يصعب علي أي محلل ان يعطي إجابة قاطعة ومانعة فيما حدث بغض النظر عن النتائج والمحصلات غير المحمودة, والتي لسنا في حاجة إليها في ظل الظروف التي تمر بها مصر الآن من عدم وفاق سياسي وانهيار اقتصادي وتصاريح القوي السياسية. وكذلك تلك الظلال من الشك والتخوين وعدم المصداقية, وهي التي تقف وراء ما يحدث الآن ولا نقصد به منذ تولي الرئيس مرسي فالرجل ليس له في الحكم سوي بضعة أشهر, لا يمكن ان تكون محلا للقياس والإنجاز علي الرغم من انها كانت شهورا عصيبة بذل فيها مجهودا كبيرا ولكن الوضع الذي تسلم فيه البلاد شاق وصعبا قد كتبنا منذ فترة في ذلك الموضع علي أنه مأزق كبير ومهمة شاقة تكاد تصل الي حدود المستحيل, وعلي الرغم من ذلك فإن ما حدث قد يكون من وجهة نظر البعض صائبا, جاء في موضعه ولا أقصد بهم الإخوان المسلمين, ولكن من شرائح عديدة من المجتمع ولكنها مع ذلك تظل أقلية بالنظر إلي بقية القوي السياسية والأحزاب والائتلافات, حتي وان اقتصرت علي التنظيم والتوحد وليس بينها وفاق أوصدق ووضوح, ما حدث بالنسبة للتأسيسية وعدم الاتفاق والوفاق والانسحابات التي حدثت منها تلك هي الأسباب الحقيقية التي قادت إلي الوضع الذي نحن عليه الآن, أي ذلك المأزق وذلك بغض النظر عن تلك اللحظة التي اتخذت فيها القرارات, والتي كانت هي الدافع لها, وذلك علي الأقل من وجهة نظر الرئاسة, أو الذين اتخذوها وتلك الحالة من الدوائر المفرغة التي بات عليها العمل السياسي في مصر, والذي أدي الي وجود حالة من الاحتقان لدي القوي السياسية الأخري التي رأت أنها ليس لها وضع ونصيب في الحكم والمناصب الوزارية التي رأوا أنها صارت حكرا علي الإخوان بالاضافة الي غياب ما بين الإخوان وهذه القوي السياسية التي اتفقت من قبل مع الإخوان من أجل اسقاط النظام السياسي وحكم الرئيس مبارك, الذي وحد بينهما في هذه الحالة, وقد كانت أسباب ذلك التوحد شخصية علي نحو كبير منها بالنسبة لهذه القوي السياسية نتيجة ممارسات أو تجاوزات النظام السابق بالنسبة لهم, وكان هدفها إسقاط ذلك النظام من منظور ثأري في معظمه. قامت الثورة بفعل مجموعة نواة من الشباب الثوار الذين صمدوا واستطاعوا بفعل استخدام وسائل الاتصال الحديثة وهي الشبكة الإليكترونية ان يتواصلوا عبر هذه المواقع وان يجمعوا انفسهم أي ان ثورتهم تزايدت من خلال الإنترنت وقد نجحت وكانت في حاجة إلي تدعيم فكانت القوي السياسية الأخري وراءها وقد رأت فيها ضالتها المنشودة ولكن لم يكن يسبق ذلك أية تنسيق بين هذه القوي السياسية أو اتفاق ولم تكن هناك رؤية محددة لهذه الثورة خلال تحديد مجموعة من الأهداف لذلك فهي قيل عنها انها ثورة ليس لها عقل أو رؤية كما هو قبل وبعد, وسرعان ما اكتشفت هذه القوي السياسية ان كل منها تسير في واد والآخر في واد مختلف وليس هناك ما يجمع بينهما وكل منهما تتكلم لغة مختلفة وكأن سقوط النظام حفل وعرس سرعان ما انتهي بليلة سقوط مبارك وبعدها بدأت الخلافات وبدأ تصارع القوي السياسية وكل منها قد حاول ان يكون ليس فقط صاحب النصيب الأكبر وهناك من يشاركه في بقية الأنصبة الأقل ولكن لعدم وجود الاتفاق والتوافق وشيوع الاختلاف فلم يكن هناك بالقطع انصبة وقد تمكن الإسلاميون من حصد المقاعد والوصول إلي سدة الحكم بحكم انهم الأكثر تنظيما وتأثيرا في الشارع المصري, والكل يعلم تماما ان التيار المصري لو سنحت له الفرصة فهو حتما لابد وان يفوز ليس فقط بسبب التنظيم لدي الإخوان المسلمين