بعد أكثر من شهر علي كارثة بورسعيد الأسوأ في تاريخ الكرة المصري, صدر قرار رسمي من قبل اتحاد الكرة ينهي خلاله منافسات الدوري الممتاز لهذا الموسم. إلغاء الدوري الممتاز لموسم2012/2011 ليس كارثة أو حدثا خطيرا لضرب الحياة الطبيعية في مصر, كما حاول سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة السابق وأحد المتهمين بالإهمال في واقعة سقوط العشرات من القتلي ومئات المصابين في مباراة الأهلي والمصري مطلع فبراير الماضي في بورسعيد الترويج لذلك, بل هو وضع طبيعي لعدم القضاء علي ظاهرة الانفلات الأمني بعد والمتهم الأول في أحداث بورسعيد, وأيضا عدم تحقيق القصاص. وتنوعت حالات إلغاء مواسم وعدم استكمال مواسم للدوري الممتاز منذ ظهور البطولة لأول مرة عام1948 بإلغاء موسم1952/1951 والسبب هو رغبة اتحاد الكرة في تفرغ المنتخب الوطني لخوض منافسات دورة الألعاب الأوليمبية في هلسنكي, ولكن ثاني واقعة إلغاء كانت درامية وجاءت عقب أحداث شغب برزت كسابقة خطيرة اندلعت شرارتها في موسم1954/.1955 وجاءت الواقعة في لقاء للأهلي مع الترام, وتمثلت في حدوث اعتداءات بين لاعبي الفريقين كان بطلها في البداية طلعت عبد الحميد لاعب الأهلي بالاعتداء علي توني مهاجم الترام ثم سقوط حلمي أبو المعاطي أرضا في احتكاك آخر, وبالرغم من هذه الأحداث إلا أن الحكم استكمل اللقاء حتي نهايته, ليفاجأ الجميع في اليوم التالي بقرار اتحاد الكرة بإعادة المباراة, ورفض الأهلي ومجلسه القرار, وفشلت كل محاولات التوفيق بين النادي والجبلاية ليقرر اتحاد الكرة إلغاء الموسم بأكمله بسبب المباراة. وهناك أحداث سياسية, وأيضا دماء مصرية سالت وحروب دفعت القائمين في الدولة علي اتخاذ قرار إلغاء نشاط الدوري الممتاز ورهن عودته بعودة الحياة الطبيعية, ووقتها لم يعترض أحد في زمن كان الوطن أعلي من المصلحة الشخصية. ففي نكسة يونيو1967 واحتلال إسرائيل لسيناء تجمد النشاط الكروي لأربعة أعوام متصلة وألغيت بطولة الدوري الممتاز, وأقيمت ما تسمي بطولات المناطق حتي لا تتوقف الحياة كرويا, وسمح للأندية باللعب في البطولات الإفريقية علي أن يخوض مبارياته في القاهرة وبدأها الاسماعيلي بالتتويج الشهير كأول فريق مصري ينال كأس دوري أبطال إفريقيا, بل إن هناك أندية سافرت إلي الوطن العربي وخاضت مباريات استعراضية مثل الأهلي والزمالك والاسماعيلي لدعم المجهود الحربي وتوفير العملة الصعبة للبلاد, وما حدث وقتها يتكرر الآن ولكن ليس حربيا بل اقتصاديا في ظل حاجة اقتصاد الدولة للدعم المالي حتي تنتفض مصر من عثرتها وتتخلي عن القروض والمعونات. وفي الوقت الذي تحدث رئيس الوزراء كمال الجنزوري عن حاجة الاقتصاد المصري للتمويل قبل أسابيع سارع البسطاء للتوفير من رواتبهم لصالح دعم الاقتصاد في حين لم يظهر قطاع كرة القدم بأنديته ليقدم شيئا بعكس ما كان يحدث في حقبة الستينيات. وعندما عاد النشاط الكروي في السبعينيات لم يكتمل أول موسم بعد نكسة يونيو1967 وهو موسم1971/1970 علي خلفية أحداث شغب عارمة كانت كارثة أخلاقية وقتها, وجاء إلغاء الدوري الممتاز في هذا الموسم بعد أحداث لقاء القمة بين الأهلي والزمالك الذي أداره الديبة ولم تستكمل القمة بين هجوم جماهير الأهلي علي طاقم التحكيم واجتياح الملعب بعدما سجل الزمالك هدفا من ركلة جزاء اعترض عليها لاعبو