(في إطار الحملة الإعلامية الضارية من أناس لاوزن لرأيهم فيما يتعلق ببقاء أو الغاء المجالس القومية المتخصصة فالأصل طبقا للشرع أن( الحكم علي شيء فرع عن تصوره) أي الإحاطة بكل جوانبه. وعليه فلا يجوز لأي عابر إبداء الرأي في هذا الأمر فقد كان في البداية هناك طرح للمفاضلة بين بقاء المجالس القومية أو مجلس الشوري؟أي إلغاء أحدهما وكان الرأي الغالب هو الإبقاء علي المجالس القومية وإلغاء مجلس الشوري. غير أنه وبعد استحواذ بعض الاتجاهات السياسية علي الأغلبية في مجلس الشوري تغيرت المعادلة تماما في اتجاه إلغاء المجالس والإبقاء علي مجلس الشوري. ونحن نري إمكانية الاتفاق مع هذا الرأي فقط في حالة إلغاء نسبة ال50%للعمال والفلاحين في الدستور الجديد. حيث نشأت فكرة المجالس القومية المتخصصة باعتبارها ضرورة عصرية استدعاها اتساع نشاط الدولة وتشعب المشكلات وتشابكها. وماتحتاجه من مواجهة علمية تدعم الرؤية السياسية وتصوغ أساليب تحقيقها وقد اتخذ تكوين المجالس القومية المتخصصة صورا متعددة في الدول المختلفة تبعا لنظمها وتوجهاتها فإرتفعت في بعض الدساتير الي درجة المشاركة في السلطة وصنع القرار كما كان الحال في بعض دول أوروبا الشرقية. وفي أحيان أخري يكون علي السلطة التشريعية والتنفيذية الحصول علي رأي المجلس المتخصصة عند مناقشة أو اقرار أي مشروع موضوع معين وهو ماقرره الدستور الفرنسي الصادر في عام1985 في شأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي.إذ يوجب اخذ رأيه في كل خطة او مشروع قانون تخطيطي له طابع اقتصادي أو اجتماعي. أما الصورة الثالثة فتكون المجالس المتخصصة فيها بمثابة اجهزة استشارية للسلطة التنفيذية او التشريعية وظهر ذلك في دستور الجمهورية الايطالية الصادر في سنة1947 حيث يعتبر المجلس القومي للاقتصاد والعمل هيئة استشارية للمجلسين النيابيين. كما نجد ان بعض الدساتير تضع خبرة المجالس المتخصصة بين يدي رئيس الجمهورية وبعضها يضعها بين يدي رئيس الوزراء وذلك تبعا لتنظيم السلطة في كل دستور وحسب طبيعة كل دولة ومتطلباتها. وفي مصر استقر الامر علي الصورة الاستشارية للمجالس القومية المتخصصة علي ان ترفع تقاريرها الي رئيس الجمهورية بإعتبارها جهازا تابعا له ومعاونا في رسم السياسات العامة طويلة الأمد للدولة. وتاريخيا وردت أول إشارة الي المجالس القومية المتخصصة في مصر في بيان30 مارس والذي وضع تصورا لدورها ومجالات تخصصها والعناصر التي تدخل في تشكيلها وموقعها من البناء التنظيمي للدولة وانطلاقا من هذا التصور والذي تأكدت أهميته في دور تلك المجالس في صنع المستقبل من خلال وثائق الدولة وبياناتها الرسمية. ثم جاء دستور1971 فأرسي وضع المجالس القومية في سياق الباب الخاص بنظام الحكم فقد تضمنها الدستور في المادة رقم164) والتي نصت علي الأتي( تنشأ مجالس قومية متخصصة علي المستوي القومي بتعاون في رسم السياسة العامة للدولة في جميع مجالات النشاط القومي وتكون هذه المجالس تابعة لرئيس الجمهورية ويحدد تشكيل كل منها واختصاصاته قرار من رئيس الجمهورية) وبهذا النص تحدد وضع المجالس علي اساس انها من مؤسسات الدولة الدستورية. وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم4 لسنة1996 بشأن تقسيمها الي أربعة مجالس رئيسية وهي: 1 المجلس القومي للانتاج والشئون الاقتصادية. 2 المجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية 3 المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا 4المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب والإعلام وعلي ذلك تعتبر المجالس المتخصصة هيئات علمية استشارية تضم اعلي مستويات التخصص العلمي وقمة الخبرة الوطنية وصفة رجال الفكر والتربية وكبار العلماء والباحثين ممن هم علي مستوي عال من العلم والخبرة. وتتولي هذه الهيئات البحث والدراسة العميقة لواقع المجتمع المصري والمتغيرات التي تواجه تطوره وتضع خططا وسياسات قومية في اطار رؤية مستقبلية تأخذ باحث النظريات والمناهج والتطورات العلمية في العالم المعاصر كما يتم تعيين اعضائها بقرارات جمهورية كما تتم مراعاة اختيار الاعضاء من جميع فئات المجتمع, من أساتذة جامعات ورجال أعمال ورجال بنوك ومحافظين ووزراء ورؤساء هيئات علمية وبحثية واقتصادية ورجال فكر وثقافة مرموقين في المجتمع. وهم يقدمون خلاصة خبراتهم ورؤيتهم لقضايا وطنهم بكل التزام وإخلاص وجرأة وشجاعة لم أرها بين جنبات مجلسي الشعب والشوري والتي غالبا ما رأيت مواظبة أعضاء مجلسي الشعب والشوري( وهم أعضاء في المجالس القومية) أكثر حرصا علي حضور جلسات المجالس القومية المتخصصة. وأري أن الأولي عند صياغة الدستور الإبقاء علي وضع المجالس القومية المتخصصة كما هي في دستور(1971) مع إمكانية تطوير آليات عملها فقط وشروط الانتساب اليها.