريعي وسهرة شريعي وجميعهم من أجمل البرامج الهادفة والمحببة للجمهور. أما في مجال الموسيقي البحتة فقد كتب كونشيرتو لآلة العود والأوركسترا, وأيضا متتالية للاوركسترا علي مجموعة من الألحان العربية المعروفة.وقد حصل علي العديد من الجوائز والأوسمة من مصر وبعض الدول العربية للعديد من أعماله لسنوات طوال, والأكثر من ذلك أنه استطاع أن يتعدي الحدود الشرقية والعربية ويكون سفيرا لبلدنا بفنه الإبداعي الراقي الذي يلهب الأحاسيس ويرهف الوجدان ويحصل علي جوائز مهرجانات من دول أوربية مثل مهرجان فالنسيا بإسبانيا ومهرجان فيفييه بسويسرا.ومن أفضل التكريمات التي حصل عليها والتي تؤكد تخليد أعماله ومنحها القدرة علي البقاء هو تناول تلك المؤلفات والألحان من خلال دراسات علمية بحثية مستفيضة في المعاهد والكليات المتخصصة حيث انصب اهتمام الباحثين علي أعماله من خلال سبعة رسائل للماجستير وثلاثة رسائل للدكتوراه بالإضافة لرسالة دكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا. فما قدمته للموسيقي سواء كعازف أو مؤلف وملحن أو ناقد وحتي كمكتشف للمواهب الشابة كان دعما حقيقيا للفن الموسيقي المصري والعربي ومنه تربعت علي عرش قلوب الملايين في العالم أجمع. رحم الله الشريعي وأسكنه فسيح جناته.