الأهلي, وتعرض ستاد القاهرة لتلفيات واسعة واحتكت جماهير الناديين ببعضهما البعض ليقرر اتحاد الكرة إلغاء الموسم بأثره. ظهر التجميد مرة أخري وسط ترحيب من الشعب عندما اندلعت حرب أكتوبر المجيدة في السادس من أكتوبر لعام1973 ووقتها كان الدوري الممتاز لموسم1974/1973 بدأ وانطلقت معه المنافسات التقليدية بين الكبار الأهلي والزمالك والاسماعيلي والترسانة وغزل المحلة بحثا عن الدرع. وما ان هبت حرب تحرير الأرض وتوقف النشاط مارست الأندية دورها الطبيعي في تدعيم جنودها بالدماء في المستشفيات. إيقاف الدوري الممتاز وإلغاء موسم كامل بعد انطلاقه من أجل تلبية رغبة شخص بعيدا عن الحروب والنكسات حدث بالفعل في مصر, وكانت سابقة بكل المقاييس نادرة التكرار, وصاحب هذا القرار لم يكن رئيس دولة أو رئيسا للوزراء أو وزيرا للرياضة أو إدارة للجبلاية, بل هو محمود الجوهري المدير الفني الأسبق للمنتخب الوطني الذي أجبر الجميع عام1989 بعد فوزه ببطاقة التأهل إلي نهائيات كأس العالم في إيطاليا, علي إلغاء بطولة الدوري وعدم استكمال الموسم الكروي1990/1989 لرغبته في إقامة معسكر طويل ل6 أشهر لتجهيز اللاعبين للمشاركة في المونديال, وكان له ما أراد, بل إن من اعترض وقتها مثل الأهلي أجبر علي الرضوخ للمصلحة العليا للمنتخب من وجهة نظر محمد الجوهري, ووقتها اضطر الأهلي للاستغناء عن خدمات أحد أبرز المدربين الأجانب في تاريخ الكرة المصرية وهو ديتريتش فايتسا. ورضخ الزمالك للقرار وغيره من الأندية, والمثير أن جميعها سارعت للمشاركة في بطولة كأس الاتحاد التنشيطية التي نظمها اتحاد الكرة لتكون عوضا عن إلغاء الموسم في الدوري الممتاز ووقتها لم يتحدث أحد عن تدمير الكرة المصرية أو ايقاف الحياة الطبيعية. أهم عقبة كانت تواجه اتخاذ قرار في الصالح العام وهو إلغاء النشاط بنبرة تتسرب من الأندية المشاركة في بطولة الدوري الممتاز تفيد بأنهم في حالة افلاس ويلاحقهم الخراب حال تجميد النشاط وإلغاء الموسم بداعي ضياع ايرادات يعتمدون عليها في تمويل كرة القدم, وهي ايراد عقود الرعاية بالنسبة للأندية الكبري أصحاب العقود الضخمة وايراد حقوق البث الفضائي بالنسبة للكبار والصغار في المسابقة. والمفاجأة ان ماكان يحدث من حملات ترويج لحالة الافلاس والخراب مبرر وهمي في ظل خسارة نشاط الكرة لدي الأندية ال19 حتي لو تم استكمال الموسم فالخسارة المالية ليس سببها تجميد النشاط ولكن البيزنس السيئ الذي تدار به الفرق في جميع الأندية وجميعها تبرم عقودا وتضع التزامات مالية تفوق بمراحل ايراداتها يعد من أكبر الأندية انفاقا للمال علي فريق الكرة دون النظر لحسابات الأرباح والخسائر. ومن يتابع حجم نفقات بند الصفقات بمفرده يجد أن الإدارة تكبدت30 مليون جنيه كرسوم انتقال لتدعيم صفوف الفريق الأول ب7 لاعبين هم وليد سليمان الوافد من إنبي مقابل8 ملايين جنيه وعبدالله السعيد صانع ألعاب الإسماعيلي السابق مقابل6 ملايين و750 ألف جنيه, والسيد حمدي من بتروجت مقابل5 ملايين و500 ألف جنيه, ومحمد نجيب من اتحاد الشرطة مقابل4 ملايين و250 ألف جنيه, وأحمد شديد قناوي من المصري البورسعيدي مقابل مليون و500 ألف جنيه, وأحمد فرج من السكة الحديد معارا مقابل300 ألف جنيه, والبرازيلي فابيو جونيور الوافد من الدوري البرتغالي مقابل650 ألف يورو. وأظهرت