لا يمكن فهم النقاش العام والجدال الدائر سواء داخل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أو في المجال العام المصري في اطره النخبوية والشعبية الا في ظل عدة معطيات. أولها ان المؤسسات السياسية تعبر في كثير من الاحيان عن الترتيبات التي تتخذها السلطة للحفاظ علي النظام السياسي والوضع القائم وتعكس التغيرات التي تطرأ علي المؤسسات السياسية ما يحدث من نغيرات في البيئة والحياة السياسية أو الرغبة في إحداث مثل هذه التغيرات للوصول الي وضعية جديدة في النظام السياسي. وثانيها ان المؤسسات بصفة عامة ضرورة لازمة للنظم الديمقراطية باعتبار انها تلطف من حدة الصراعات والاختلافات وتوفق بين المصالح المتضاربة وتكون بمثابة اجهزة وسيطة بين النخبة والجماهير تحول دون ظهور سمات المجتمع الجماهيري أو المجتمع المتسيب والتي يغلب عليها مؤشرات العنف وعدم الاستقرار السياسي. وثالثها انه من الناحية العملية مجرد وجود المؤسسات لا ينتج المعطيات فان مصر عرفت نظام المجلسين في دستور عام1923 وكانت دواعي انشاء مجلس للشيوخ حسب المذكرة التفسيرية للدستور تحوطا من امكانية استبداد البرلمان اذا كان مكونا من مجلس واحد وتلافيا للخطأ أو التسرع إذ يقوم كل من المجلسين بمراجعة أعمال الأخر وتصحيح الأخطاء لكن الواقع والممارسات اثبتت ان مجلس الشيوخ كان اقل ديمقراطية في تكوينه واكثر تعبيرا عن الطبقات الثرية في المجتمع وان الملك كان له حق تعيين خمسي عدد اعضائه. وبعد ثورة يوليو1952 ساد نظام المجلس الواحد في مصر حتي جاء السادات عبر تعديل دستور عام1971 الذي تم عام1980 وأنشأ مجلس الشوري الذي اختص بالدراسة وإبداء الرأي فيما يعرض عليه من موضوعات دون ان يكون رأيه ملزما للحكومة ويعين رئيس الجمهورية ثلث اعضائه. فهل اداء مجلس الشيوخ في العهد الليبرالي او مجلس الشوري كان تدعيما للممارسة الديمقراطية أو القيام بدور تشريعي فاعل؟ الواقع ان الاجابة بلا كبيرة فمجلس الشيوخ أنشيء في دستور عام23 لاحداث التوازن بين الاتجاهات الديمقراطية والشعبية لنواب الشعب والاتجاهات الاوتوقراطية للقصر والفئات التي رأت في الحركة الشعبية خطرا علي مصالحها. ومجلس الشوري كان ستارا لسيطرة الحكومة علي الصحف القومية واخضاعها كبوق لسياسات النظام كما كان تعيين الثلث بمثابة مكافأة لأنصار النظام وعملائه وسماسرة السياسة علي مدح الحاكم وتنفيذ توجهاته والتماهي مع تطلعاته. من هنا فان مجلس الشيوخ والشوري في التاريخ المصري هو تاريخ سييء السمعة سلطوي يحمل الخزانة المصرية بما لا تطيق ولا يدعم الديمقراطية بل هو حرب علي الديمقراطية وأداة سلطوية تشجع سماسرة السياسة علي الانحراف عن مصالح الشعب طمعا في نيل مقاعده.. وفي معرض تقرير ما إذا كانت الهيئة التشريعية ستتألف من مجلس واحد, أو من مجلسين( المجلس الأعلي والمجلس الأدني). فانه إذا كانت الدولة فدرالية تتألف من عناصر تتمتع بالاستقلال الذاتي, مثل الولاياتالمتحدة أو ألمانيا, فمن المستحسن ان يكون هناك مجلس تشريعي ثان ( عادة, مجلس أعلي مثل مجلس الشيوخ الأمريكي) يمثل مصالح تلك العناصر. ويتمتع المجلس الثاني أحيانا بصلاحيات محدودة تنحصر في بعض القرارات مثل تلك المتعلقة بالضرائب والتعيينات القضائية وغيرها, أو بمسائل تؤثر مباشرة علي تلك العناصر المكونة بالذات. فالمطلوب هو الغاء ذلك المجلس المشوه. واعطاء مزيد من الصلاحيات للاقاليم المحلية من هنا التساؤل كم من السلطة والاستقلالية الذاتية يجب ان تعطي إلي مستويات الحكم الدنيا مثل المناطق أو الوحدات القومية؟ وأي قدر من السلطة المستقلة يجب منحه للمدن والبلدات والقري؟ فمجال الامكانات واسع بدءا بالوحدات التي تتمتع باستقلال ذاتي واسع ووصولا إلي السيطرة المركزية الكاملة. ثمة أسباب كافية لمنح الوحدات المناطقية والمحلية استقلالا ذاتيا بالقدر الذي يمكنها فيه إدارته, ذلك أن الإدارة المركزية, في كثير من الاحيان, لا تألف الظروف والاحتياجات المحلية كذلك فإن المشاركة في الحكومات المحلية توفر للناس فرصة المشاركة مباشرة في صنع القرارات الأساسية التي تؤثر في حياتهم, كما بإمكانها ان تكون جزءا مهما من الحكم الذاتي الديمقراطي.