ولكن أيضا بسبب وجود نزعة التدين التي تجذب الكثيرين والدليل هو نجاح أعداد كبيرة من حزب النور السلفي علي الرغم من حداثة التجربة السياسية بالنسبة لهم والتي لم تتجاوز شهورا معدودات وقد عكس ذلك تركيبة مجلسي الشعب والشوري وتلك الممارسات التي اتسمت بالبساطة والعفوية في أول انعقاد لمجلس شعب وبعدها جاءت الانتخابات بالرئيس مرسي كأول رئيس منتخب وبغض النظر عن الخبرة في الممارسة السياسية والحكم وذلك بحكم الوضع وهو حداثة الممارسة وصعوبة الظروف التي تولي فيها وكذلك الأزمات المعضلة التي أخفقت فيها الحكومات التي سبقت توليه وحكومته ذات العمر القصير والتي كانت بفضل هذه الظروف مجرد حكومة اطفاء حرائق وفي ظل عدم التوافق والغياب التام لأية ائتلاف سياسي ما بين القوي السياسية وفي ظل الفراغ السياسي الذي وصل إلي حد كبير وذلك مع الضغوط والمشكلات الإقليمية والخارجية وعدم تحقق الاستقرار والأمن بالقدر الذي يشبع رغبة الشعب في الطمأنينة والأمان قد شكل كل هذا مع التدهور الاقتصادي والمطالب الفئوية ضغوطا علي الحكومة والرئاسة, وهي قد صارت بمثابة مصادر تهديد علي حد تعبير البعض والتي كانت أحد الأسباب والدوافع وراء اتخاذ هذه القرارات التي رأي فيها البعض انها صادمة وأنها تعني الاستحواذ والهيمنة علي كل السلطات, وأنها مثلت تحديا سافرا للقضاء وأنها قد كانت بمثابة مذبحة للقضاء وان الرئيس مرسي بتلك القرارات قد ألغي ذلك المبدأ المعروف بالفصل بين السلطات الذي يعد أساس الممارسة الديمقراطية ولقد اصبحت السلطات كلها في يده وانه قد حصن بها مجلس الشوري والتأسيسية وألغي إرادة الشعب ذلك هو الناتج والمحصل الفعلي لهذه القرارات من وجهة نظر المحللين السياسيين الرافضين لها والرافضين لنعتها بالثورية وذلك بالنظر إلي أنه كان يمكن قبولها عقب قيام الثورة ولكن بعد الانتخابات وبعد وصول رئيس إلي سدة الحكم فهي تمثل ردة وانتكاسة وعلي الطرف الآخر هناك من يؤيدونها ويجدون انها بالنظر لمجمل الظروف الحالية وعلي حد تعبيرهم تجاوزت أحكام الدستورية وعلمهم بنية حل التأسيسية ومن قبل ذلك مجلس الشعب وهو ما يعني المزيد من الفراغ السياسي والدوائر المفرغة وان هذه القرارات جاءت كنوع استباقي ولكن قد تكون هناك عجالة وفجائية بالنسبة للشارع السياسي والقوي السياسية وقد كان لابد وان يكون هناك نوع من القياس او الاستطلاع السريع بالنسبة لموقف الشارع السياسي وأيضا طرح مجموعة من البدائل التي علي شاكلة هذه القرارات أو ذات الطابع الحمائي ومناقشة بعض القوي السياسية فيها والفقهاء والسياسيين حتي من هم خارج دائرة الرئيس, وذلك للوقوف علي مدي رد فعل الشارع من مختلف القوي السياسية ومدي تقبله ورد فعله لها, وما إذا كان ذلك التوقيت ملائم لها وطبيعة الظروف السائدة من عدمه ذلك هو السبب وراء ما حدث من رد فعل ذكي منه كما اسلفنا طبيعة الظروف السياسية الراهنة وعدم التوافق ما بين القوي السياسية والذي كان يستوجب ان يكون هناك نوع من التواصل وبناء جسور الثقة والمصداقية فيما يتعلق بالنوايا بالنسبة لحكم الإخوان, وقد كان غياب ذلك هو السبب فيما حدث إلي جانب عدم ملاءمة التوقيت وكذلك الكيفية التي صنعت بها هذه القرارات, لقد اصبحت مصر الآن في مفترق طرق بل أخشي ان تكون قد اصبحت علي المسار الخطأ الذي يدخل بنا في نفق مظلم والأمر يحتاج الي الحكمة والعقلاء إلي التوافق بعيدا عن نزعة الوصول إلي الحكم. دكتوراه في العلوم السياسية