أنهي صلاح حديثه الحزين مع والدته التي اكتسي وجهها بلون أصفر شاحب بعد أن اتشحت بالسواد حزنا علي نجلها الذي قتل علي يد محمد الشاب الثلاثيني أثناء مشاجرة نشبت بينهما منذ أيام بالمنطقة. كان الحديث باردا برود الثلج في كلماته بينما كان شعور صلاح ووالدته أكثر سخونة من قرص الشمس ولم لا وقد احترق قلبها علي نجلها الأكبر ومازال القاتل علي قيد الحياة بعد أن طالته يد العدالة وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات, حيث قالت الأم لنجلها الأكبر صلاح27 سنة متي ستأخذون بثأر أخيكم؟ فرد عليها صلاح: بعد أن يخرج الكلب يقصد قاتل شقيقه من السجن وبدأت الأم في سرد عدد من حكايات الثأر التي تحتفظ بها ذاكرتها بعضها يلامس الحقيقة وبعضها يسبح في عالم الخيال وهو ما تعتقد الأم أنه قد يلهب مشاعر نجليها صلاح وميمي ليأخذا بثأر شقيقهما من قاتله. تسلل الملل سريعا إلي صلاح وبدا كسولا علي غير عادته وحاول النزول من المنزل والذهاب إلي المقهي القريب إلا أنه تذكر نظرات الناس اليه وعيونهم التي ترمقه وشقيقه ذهابا وإيابا وكأن الجميع قد اتفقوا علي كلمة واحدة يقرأها في نظراتهم لابد أن تأخذ بثأرك يا صلاح3 سنوات مرت كالدهر علي القاتل خلف القضبان بينما لم تتوقف الأم المكلومة عن النواح في المنزل وكانت ترفع صوتها كلما رأت أحدا من نجليها صلاح وميمي وكانت تعيش في القاهرة كنساء الصعيد اللائي يلطمن الخدود ويشققن الجيوب في مثل حالتها إلي أن يصل الأمر في بعض الحالات أن تقوم المرأة بنفسها بالتدريب علي حمل السلاح وفكه وتركيبه وإجادة التصويب عن بعد, وذلك استعدادا لليوم المشهود والأخذ بالثأر لزوجها أو نجلها أو أخيها أو حتي أبيها إذا تحتم عليها ذلك وكانت الأم تفاخر بأصولها الصعيدية بأهلها القدماء وتمسكهم بعادة الأخذ بالثأر مهما طال الزمن. استعد الشقيقان لليوم المشهود وفكرا مليا في أمرهما حتي أن صلاح كان واثقا من إنهاء حياة غريمه بطعنه واحدة من سلاحه الأبيض وهو الذي يشهد له أهل المنطقة جميعا بمنشأة ناصر بإجادة استخدام المطواه والسنجة وغيرهما من الأسلحة البيضاء, كما أنه كثيرا ما تعامل مع الأسلحة النارية في المشاجرات التي كان فيها صلاح وشقيقه نجوما بازغة وسط أبناء المنطقة, حيث عرف عنهما الإقدام والشجاعة في الدخول والخروج من كل معركة دون خسائر, وكانت النقطة السوداء في سجل الشجاعة لكل منهما هي واقعة قتل شقيقهما وعدم تمكنهما من الأخذ بالثأر من قاتله الذي مازال قابعا في السجن. حاول الشقيقان ايجاد مخرج لمأزقهما ولكن تقطعت بهما الأسباب بعد أن نصحهما كل شيوخ المنطقة وكبرائها بالانتظار حتي خروج القاتل من السجن للثأر منه بدلا من أخذه من أحد أفراد أسرته وهو ما يعد من سمات الخسة والنذالة والضعف, ولم يكن أمام الشقيقين سوي الانتظار حتي خروج الفريسة من السجن بعد قضاء مدة العقوبة والتي مرت عليهما وكأنها ثلاثون عاما حتي جاءت ساعة الحسم وطار الخبر اليهما عن طريق أحد الأصدقاء القدامي بالمنطقة وأخبرهما بأنه سمع زغاريد وعبارات تهان وعندما سأل عن أسبابها عرف أن غريمهما قد خرج لتوه من السجن وهو الآن حر طليق وإن كان قلقا متوجسا من المصير الذي ينتظره. خرج الشقيقان بعد أن تبركا بقبلات الأم الثكلي وفي صدر كل منهما بركان من الحمم التي تحمل كل كره وبغض العالم لشخص واحد فقط هو فريستهما اليوم, خرج الشقيقان وكأن الطبيعة كانت بجانبهما فقد كان الحر لا يطاق في ذلك اليوم.. الشمس في كبد السماء وترسل أشعتها اللافحة علي وجوه البشر مما دفعهم إلي التوتر والتعصب فذاك يجري وآخر يصيح في وجه آخر قائلا ياعم اتحرك الدنيا مولعة وكأن اليوم يوم الحساب, وبعد مراقبة الساعات تمكن الشقيقان من رؤية غريمهما محمد مارا بميدان الخليفة وسط الناس وكأنه يتخفي عن الأعين فلم يكن أحد يشعر بوجوده سوي عينين ترقبان كل خطواته حتي أنفاسه وكان هو كعادته غارقا في تفكيره.. وفجأة ظهر امامه صلاح شاهرا مطواته قائلا جاء يومك يا نذل.. خذ وعاجله بطعنة في الصدر.. سقط علي اثرها ارضا دون مقاومة وسدد له أخري بينما اكتفي ميمي بتكبيل يديه من الخلف وشل حركته تماما حتي سار بين الحياة والموت غارقا في دمائه وسط الميدان في عز النهار وهو ما أصاب المارة بالذهول بينما ردد الشقيقان في نفس واحد كان لازم نأخذ بتارنا منه.. ده قتل أخونا منذ5 سنوات تردد الناس في الوقوف أمامهما, حيث أنه لا يوجد أحد من الشرطة بالشارع, وكان لكلمات صلاح وقع السحر علي المارة, ورفض الجميع التدخل حتي بالاتصال بالشرطة وظل محمد ملقيا علي الأرض غارقا في دمائه ينزف حتي لفظ انفاسه الأخيرة و تأكد صلاح وشقيقه من مقتله وقاما بتسليم نفسيهما إلي المقدم تامر جاد رئيس مباحث الخليفة الذي أخطر اللواء أسامة الصغير مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة وأمامه اعترف المتهمان بقتل المجني عليه أخذا بالثأر لقتله شقيقهما منذ5 سنوات. وأنهما تخلصا من أداة الجريمة بإلقائها في الشارع, فتم تحرير محضر بالواقعة وأخطرت النيابة التي أمرت بحبسهما4 أيام علي ذمة التحقيق بينما كانت الأم تعد بعض الأطعمة والملابس الخاصة بنجليها لتوصيلها لهما بمحبسهما وهي تردد الحمد لله أخذوا بتار أخوهم وبردوا نار قلبي.. أنا خلفت رجالة والسجن للجدعان وكانت زيارتها لنجليها وكأنها رحلة إلي الحدائق مع أبطال حققوا إنجازا عظيما.