القتل العمد هو الحقيقة التي تمارسها وزارة الصحة تجاه المصريين كبارا كانوا أو أطفالا. فالعلاج أصبح مطمحا بعيد المنال,فلا توجد وزارة صحة بالمعني السليم في مصر إنما هي وزارة تضم عشرات الإدارات والهيئات وآلاف المستشفيات والوحدات الصحية التي ورثت من زمن جمال عبد الناصر, ورغم تكدسها بالأطباء والموظفين والفنيين والتمريض والتجهيزات والأسرة فإنها مستشفيات خالية من الحياة تشتم بها رائحة الموت وتخلق داخلك شعورا بالاكتئاب المزمن..وتجعل بينك وبين الأمل في الشفاء خصومة..فهي مستشفيات تقع تحت عنوان عريض هو الداخل مفقود والخارج مولود. وعلينا تحديد نموذج من الصروح التي تمتلكها مصر لكن وزارة الصحة قررت أن تتخلي عنها ومنذ سنوات تاركة أمرها لتبرعات أهل الخير وعلي اعتبار أنها وزارة تعودت أن تمارس مع النظام الحاكم ألاعيبه السياسية وأن تعد الأماكن للتصوير لا للعلاج! وإن كان هناك نجاح في أي مؤسسة طبية فيرجع أولا لله تعالي ثم تبرعات أهل الخير وهذا لايكفي لبناء صحة شعب. ونطرح نموذجا يحاول أن يستمر في مواجهة أعاصير الإهمال النموذجي في وزارة الصحة بإيجاد مكان له علي خريطة المستشفيات المحترمة في العالم التي تريد تقديم الخدمة لكنها بالطبع تتعامل مع عينات من مجتمع المرضي بينما تترك الآلاف في طابور انتظار طويل يحصد الموت العشرات منه مع مطلع شمس كل يوم وقبل أن يصلوا الي سرير في المستشفي. والنموذج هو معهد القلب الذي من المفترض أنه يمثل مدينة طبية متخصصة في جراحات القلب بكل أنواعها للكبار والأطفال خاصة في دولة مثل مصر تتزايد أعداد مرضي القلب فيها سنويا بنحو مليون و600ألف مريض. جميعهم تتطلب حالاتهم علاجا وخدمة سريعة وكفاءة عالية لإنقاذهم. والمعهد يواجه مشكلات عديدة أهمها زيادة أعداد المرضي * فأمامه طابور طويل يصل لأكثر من15 ألف مريض مسجلة أسماؤهم وهم في قائمة انتظار بالطبع من المستحيل أن تأتي إلا بعد سنوات وتتزايد يوما بعد يوم, والسبب أن المعهد يستقبل260 مريضا يوميا يعاني160 منهم علي الأقل من أزمات قلبية وتتطلب حالاتهم خدمة علاجية متقدمة وكفاءة طبية وأماكن مجهزة للعلاج لسرعة إنقاذهم وتحديدا( رعاية مركزة وفائقة),خاصة أن نسبة الوفاة عند الإصابة بأزمة قلبية تصل الي25%. ومعهد القلب الذي يعمل في ظروف تتسم بالصعوبة إلا أنه يقدم الخدمة الطبية التي تعتمد علي مهارة الأطباء وبأقل الإمكانات, فهو يواجه العديد من المشكلات منها وجود قسم للاستقبال لاتتجاوز إمكاناته10 أسرة علي الرغم من دخول260 مريضا يوميا للمعهد. وإن كانت الجهود الذاتية من أهل الخير قد أضافت اليها أكثر من25 سريرا إلا أنها لاتزال أقل من المعدلات الطبيعية والتي يجب أن تتوازي مع أعداد الحالات التي يتم استقبالها يوميا بخلاف مايتم رفض قبوله لعدم وجود أماكن له. ومع الخلل في تمويل احتياجات معهد القلب فقد تراجعت أعداد الجراحات التي كان يقوم بإجرائها يوميا من15 الي6 حالات فقط, والأرقام