ميزانيات النادي في اخر عامين قدرت ب43 مليون جنيه بواقع13 مليونا حتي يونيو2010, و30 مليونا حتي يونيو2011 من خلال نشاط الكرة, وكان رد المسئولين وفي مقدمتهم حسن حمدي علي الجمعية العمومية وأيضا في القنوات الفضائية هو تجديد دماء فريق الكرة وزيادة بند أصوله من خلال لاعبيه النجوم ووعد بتحقيق أرباح عند الفوز ببطولة دوري أبطال إفريقيا والتأهل الي بطولة كأس العالم للأندية في العام الجاري. وانفاق30 مليونا لتدعيم فريق الكرة قبل بداية الموسم بخلاف مايتقاضاه اللاعبون رسميا من رواتب سنوية بخلاف رواتب الجهاز الفني بقيادة مانويل جوزيه يفوق في الاجمالي60 مليون جنيه سنويا, وهي عقود ابرمت قبل تجميد النشاط وبعدما علم النادي بان دخله من عقد الرعاية أهم ايراد كروي لن يزيد علي47 مليون جنيه, وهو مايعني حدوث خسارة مالية ضخمة حتي لو كان تم استكمال المسابقة. ومن يراقب حساب الأرباح والخسائر في نشاط الكرة في الأهلي يجد أن الموسم الذي يحقق فيه لقب دوري أبطال إفريقيا ويتأهل لنهائيات كأس العالم هو الوحيد الذي يساعده علي تحقيق أرباح حقيقية خاصة أن أدني دخل يحصل عليه وقتها هو2 مليون دولار مايعادل12 مليون جنيه حاليا. والزمالك بوصفه القطب الثاني للكرة المصرية لم يخرج عن سياسة الأهلي في رفع سقف النفقات بصورة تفوق الايرادات من وراء نشاط الكرة سواء في عهد المجلس المعين برئاسة المستشار جلال ابراهيم الذي أدار صفقات صيف2011 قبل بداية الموسم أو المجلس العائد برئاسة ممدوح عباس عندما أدار صفقات شتاء2012. فالمعروف ان أكبر عائد مالي تحققه كرة القدم في نادي الزمالك من وراء الفريق هو عقد الرعاية الذي تقدر قيمته ب25 مليون جنيه ويمتد لموسم واحد. والمثير أن هذا الرقم لا يكفي لتمويل رواتب5 لاعبين فقط في الفريق وهم محمد عبدالرازق شيكابالا6 ملايين بعد خصم غرامة باوك.. وأحمد حسام ميدو7 ملايين جنيه وعمرو زكي500 ملايين جنيه.. ومحمود فتح الله3 ملايين و500 ألف جنيه ومثلها لأحمد حسن لاعب الوسط الوافد من الأهلي قبل بداية الموسم. في المقابل يصل باقي مستحقات اللاعبين السنوية خارج قائمة الخماسي المحظوظ ب30 مليون جنيه بجانب رواتب الجهاز الفني بقيادة حسن شحاتة. وبالرغم من وضوح وجود خسارة مالية لن تقل عن50 مليون جنيه لفريق الكرة إلا أن الإدارة أبرمت صفقات كلفتها الكثير مثل ابرام عقود بنحو10 ملايين جنيه في صيف عام2011 منها من لم يسدد بعد لضم لاعبين هم صلاح سليمان المدافع الوافد من غزل المحلة وهاني سعيد الوافد من المصري البورسعيدي وسعيد قطة الوافد من كاسكادا بالاضافة الي الثنائي الافريقي رزاق أوديمونيسي البنيني الجنسية وكريم الحسن الغاني الجنسية. وفي شتاء2012 أنفق ممدوح عباس وفقا للعقود المبرمة13 مليونا في ذمة الزمالك لضم نور السيد لاعب وسط الجونة واسلام عوض لاعب وسط إنبي واليكسيس موندومو لاعب وسط الافريقي التونسي واستعارة ابراهيم حسني من نجوم المستقبل أحد فرق دوري القسم الثالث. وعندما تقدم الدكتور رأفت عبدالعظيم باستقالته من رئاسة النادي الإسماعيلي قبل أن يعود مرة أخري, ترك خلفه خسائر مالية وفنية ضخمة تمثلت في وجود التزامات مالية ضخمة لدي النادي عجز عن تدبيرها بالرغم من الوعود البراقة لمجلسه عندما تولي المهمة تمثلت في وجود رواتب مالية تصل ل18 مليونا سنويا شاملة الضرائب