المجالس القومية المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية ظهرت بعض الدعوات في الجمعية التأسيسية تنادي بالغائها في الدستور الجديد نظرا لعدم فاعليتها علي حد تعبيرهم، وهو الأمر الذي جعل أعضاء المجالس يدقون اجراس الانذار للتنبيه علي أهميتها وقيمتها خاصة أنها جهة بحثية استشارية تقدم الأبحاث والتقارير لرئيس الجمهورية مباشرة لمساعدته علي حل الأزمات في مختلف المجالات، ولا يعيبها عدم اهتمام الرئيس السابق بدورها الإيجابي العلمي والاستشاري. بداية يوضح د. عصام درويش عضو المجالس القومية المتخصصة أنه كان هناك طرح للمفاضلة بين بقاء المجالس القومية أو مجلس الشوري أي الغاء أحدهما، وكان الرأي الغالب هو الابقاء علي المجالس القومية والغاء مجلس الشوري غير أنه وبعد استحواذ بعض الاتجاهات السياسية علي الأغلبية في مجلس الشوري تغيرت المعادلة تماما في اتجاه الغاء المجالس والابقاء علي مجلس الشوري، وأضاف أنه يري إمكانية الاتفاق مع هذا الرأي فقط في حالة ما إذا تم الغاء نسبة ال50% للعمال والفلاحين في الدستور الجديد. وبالعودة إلي نشأة فكرة المجالس القومية المتخصصة باعتبارها ضرورة عصرية استدعاها اتساع نشاط الدولة وتشعب المشكلات وتشابكها، وما تحتاجه من مواجهة علمية تدعم الرؤية السياسية وتصوغ أساليب تحقيقها، وقد اتخذ تكوين المجالس القومية المتخصصة صورا متعددة في الدول المختلفة تبعا لنظمها وتوجهاتها، فارتفعت في بعض الدساتير إلي درجة المشاركة في السلطة وصنع القرار كما كان الحال في بعض دول أوروبا الشرقية، وفي أحيان أخري يكون علي السلطة التشريعية والتنفيذية الحصول علي رأي المجالس المتخصصة عند مناقشة أو اقرار أي مشروع في موضوع معين، وهو ما قرره الدستور الفرنسي الصادر في عام ،1985 في شأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إذ يتوجب أخذ رأيه في كل خطة أو مشروع قانون تخطيطي له طابع اقتصادي أو اجتماعي. أما الصورة الثالثة فتكون المجالس المتخصصة فيها بمثابة أجهزة استشارية للسلطة التنفيذية أو التشريعية، وظهر ذلك في الدستور الايطالي الصادر في سنة ،1947 حيث يعتبر المجلس القومي للاقتصاد والعمل هيئة استشارية للمجلسين النيابيين، كما نجد أن بعض الدساتير تضع خبرة المجالس المتخصصة بين يدي رئيس الجمهورية وبعضها يضعها بين يدي رئيس الوزراء، وذلك تبعا لتنظيم السلطة في كل دستور وحسب طبيعة كل دولة ومتطلباتها. مجالس مصر أضاف د. عصام درويش أنه في مصر استقر الأمر علي الصورة الاستشارية للمجالس القومية المتخصصة علي أن ترفع تقاريرها إلي رئيس الجمهورية باعتبارها جهازا تابعا له ومعاونا في رسم السياسات العامة طويلة الامد للدولة وتاريخيا وردت أول اشارة إلي المجالس القومية المتخصصة في مصر في بيان 30 مارس والذي وضع تصورا لدورها ومجالات تخصصها والعناصر التي تدخل في تشكيلها وموقعها من البناء التنظيمي للدولة وانطلاقا من هذا التصور والذي تأكدت أهميته في دور تلك المجالس في صنع المستقبل من خلال وثائق الدولة وبياناتها الرسمية، ثم جاء دستور 1971 فأرسي وضع المجالس القومية في سياق الباب الخاص بنظام الحكم، فقد تضمنها الدستور في المادة رقم 164 التي نصت علي "أن تنشأ مجالس قومية متخصصة علي المستوي القومي نتعاون في رسم السياسة العامة للدولة في جميع مجالات النشاط القومي وتكون هذه المجالس تابعة لرئيس الجمهورية ويحدد تشكيل كل منها واختصاصاته قرار من رئيس الجمهورية"، وبهذا النص تحدد وضع المجالس علي أساس أنها من مؤسسات الدولة الدستورية وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 4 لسنة 1996 بشأن تقسيمها إلي خمسة مجالس رئيسية وهي المجلس القومي للإنتاج والشئون الاقتصادية والمجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية والمجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا، والمجلس