ثلاثة عناصر تصيب الديمقراطية في مقتل هي القوة اللا محدودة والتشيع لفكر أو تنظيم أو حزب والتصيد للأخطاء وعدم المصالحة مع الذات أو مع الآخرين أو مع الماضي. أما القوة اللامحدودة فخطورتها تكمن في أنها تصيب صاحبها بالصلف والغرور فلا يري إلا نفسه فيترسخ لديه ثقة متطرفة في ذاته لاتتفق مع مكونات وقدرات هذه الذات فيحتمي بغروره وتسلطه فلا يعرف قيم العدالة ولايسمع إلا ذاته فلا وازع يحركه سوي مرآته التي يري فيها صورته الخادعة والمستعارة في أبهي صورة فلا يسترق السمع لشعبه ولايعي احتياجات وطنه وتلك الصفات إذا التصقت بحاكم لصارت نقمة علي الديمقراطية ومسمارا يدق في نعشها وقد تصبح أيضا نذير شؤم علي الحاكم ذاته وطريقا ممهدا للهاوية, واصدق دليل علي هذا ماحدث في ثورات الربيع العربي. أما العنصر الثاني الذي يهدد عرش الديمقراطية فهو التشيع لفكرة أو تنظيم وهذا العنصر لايقل خطورة عما سبق لأنه يمثل أهم أسس المناخ الديمقراطي نظرا لكون التطرف في اعتناق فكر بعينه أو اطار فكري لتنظيم أو حزب يعد عزلا للآخر وعدم الاعتراف بالأفكار المضادة أو وجهة النظر السياسية المخالفة.. وفي حالات نادرة يتطلب أرضية ثقافية متفتحة وعقلا متطورا وقد يصبح التشييع لفكر ليس نفيا للآخر ولا حائلا في مواجهة التعبير عن رأيه وهذا الاستثناء لا أرضية له إلا في الدول المتقدمة التي ترسخت بداخلها مفاهيم الخلاف والثقة المتبادلة بين كل الاطراف. اما آخر هذه العناصر فهو التصيد وعدم المصالحة سواء مع الذات أو الآخرين ويعد هذا العنصر بالذات هو الأرض التي يقام عليها الصرح الديمقراطي وهو بناء يتطلب منح الفرصة كاملة والمساحة الزمنية التي يتطلبها هذا البناء والموافقة ضمنيا علي بعض الاخطاء الناتجة عن حداثة التجربة الديمقراطية لبعض الدول التي عانت كثيرا من النظام الديكتاتوري علي مدي التاريخ فتوطد لديها مفهوم راسخ بعدم التصديق والثقة في الآخرين. وإذا اخترنا علي سبيل المثال دولة كمصر سنري أنها عاشت مناخا ضاربا في عمق التاريخ مع الديكتاتورية والاستبداد فصار وجود مناخ ديمقراطي يدفعها دون ارادة أو تفكير أو حذر إلي اخراج الطاقة الكامنة للتشبع بمناخ الحرية وهو ماينتج عنه بطبيعة الحال بعض السلبيات في الممارسة وبعض المطالب المتزايدة كتعويض منطقي عن حقب النفي والمعاناة وهو مايطفو الآن علي الساحة بشكل ملحوظ ولافت وهو مايدفع أيضا الطبيعة البشرية إلي تصيد أخطاء الحاكم وتركيز الضوء علي كل ممارساته دون الوضع في الاعتبار ضرورة منحة الوقت الكافي والمناسب للحكم علي ممارسات هذا الحاكم والحكم علي صلاحيته من عدمه.. وهذه الأمور جميعا صارت واضحة وجليه بالنسبة للرئيس محمد مرسي فلم يكد الرجل يجلس علي كرسي الحكم حتي صارت المطالب والنقد يلازمه بشكل لايمنح للرجل فرصة حقيقية للتأني واتخاذ القرار المناسب لوضع مصر علي الطريق الصحيح. اما الضرورة الملحة علي المرحلة الحالية للبناء الديمقراطي فتتركز في التصالح مع الماضي بشكل جعلنا نأخذ أحسن مافيها ونضع السيئ جانبا.. أضف إلي ذلك المصالحة مع الآخرين والتماس الاعذار لهم فلا نفي لمن عاشوا هذا الماضي بل فرصة جديدة ومساحة من التكفير والتصحيح للأخطاء وعودة إلي الطريق القويم.. عندئذ سنصنع مجتمعا من التجانس والتوافق قد يكون هو الامل الأخير نحو مستقبل أفضل وإلا سنعود إلي نقطة البداية ولن يكون هناك مستقبلا جديدا ننشده لوطننا أو لأنفسنا. [email protected] رابط دائم :