أن يمارس طلاب الجامعات حريتهم في التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم تجاه مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية, فذلك أمر محمود بل مرغوب في الوقت ذاته, فالجامعة في النهاية هي المحضن الطبيعي الذي يجب أن يفرز للمجتمع القيادات في شتي المجالات. وإذا كنا طالبنا ونطالب جميعا بالحفاظ علي حق الطلاب في ممارسة السياسة داخل أسوار الجامعة, فإن الأمر يقتضي أيضا الانتباه إلي اعتبارين في غاية الخطورة, أولهما: أننا نتحدث عن عمل سياسي وليس عملا حزبيا, والعمل السياسي داخل أسوار الجامعة لا يمكن أن يكون هو العمل ذاته خارج أسوارها, بما يضمن ألا يتحول الطلاب إلي نشطاء سياسيين داخل أسوار الجامعة أو جماعات منظمة قد تتناحر فيما بينها لتصبح الجامعة في النهاية صورة مصغرة ومشوهة لما يحدث خارجها. وعندئذ فلن تؤدي الجامعة دورها في تخريج قيادات تساهم في إثراء الحياة السياسية العامة. أما الاعتبار الثاني: فهو ضرورة عزل العمل السياسي في الجامعة عن تدخلات السياسيين خارج الجامعة سواء بالتوجيه أو التنظيم أو التمويل, وهنا يأتي الحديث عن ضرورة وجود قانون واضح ينظم العمل السياسي داخل الجامعة الذي يكون من شأنه الحفاظ علي كل من المهمة الأساسية للجامعة, والحق الطبيعي للطلاب وهو العملية التعليمية, وعلي حق الطلاب كلهم أو بعضهم في ممارسة العمل السياسي. كما لا يجب أن يتحول ما يحدث في الجامعة من نشاط طلابي أيا كان نوعه إلي ساحة للمزايدة بين السياسيين أو القوي السياسية خارج الجامعة. أعلم أننا في موسم الحملات الانتخابية وتسجيل المواقف من كل الأطراف, ولكني أعلم أيضا أنها فترة مؤقتة بطبيعتها, وبالتالي فلا يجب أن نؤسس فيها لمواقف قد تكلفنا جميعا الكثير فيما بعد. وما يحدث في الجامعة الألمانية خلال الأيام الأخيرة نتيجة فصل طالبين, بصرف النظر عن الأسباب التي تسوقها الجامعة أو الطلاب, خير دليل علي وصول حالة العبث التي تعصفبنا وبالعملية التعليمية منذ شهورإلي أقصاها. فالاحتجاج علي فصل طالبين من جامعة هو علاقة مباشرة بين الجامعة والطلاب, وقنوات الاحتجاج أو التظلم من مثل تلك القرارات متاحة سواء داخل الجامعة أو عبر القضاء. أما أن يتحول الملف برمته إلي استغلال البعض لتلك الأحداث لتسجيل مواقفه والسعي لمزيد من الشعبية, وتصوير الأمر, وكأنه إحدي حلقات الثورة المصرية للدفاع عن الحرية, ومحاربة فلول الحزب الوطني, فإن ذلك- إضافة إلي أنه يزيد الأمر تعقيدا- يؤسس لطريق غير مضمونة العواقب في التعامل مع الجامعات وحقوق الطلاب فيها. باختصار فإن الجامعة ليست- ولا ينبغي لها أن تكون- ساحة للمزايدات السياسية.