كما أن للديمقراطية محاسن ومزايا كذلك لها من المآسي الكثير... ولهذا ترتبط الديمقراطية بنظام التطبيق وبطبيعة الشعب الذي يمارسها فليست الديمقراطية مرسوما ملكيا أو فرمانا سياسيا يصدره الحاكم. وانما هي ايمان شعب وقدرته علي الممارسة والاستجابة ولذلك لابد ان يسبقها اعداد جيد وثقافه تحميها وإلا تحولت إلي نوع من الاستبداد والفوضي. وقد تحتاج ايضا في كثير من الاحيان خاصة الممارسات التي تتعلق بالحاكم إيثار النفس واعمال المصلحة العامة فوق كل المصالح السياسية والعقائدية فلا ينبغي لحاكم يريد ديمقراطية حقيقه ان يقع تحت تأثير الانتماء السياسي او العقائدي بل عليه ان يبادر بازاحة كل هذه المؤثرات ولا يبقي في جعبته إلا مؤثر واحد هو انتماؤه لشعبه بكل فصائله السياسية وتوجهاته الفكرية والعقائدية فلا مكان في قلب الحاكم لفكر واحد ولا عقيدة واحدة بل عقل يضع العواطف والانتماءات في منفي قلبه وعقله ومن هنا يصبح للحاكم عقل وقلب شعبي يتحصن به ويعمل لاجله. وفي مقالي السابق قلت ان الديمقراطية تحتاج الي ادوات والي قوة ترسخها وتحميها وان يكون هناك قدرة علي الفصل ما بين الحرية والفوضي وبين سيادة القانون وسيادة البلطجه سواء كانت هذه البلطجة ممارسات منفلتة او بلطجة فكرية تفرض وجهة النظر الأحادية ولا تقبل المخالف للرأي وتنفي مبادئ احترام الآخر واعتباره خارجا علي القطيع. وبنظرة متأنية وسريعة علي أحداث الاسبوع الماضي نستطيع بعيوننا المجردة أن نري مشهدا دراميا حزينا وكئيبا يتصدر المشهد السياسي في مصر فنحن أمام مأزق حقيقي ومخيف وينذر بأن الخطر قادم إذا لم ننتبه إلي ما تحت أقدامنا من الالغام. ومن خلال سرد كل ما حدث سواء ردود الأفعال الغاضبة تجاه الفيلم المسيء للرسول( صلي الله عليه وسلم) والتي ابرزت وجود حفنة لا تعي أساليب التعبير المتحضر ولا تدرك حتي ابسط القواعد الاخلاقية للرسول( صلي الله عليه وسلم) من تسامح وتحويل العدو الي صديق ونزع الكراهية بأخلاقياته الراقية والمترفعة إلي حب وسلام وهناك الكثير من الأمثلة التي يمتلئ بها كتب التاريخ والسيرة النبوية. أضف إلي ذلك ان الأسلوب غير المتحضر ينم عن عدم وعي ثقافي لطبيعة عمل الرسل المبعوثين من قبل الدول وحرمة ذلك في الاسلام وهي حرمة رسخها رسول الاسلام وشدد علي احترام الرسل حتي وان كان رسول هذه الدول لا ينتمي إلي أي عقيدة وهذه الحماية لا تقلل من قيمة رسول الله في قلوبنا بل علي العكس فهي تعكس مدي تحضر رسولنا ومدي رقي ديننا الحنيف... ولكن بهذه التصرفات الحمقاء أصبحت الصورة أمام العالم أجمع بأننا شعوبا لا تحترم حرمة السفراء ولا ترتقي في أسلوب التعامل مع المواثيق والمعاهدات الدولية... فغدا الانتصار لرسول الله عملا لو كان بيننا لأغضبه ولتنكر له. والشئ الآخر الذي يدمي القلوب ويشتاط له العقل هذه الصورة البالية الخرقة التي تناولتها وسائل الاعلام العالمية من ضرب رجال الأمن والشرطة المصرية بالحجارة وأني أكاد أجزم أن كل من كان يشاهد هذا المنظر الفظ يتساءل ما علاقة اعتراض هؤلاء علي الاساءة لرسولهم بضرب رجال الامن والاعتداء عليهم. ولهذا أثبتنا للعالم أننا شعوب لاتعي معني الديمقراطية ولا يمكن بأي شكل من الاشكال أن تتعامل مع هذه المنظومة من الحريات وقد اصبح جليا أننا أدمنا الديكتاتورية فصارت جزءا من نسيج المواطن المصري. وللحديث بقية. [email protected]