القومي للثقافة والفنون والاداب والإعلام وعلي ذلك تعتبر المجالس المتخصصة هيئات علمية استشارية تضم أعلي مستويات التخصص العلمي وقمة الخبرة الوطنية وكبار العلماء والباحثين ممن هم علي مستوي عال من العلم والخبرة، وتتولي هذه الهيئات البحث والدراسة العميقة لواقع المجتمع المصري والمتغيرات التي تواجه تطوره وتضع خططا وسياسات قومية في إطار رؤية مستقبلية تأخذ باحث النظريات والمناهج والتطورات العلمية في العالم المعاصر، كما يتم تعيين أعضائها بقرارات جمهورية، كما يتم مراعاة اختيار الأعضاء من جميع فئات المجتمع، من أساتذة جامعات ورجال أعمال ورجال بنوك ومحافظين ووزراء ورؤساء هيئات علمية وبحثية واقتصادية ورجال فكر وثقافة مرموقين في المجتمع، وهم يقدمون خلاصة خبراتهم ورؤيتهم لقضايا وطنهم بكل التزام واخلاص وجرأة وشجاعة لم أرها بين جنبات مجلسي الشعب والشوري التي غالبا ما رأيت مواظبة أعضاء مجلسي الشعب والشوري "وهم أعضاء في المجالس القومية" أكثر حرصا علي حضور جلسات المجالس القومية المتخصصة ويختتم درويش رأيه مؤكدا أنه من الأولي عند صياغة الدستور الابقاء علي وضع المجالس القومية المتخصصة كما هي في دستور 1971 مع إمكانية تطوير آليات عملها فقط وشروط الانتسبا إليها. مخزن الفكر والخبرة بينما أوضح د. فؤاد اسكندر عضو مقرر السياسات المالية والاقتصادية بالمجالس القومية المتخصصة أنه في كل بلاد العالم توجد المجالس المتخصصة للاستفادة من خبرات أعضائها ويطلق علي تلك المجالس بالخارج "مخزن الفكر والخبرة" لأنه ليس من الممكن بناء المستقبل بدون الاستفادة من خبرات الماضي فالمجالس عملها تمهيدي لاتخاذ قرارات سياسية واستراتيجية تخدم الدولة وبها خبرات وعلماء غير مسيسين وأضاف اسكندر أن المجالس أصدرت منذ خمس سنوات تقارير تعترض علي بعض السياسات الاقتصادية للحكومة كما أن المجالس هي الجهة الوحيدة التي أعترضت عام 2002 علي خفض قيمة الجنيه المصري واعترضت علي النمو الاقتصادي وسوء توزيع ناتجه بشكل لا يحقق العدالة الاجتماعية بالإضافة إلي أنها قدمت بعد الثورة مجموعة إجراءات للخروج من الأزمة المالية وكيفية تعمير سيناء، وأضاف أن مكافآت أعضاء المجلس في الجلسة الواحدة لا تتجاوز قيمتها 100 جنيه مصري "يعني ما تجيبش 2 كيلو لحمة كنذوز"، بمعني أنها لا تمثل عبئا ماديا علي الدولة، فلماذا يتم الاستغناء عنها حيث إنه كان من المفترض أن يتم تدعيمها وأعطاؤها سلطات رقابية للإشراف علي تنفيذ مقترحاتها، وتقديم تقرير سنوي للرئيس ومجلس الوزراء علي أن يتم الرد خلال شهر من تقديم تلك التقارير، مؤكدا أنه لو تم الغاؤها يكون بذلك تم القضاء علي مؤسسة بحثية في مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسة والإعلام، موضحا أنه من الممكن إلغاء المجالس المتخصصة دون الرجوع إلي أعضائها. الإلغاء لأنها عبء بينما أوضح نجاد البرعي المحامي والناشط الحقوقي علي ضرورة الغاء المجالس نظرا لعدم فاعليتها، فجميع مقترحاتها لا يتم النظر إليها أو تفعيلها فجميع ما يقدمونه لا يتعدي كونه أفكارا علي ورق، وهناك العديد من المراكز البحثية المتخصصة في مصر بجميع المجالات من اقتصاد وطب وعلوم وسياسة واجتماع وإعلام، ممكن أن ينضم لها علماء المجالس القومية المتخصصة مضيفا أن ثروة مصر من مراكز الأبحاث تجعل المجالس القومية لا قيمة لها مقابلها، ومجرد عبء علي الدولة. وفي المقابل أكد د. إبراهيم بدران نائب المشرف علي المجالس القومية المتخصصة أن المجالس القومية المتخصصة هي هيئة استشارية لرئيس الجمهورية وليست ملكا لأي رئيس يأتي للبلاد، فالرئيس يحيل للهيئة ما يشاء من مشكلات في جميع المجالات وعلي المجالس تقدم له الأبحاث والاستشارات موضحا أن مسألة الغاء المجالس القومية تطرق إليها قبل ذلك محمد أنور السادات عضو مجلس الشعب ولم يلتفت إليه أحد.