الساحة السياسية في مصر تغلب عليها الآن لهجة خطاب ولغة سقيمة مرفوضة تتحدث عن ذلك الفارس المغوار الذي سينتخبه الشعب لينقذ البلاد والعباد من الكوارث التي أصابتنا منذ قيام الثورة, وغالبا ما تأتي المقارنة خاصة الاقتصادية بين الأوضاع التي كانت عليها في السنوات الأخيرة من حيث السياحة والاحتياطي النقدي الأجنبي علي سبيل المثال لا الحصر, وينسي هؤلاء جميعا عن سبق اصرار وترصد أن كل الأزمات والكوارث التي يعيشها هي نتاج عصر فاسد استطاعت من خلاله مافيا النظام السابق أن تنهب ثروات الوطن بصورة لم تحدث في تاريخ الشعوب, وبالتالي فإن الحصار المر الذي نعيشه ليس أبدا, كما يدعي البعض غياب هيبة الدولة أو الانفلات الأخلاقي ومصطلحات أخري يجري استخدامها علي نطاق واسع بل علي العكس تماما ان هذه الاحداث وقضايا الفساد التي تتكشف جوانب محدودة منها لو وقعت في بلد آخر لرأينا صورة مختلفة تماما عما شهدته مصر من يقظة الشعب وقت الانفلات الأمني ووقوف الشباب والشيوخ للدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة في نموذج نادر أثار اعجاب العالم أجمع, ومن يطلب من البسطاء الانتظار عليه ان يقدم المثل والقدوة في التبرع بمخصصاته الهائلة والتي يحصل عليها من المال العام قبل أن يسدي النصح لهؤلاء الباحثين عن رغيف الخبز وأنبوبة الغاز. القضية كلها تتمثل في النفوس المريضة بداء التربح والكسب غير المشروع وينتابها الفزع من الاقتراب لبناء دولة جديدة تقوم علي الشفافية ومكافحة الفساد بكل أشكاله. ولا يمكن لنا أن نتجاهل مراكز القوي الجديدة في المجتمع والمتمثلة في عدد من رجال الأعمال والمستثمرين إن صح التعبير وقد كانت لهم معاملة الصفوة, واقتربوا كثيرا من دوائر صناعة القرار وعليهم الآن حماية انفسهم وممتلكاتهم غير المشروعة حتي ولو بنصف ما يمتلكونه من أموال. الانتخابات الرئاسية القادمة كما نقول دائما ليست أبدا اختيارا بين مرشح وآخر ولكن بين نظام وآخر, وبين مصر التي ننشدها او العودة إلي مصر القديمة وإعادة إنتاج نظام فاسد قد يلجأ إلي عمليات تجميل في سنواته الأولي, ولكن وجهه القبيح سيلاحق أجيالنا القادمة.