تعني أن الانتهاء من قائمة الانتظار التي تصل الي أكثر من15 ألف مريض وفي حالة إغلاق المعهد أمام أي حالات جديدة يحتاج الي10 سنوات كاملة للانتهاء من المصطفين في طابور القلوب الموجوعة!! الأسباب سبق أن ذكرها الدكتور عادل البنا عميد معهد القلب في تصريحاته لكاتب هذه السطور وهي ترجع الي عدم القدرة المالية للمعهد علي سد احتياجات الحالات الوافدة عليه خاصة مع تراجع دور المستشفيات الجامعية والحكومية في إجراء جراحات القلب بسبب ارتفاع تكلفتها المالية مع محدودية الموارد وفي إطار سياسة وضعت منذ سنوات لتحويل المستشفيات الحكومية إلي جسد بلا أحشاء.. ويعتمد المعهد القومي للقلب والمفترض أنه الصدر الحنون لمرضي مصر الفقراء وما أكثرهم في تمويله للجراحات والقسطرة التشخيصية والعلاجية التي تجري علي نفقة الدولة والتأمين الصحي بما لا يزيد علي5 ملايين جنيه لجراحات تكاليفها الفعلية تصل إلي9 ملايين جنيه ليكون هناك عجز يقدر ب4 ملايين جنيه من المفترض أن يتحملها المعهد ومن مصدر واحد هو التبرعات والتي تأتي من أهل الخير ورغم ان تكلفة مستهلكات جراحة القلب المفتوح تصل إلي20 ألف جنيه, بينما ما يصرف علي نفقة الدولة بموجب قرار العلاج لمريض القلب لا يتجاوز12 الف جنيه كحد أقصي وبالتالي يكون العجز المالي في حالة المريض الواحد8 آلاف جنيه, يرتفع هذا العجز في حالات تركيب الدعامات إلي أكثر من15 ألف جنيه. المفارقة تتكشف عندما نجد وزارة الصحة والتي قدمت علي مدار السنوات الماضية مليارات من الجنيهات للمستشفيات الخاصة وعلي رأسها دار الفؤاد ومن خلال قرارات لإجراء جراحات في القلب تتكلف علي نفقة الدولة60 ألف جنيه فأكثر للجراحة الواحدة لكن الوزارة كانت في المقابل تتحول إلي أبخل خلق الله علي المستشفيات العامة ومنها معهد القلب باعتبار أن مخطط حكومات البيزنس غير المأسوف عليها كان يستهدف تخريب القطاع الطبي العام لمصلحة تنشيط نظيره الخاص! وللأسف فإن وزارة الصحة لم تدرك حتي الآن حجم الجريمة التي ترتكب بتدمير صحة المواطنين بإجبار المستشفيات التابعة للدولة علي التخلي عن دورها والتعامل علي طريقة المستشفيات الخاصة وبأسلوب البيزنس مع المرضي الفقراء, فلا يتم استقبال أي حالة حتي ولو كانت حالات طارئة إلا بعد دفع مبالغ مالية ومن تلك المستشفيات معهد ناصر والهلال وكل المستشفيات التابعة للمؤسسة العلاجية وأمانة المراكز الطبية المتخصصة وهيئة المستشفيات التعليمية رغم أنها هيئات تتبع وزارة الصحة لكنها تحولت إلي مستشفيات اقتصادية تعتمد علي ابتزاز المرضي ويبرر قياداتها ذلك بأنها لا تتلقي أي تمويلات من الدولة وبالتالي فعليها أن تسبح مع تيار خصخصة الصحة حتي لا تشرف علي الغرق. ومعهد القلب نموذج لمدينة طبية تلفظ أنفاسها بسبب اعتلال وزارة الصحة فهل يلقي الرئيس محمد مرسي بالا للمستشفيات العامة؟ وقبل أن تعصف الأمراض والأوبئة بعقول الشعب وعلي أساس أن العقل السليم في الجسم السليم!..