لا مبرر للقسوة في الحكم علي أول مناظرة حقيقية تجري بين مرشحي الرئاسة, ولكننا كنا نتوقع الأفضل ليس فقط من الدكتور أبو الفتوح أو عمرو موسي وانما من فريق العمل الذي بالغ في اظهار واثبات التاريخية والانفراد ونجومية الأسماء التي تصدرت هذا الفريق وكلها أمور يترك الحكم فيها للمشاهدين والمراقبين. لم يكن أداء عمرو موسي أفضل حالا من أبو الفتوح, وأن اختلفت الأسباب, كان تصادميا أكثر مما يجب عصبيا إلي درجة العدوانية وان كان الأخطر في حديثه أنه أعاد للأذهان لغة الاتهامات المرسلة التي تستوجب ولو بها نسبة ضئيلة من الحقيقة اعادة النظر في المشهد كله حينما اتهم منافسه بأنه مؤسس الجماعة التي قتلت عددا كبيرا من المصريين, وبالرغم من الرد الحاسم من الدكتور أبو الفتوح بأن الجماعة الاسلامية بريئة من تلك الدماء, فإن اثارة الجدل من جديد حول هذا الملف تعني ببساطة أن موسي لا يتورع عن استخدام كل ما لديه من وسائل قد يجدها البعض غير مناسبة أو مشروعة للنيل من خصومة وهذا يعني ببساطة أن السلوك ذاته قد يكون الغالب في ممارسة صلاحياته الرئاسية ليعيد انتاج نظام يتعامل بقسوة مفرطة مع المعارضين له أيا كانوا وهو ما يخالف روح الدولة المدنية العصرية التي نتطلع إليها, حيث يجري التداول السلمي للسلطة دون تهديد أو تلويح بفتح ملفات الماضي للخصوم. أما الدكتور أبو الفتوح فقد كان أقل أداء عما هو معروف عنه, لعله الارهاق أو الاحساس الزائد بأهمية وخطورة المناظرة وإن كان قد أضاف لرصيده تواضعه ووضوحه وتلقائيته وهي صفات يحتاج إليها رئيس مصر القادم. ونستطيع القول إن المناظرة قد حققت نصف النجاح المنشود وقد ضاع النصف الآخر في هذا الكم المبالغ فيه من الاعلانات التجارية, وهو أمر قد يكون له منطقه في التمويل ولكن في مثل هذا الحدث كان يجب الالتزام بمعايير تضع حدودا زمنية لتلك الاعلانات حرصا علي وضوح الرسالة الاعلامية من ناحية واحتراما للملايين الذين كانوا يتطلعون الي مضمون يختلف عن سياق الجذب الاعلاني المعمول به في مباريات كرة القدم الكبري علي سبيل المثال لا الحصر, أما الحديث عن فريق الاعداد ونجوم التقديم والسيرة الذاتية لهم وغيرها من مبالغات فقد نعتبرها أخطاء البدايات الأولي لتجربة نأمل أن تستمر وتتواصل, ولكن الخطأ الأكبر في تقديري كان لتلك المساحات التي خصصت لاستطلاعات الرأي المخالفة لكل المعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال. نصف النجاح لا يعني الفشل وإنما يتطلب استخلاص الدروس وإصلاح ما أفسده الغرور!