كانا يسيران علي خطي الأوائل في مراحل تعليمهما المختلفة, فأصبحا كالنجوم تتلألأ في السماء في أعين أسرتيهما وذويهما.. حسن الله خلقهما وخلقهما بعد أن أنارت آيات القرآن التي حفظاها قلبيهما قبل عقليهما. هكذا وصف أهل مدينة الفشن ببني سويف بعضا من صفات الطفلين محمود الحنفي, ومحمد ماهر, اللذين لم يتخطيا عامهما الرابع عشر بعد أن ذابا في مياه النهر التي طمعت مياهه في جمالهما, وأبي النهر أن يتركهما يخرجان لتنطفئ شمعتهما, وتسقط أوراقهما من شجرة أسرتيهما التي اهتزت غزلا, وتمايلت يسارا ويمينةعندما كانت تتفاخر بهما. فلم يمض علي غرق محمود سوي ستة أيام حتي لحق به جاره وصديقه محمد في المكان نفسه من ضفة النيل المطلة علي منزليهما, وفي التوقيت نفسه من عصاري النهار, لتشهد بعدها مدينة الفشن أسود يوم مرت به منذ سنوات مديدة, فقد اتشح الجميع بلباس الأسي, وتزاحموا علي بيوت أسرتي الطفلين, فلم يكن أحد يعرف من المعزي.. ومن صاحب الفاجعة, فالوجوه تحمل نفس تجاعيد الحزن والدموع بمقدار واحد, وصراخ النساء يرجع بالصدي نفسه. ولم تلبس المدينة أن تودع الملاك والشهيد الأول إلي مثواه الأخير في مشهد مهيب, حتي جاء الفاجعة الثانية لتخبرهم بموعد مع الألم والفراق, وأصبح قوي المولي وتري الناس سكاري وما هم بسكاري متمثلا في الجميع بعد أن أدهشم هول ما تعرضوا له من غرق أفضل أطفال القرية, وأقربهم لقلوب الجميع. يقول محمد عبدالحليم( من جيران الشهيدين): بعد أن فشلت كل محاولات الحديث إلي الوالدين والأشقاء, ذهب محمود بعد أن أغراه أصدقاؤه للاستحمام في مياه النيل هربا من الحر القاتل, وكان لا يجيد السباحة, ولا يعرف لغدر المياه مخرجا, وابتسمت له موجات النهر وأخذت تسحبه من شطها إلي قلبها, وأبت أن تعود به مرة أخري إلي أصدقائه وأهله. والغريب أن الأمر تكرر مع جاره وصديقه محمد الذي ذهب في البداية ليلقي نظرات الوداع علي مكان غرق صديقه, وفي اليوم السادس من وفاته جاء أمر الله ليمتثل له محمد, وينزع ملابسه وينزل إلي المياه لتخرج روحه وتلحق بمحمود, ويقبع جسده الطاهر تحت غطاء جمع بينه وبين صديقه في مثواهما الأخير, وكان الصبيان قد لقيا مصرعهما غرقا في مياه النيل أمام مدينة الفشن ببني سويف, بعد أن توجها للاستحمام هربا من حرارة الجو, وقد تم انتشال الجثتين وأخطرت النيابة التي باشرت التحقيقات. كان اللواء عطية مزروع مدير أمن بني سويف قد تلقي إخطارا من العميد علاء شاكر رئيس الرقابة الجنائية يفيد بغرق طفلين في المرحلة الإعدادية في أثناء استحمامهما في مياه النيل, بأمر بسرعة توجه قوات الإنقاذ النهري لانتشال الجثتين, وتحريات المباحث حول الواقعة. دلت تحريات الرائد مصطفي عقرب رئيس مباحث الفشن علي أن الطفل محمود الحنفي(14 سنة) طالب إعدادي, ذهب إلي نهر النيل مع زملائه للسباحة, وبسبب عدم إجادته السباحة جرفه التيار وغرق ولقي مصرعه بسبب إسفكسيا الغرق, وفشل زملاؤه في إنقاذه, وهو ما حدث لطفل آخر يدعي محمد ماهر(14 سنة) بعدها بأسبوع لنفس الأسباب. واستطاعت قوات الإنقاذ النهري بإشراف العقيد الحسيني درديري انتشال الجثتين بعد بحث دام12 ساعة متواصلة في قاع النيل. تم تحرير محضرين بالواقعة وأمر محمد عبدالمنعم مدير نيابة الفشن بإشراف المستشار حمدي فاروق المحامي العام الأول لنيابات بني سويف, بدفن الجثتين بعد التأكد من عدم وجود شبهة جنائية وراء الحادثين.