للاعبي الفريق.. وأيضا الانفاق في تجديد عقود عدد من ركائز الفريق مثل المعتصم سالم وإبراهيم يحيي قلبي الدفاع وأحمد سمير فرج الظهير الأيسر وأحمد صديق الظهير الأيمن, وعبدالله الشحات لاعب الوسط المدافع, ومحمد محسن أبوجريشة رأس الحربة. فالإسماعيلي مع رأفت عبدالعظيم وقع عقدا للرعاية قبل الغائه لاتزيد قيمته علي4 ملايين و250 ألف جنيه وهو رقم لا يمول المتأخرات المالية للاعب واحد في الفريق وهو حسني عبدربه المعار حاليا الي اتحاد جدة السعودي, كذلك لم تتم الاستفادة من عائد بيع عبدالله السعيد أبرز لاعبي الإسماعيلي في المواسم الثلاثة الماضية الي الأهلي مقابل6 ملايين و750 ألف جنيه وذهبت لتسديد ديون متراكمة لاتزال مستمرة.. ولم يحدث الاستثمار الحقيقي لكرة القدم في النادي الذي وعد به عبد العظيم عندما تولي المهمة بالرغم من حصوله علي ايراد ضخم سواء عندما أعار حسني عبدربه الي اتحاد جدة السعودي وتنازل اللاعب عن جزء كبير من مستحقاته أو عندما باع عبدالله السعيد للأهلي وبقي النادي خاسرا سواء استكمل الموسم أو تم الغاؤه. والمصري لايزيد دخله من عقد الرعاية علي5 ملايين جنيه سنويا وهي لا تكفي لسداد رواتب اللاعبين والجهاز الفني بقيادة حسام حسن المدير الفني هذا بخلاف ما انفق في صفقات جري استقدامها قبل بداية الموسم ومنها استعارة سعد الدين سمير ومحمود توبة من الأهلي وضم عبدالعزيز توفيق من إنبي واستقدام عصام عبدالعاطي وأيمن سعيد من اتحاد الشرطة.. بل ان عقد الرعاية لا يغطي تكلفة العقد الجديد الذي وقعه أبوعلي قبل استقالته لتجديد عقد أحمد ناصر الشناوي حارس مرماه ل5 مواسم مقبلة لمنع انتقاله لأندية أخري. وتبقي علي الدوام ظاهرة خسارة مالا يقل عن10 ملايين جنيه للمصري. وبخلاف الرباعي الكبير الذي يعول علي عقود الرعاية كأهم مصادر الدخل.. لا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة لباقي الأندية التي توهم الجميع انها تعول علي عنصر آخر في الدخل وهو حقوق البث الفضائي في ظل ضألة قيمة حقوق الرعاية لديها فهي الاخري لديها خسائر مالية ضخمة. ويتقدم الصفوف نادي الاتحاد السكندري الذي لم يجد عفت السادات رئيس النادي سوي فسخ عقد الاسباني ماكيدا المدير الفني للفريق وتعليق النشاط حتي لا يسدد الالتزامات المالية المنصوص عليها في العقود وهو تجميد لا يرتبط بتجميد النشاط في ظل تعود الاتحاد السكندري في كل موسم علي الدخول في صدامات مع لاعبيه علي نسب عقودهم ولا أحد ينسي التمرد الجماعي لفريق الكرة الموسم الماضي والانقطاع عن التدريب بسبب رواتبهم المتأخرة.. وعفت السادات نفسه أبرم عقدا في يناير الماضي بضم عصام الحضري حارس مرمي المريخ السوداني والمنتخب الوطني يتخطي في الاجمالي حاجز ال6 ملايين جنيه وهو يفوق مايناله الاتحاد من وراء البث.. وحدث ولا حرج عن باقي الأندية التي قررت منذ بداية الموسم تطبيق سياسة التقشف مثل إنبي الذي بات يعتمد حاليا علي بيع اللاعبين وجني منذ اغسطس العام الماضي34 مليون جنيه من وراء بيع أحمد المحمدي الي سندرلاند الانجليزي ووليد سليمان الي الأهلي واسلام عوض الي الزمالك.. ونفس الأمر بالنسبة الي شقيقه الأصغر بتروجت.. وسار علي هذا النهج اتحاد الشرطة هذا الموسم.. وهي الأندية التابعة لوزارات في الدولة ولا يمثل تجميد النشاط خسارة مالية لها.