كانت الأمهات الثكلي أشجع من الجبناء المدججين بسلاحهم المحتمين بجنودهم, خرجن يطلبن القصاص, ورفضن التخويف والتهديد, والرشوة واستبدال حق الدم بالمال. الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم, وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته تلك كانت كلمات الخنساء تماضر بنت عمر وبن الحرث بن الشريد السلمية, حين جاءها نبأ استشهاد أبناءها الأربعة يزيد ومعاوية وعمرو عمرة الذين خرجت بهم ومعهم إلي موقعة القادسية لم تجزع ولم تبك, وتحدثت بتلك العبارة المفعمة بالإيمان والحكمة فلقبت بأم الشهداء غلبت علي الشواعر من النساء,وأنشدت في رثاء أخيها صخر شعرا يشهد بقوة تلك المرأة وصبرها. أعيني جودا ولاتجمدا ألا تبكيان لصخر الندي ألاتبكيان الجريء الجميل ألاتبكيان الفتي السيدا, ولم تكن تلك المرأة استثناء من دون نساء العرب أو العالم, بل هي واحدة ممن جبلن علي العطاء والتضحية والشجاعة علي مر التاريخ. يأتي آذار,شهر الربيع والورود وعطر النساء, لنحتفي بالمرأة التي تعيش في عالم ذكوري جاحد متسلط فلا تتخلي عن رسالتها السامية, وعطائها الصامت. نحتفل بيوم المرأة العالمي, يوم خرجت الآلاف من عاملات النسيج منذ أكثر من مائة سنة للتظاهر في شوارع نيويورك وهن يحملن قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورود, في رمزية مزدوجة للفقر والرغبة في الحياة( ألا يذكرك ذلك بهتاف العيش والحرية والعدالة الاجتماعية رغم بعد السنين والمكان؟)وشكلت مظاهرات خبز وورود بداية حركة نسوية داخل الولاياتالمتحدة تنادي بالمساواة والإنصاف, وحق الأمريكيين السود في الحرية والعتق من العبودية( لم يكن حلم الرئيس الأسود واردا) كما طالبت بالحقوق السياسية للمرأة, وعلي رأسها الحق في الانتخاب, وكان الاحتفال بالثامن من مارس كيوم للمرأة الأمريكية(ثم الأوروبية فيما بعد) تخليدا لمظاهرات نساء نيويورك وأصدرت منظمة الأممالمتحدة بعد سنوات طويلة(1977 م) قرارا يدعو دول العالم الي اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فاختارت غالبية الدول الثامن من مارس ليصبح عيدا عالميا للمرأة تقديرا للإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء, ورمزا لنضال المرأة في جميع أرجاء العالم. رصد العالم شجاعة النساء ومنهن العربيات والمصريات, فأهدي جائزة نوبل للسلام لمناضلات من العالم الثالث, إحداهن لفتاة عربية من اليمن,وقفت أمام حاكم التحق بنادي التوريث فانخلع رغم دعم الغرب له بدعوي تصديه للقاعدة, وشهدنا نماذج من النساء المصريات الشجاعات, فتلك قاضية رصينة فضحت تزوير الانتخابات ودقت مسمارا في نعش نظام أدمن الغش والخداع, وانتصرت لقيمة النزاهة والعدل والصدق, وهذه فتاة مصرية صغيرة, أطلقت فيديو شهيرا يحض علي تغيير الوضع الحالي في مصر, لم تخف رغم تحرشات بلطجية النظام الي جانب التهديدات الرسمية والمحاكمات العسكرية فمنحها البرلمان الأوروبي في2011 م جائزة حرية الفكر, وهذه صحفية وناشطة تدافع عن حقوق المرأة, تكتب مقالات رأي في صحف عالمية, اختطفت وتعرضت للضرب والاعتداء فكسرت يدها في أحداث محمد محمود, ومازالت تكتب عن الثورة المصرية,وحصلت علي جائزة لحرية الصحافةأفضل مقال رأي2009 وتلك فتاة تصوروا انهم حين يقومون بتعريتها فإنهم يكسرون إرادتها فتحصنت بشجاعتها وعرت نظاما بأكمله وفضحت ممارساته وانتهاكاته وكذبه وتضليله, وتلك عاملة بسيطة قادت مظاهرات في المحلة, وتبعها الرجال بعد تردد وتعرضت للظلم والنقل التعسفي من موقعها في العمل,ومازالت تجاهد أمام القضاء. آذار,شهر الربيع والورود فيه تحتفل مصر أيضا بأسمي رسالات المرأة, وأعظم أدوارها في الحياة الأمومة, فالأم هي وعاء الحياة, وسر الوجود, نحتفل بها يوما من كل عام, وهي التي تحتفل بنا كل أيام العام. ولعل مرجع هذا اليوم الي يوم كان مخصصا لعبادة الأم في اليونان القديمة, أو إلي فكرة الصحفي المصري الراحل علي أمين بجريدة الأخبار دعنا نتفق علي يوم من أيام السنة نطلق عليه يوم الأم ونجعله عيدا قوميا في بلادنا وبلاد الشرق, وتساءل ولكن أي يوم في السنة نجعله عيدا للأم؟ ليختار القراء بداية فصل الربيع ليكون عيد الأم الأول في مصر(21 مارس سنة1956 م) يظل حضن الأم مهما كبر الابن هو المرفأ والملاذ, فيقول الشاعر أحمد الهمامي: الله يخليكي ليا ياست الكل يا أمي مين غيرك حملني ورعاني وشال سنين همي مين اللي قال حبل المشيمة اتقطع بينا دا أنا لسه مربوط بيكي وحبك بيجري في دمي وآه وتأتي زفرة الآه من أعماق الأعماق حين ينقطع حبل المشيمة ويرحل الابن في شرخ الشباب في حياة الأم عن الدنيا بفعل قناص غادر أو بأمر ضابط ثائر علي الثورة كانت الأمهات الثكلي أشجع من الجبناء المدججين بسلاحهم المحتمين بجنودهم, خرجن يطلبن القصاص, ورفضن التخويف والتهديد, والرشوة واستبدال حق الدم بالمال. لم يكن صبر الخنساء وشجاعتها حدثا تاريخيا فريدا, فشجاعة الفتيات والسيدات والأمهات, وصبرهن الجميل هو صباح كل يوم مشرق يمد مصر بالحياة في شهر آذار وكل شهور العام. وكل سنة وإنت طيبة ياأمي وكل سنة وإنت طيبة يامصر يا أم الدنيا. جامعة الإسكندرية