في كل مرة تتفجر فيها أزمة عربية, يقف العالم العربي موقف الطرف الضعيف فلم يكن لاعبا أساسيا في وقت من الأوقات. وكانت الجماعة العربية التي مثلت الحكومات ولم تعبر عن الشعوب مجرد أداة في أيد قوي أخري أجادت فهم صراع الأمم. لهذا لم تعرف التحولات الكبري حسما حقيقيا وبقيت مصالح الشعوب رهنا بإرادة أصحاب المصلحة في إبقاء العالم العربي متشرذما وتابعا إلي ما لا نهاية. وليس أدل علي ذلك من فشل مهمة بعثة المراقبين العرب التي تحولت إلي شاهد ما شفش حاجة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلي اقتراح قوة حفظ سلام عربية.. وغاب السؤال المهم.. أي سلام ستحفظه تلك القوات في سوريا. وإذا كانت ثورات الربيع العربي في مصر وتونس قد فاجأت الجميع وقلبت الموازين ولم تترك فرصة لرسم مواقف واضحة ليس للعرب فقط ولكن للقوي الكبري وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة التي اعتادت علي التعامل مع قوي استبداد مطيعة لها, فإن الوضع اختلف في ليبيا وشارك حلف الأطلسي في الصراع ثم هو الآن في مرحلة جني الثمار بعد أن حجز نصيبه في الكعكة بإزاحة القذافي. موقف مقعد وتبدو سوريا أكثر تعقيدا ليس للقوي الكبري فقط ولكن للعرب أيضا من عدة زوايا لعل أبرزها المخاوف الواضحة من إمكانية انتقال عدوي التغيير إلي باقي ميادين التحرير في باقي العواصم العربية. وتعبيرا عن هذه المخاوف جاء موقف الجزائر والسودان علي سبيل المثال رافضا لتصعيد الضغط علي الرئيس السوري بشار الأسد مع الخوف من تأسيس وترسيخ آلية التدخل الدولي لتحقيق التغيير. أما لبنان فلها حسابات أكثر اختلافا لا تتعلق بالخوف من انتقال عدوي التغيير حيث لديها تجربة ديمقراطية حقيقية بالمقارنة مع دول عربية أخري. مبعث الخوف اللبناني يتعلق باحتمال تصدير الأزمة السورية بما فيها من تعقيدات طائفية. وقد لاحت في الأفق بوادر الأزمة باشتباكات بين العلويين والسنة منطقتي التبانة وجبل محسن علي خلفية المواقف مع النظام السوري. تبدو الأرض اللبنانية مهيأة للاشتعال بحكم الجوار الجغرافي فضلا عن الملف الملتهب الخاص بحزب الله الشيعي المؤيد والداعم لنظام الأسد وهو دعم لا يلقي قبولا في أوساط السنة بلبنان. يضاف إلي هذا حالة الاحتقان والخلافات التاريخية بشأن سلاح حزب الله وإصرار الحزب علي الاحتفاظ به فضلا عن علاقته الوطيدة والواضحة بإيران. الأخطر من هذا الجوار اللبناني مع إسرائيل واحتمالات اشتعال الموقف وتفجر حرب إقليمية ستكون أرض سوريا ولبنان بلا شك إحدي ساحاتها الرئيسية. في هذا السياق أيضا تبدو إيران حليف الأسد الأبرز لتضيف تعقيدات إضافية للمشهد المتأزم. وهذا الوجود الإيراني الداعم للأسد ربما كان السبب الأساسي في تشدد مواقف دول عربية أخري وخاصة في الخليج العربي كالسعودية وقطر فانتقلت المواجهة بين طهران من ناحية والرياض من ناحية أخري إلي دمشق. وهناك مواجهة أخري طرفها إيران تجري في البحرين عبر ما يوصف بتحريك ودعم من طهران للمعارضة الشيعية المطالبة بالتغيير وإزاحة الملك. كما تتخوف السعودية من الأصابع الإيرانية وعلاقة طهران بالشيعية المتمركزين في المنطقة الشرقية حيث مطالبات بالتغيير ولعبة عض أصابع يدخل فيها الموقف الدولي من البرنامج النووي الإيراني علي الخط. وتبدو السعودية في هذا السياق عنصرا مهما في تشديد العقوبات علي إيران ولو من باب تعويض الغرب عن وقف صادرات البترول الإيراني. علي جانب آخر جاء التحفظ العراقي ربما بحكم الجوار الجغرافي مع سوريا ليرفض الضغط المتزايد علي الأسد. وربما توفر حكومة نوري المالكي في العراق دعما للأسد انطلاقا من بواعث طائفية شيعية كما تقول قوي معارضة في العراق. في مقابل ذلك تحركت المقاومة العراقية التي خاضت في السابق مواجهات مع الاحتلال الأمريكي لتقديم الدعم للجيش السوري الحر في مواجهة نظام الأسد انطلاقا من فكرة دعم السنة في سوريا ضد العلويين. وبالفعل تواترت أنباء عن عمليات مسلحة استهدفت خطوط دعم حكومة المالكي لنظام الأسد. اختلاط السياسي بالطائفي في هذا المشهد الملتبس الذي يختلط فيه السياسي بالطائفي تبدومواقف دول عربية أخري متسمة بقدر لافت من التردد في مقدمتها مصر التي تعاني أوجاعا داخلية متجددة وحالة من عدم الاستقرار نتيجة عدم تحقيق كامل أهداف الثورة. أما الدول التي حسمت أمرها بشكل لافت مثل ليبيا وتونس عبر إجراءات للاعتراف بالمجلس السوري المعارض وطرد السفير السوري فكانت تتحرك بقدر أوسع من حرية التصرف بعد حسم الأمور الداخلية إلي حد بعيد. لهذا لا يبدو أمام العرب بمواقفهم المترددة ومصالحم المرتبطة بقوي أخري سوي تدويل الأزمة رغم ما ينطوي علي ذلك من مخاطر حقيقية, لتبقي الكرة دائما في ملعب الصراع بين الولاياتالمتحدة وحلفائها من جهة وروسيا والصين وإيران من جهة أخري. إذن تبدو الأوضاع في سوريا متجهة إلي مزيد من التعقيد في ظل صعوبة التدخل الدولي والعسكري المباشر نظرا للجوار مع إسرائيل والخوف من حرب إقليمية لن تغيب عنها إيران ومنطقة الخليج العربي. كما يلعب بشار الأسد علي عامل الوقت وإطالة أمد الأزمة أملا في إنهاك معارضيه ورفع سقف القتل والدمار إلي أقصي درجة ممكنة ليدفع بالسوريين للقبول بالأمر الواقع ورفع الراية البيضاء وربما القبول بصيغة تعديلات دستورية تسمح لبشار الأسد بحكم ولا يتين جديدتين مدة كل منهما سبع سنوات مالم يحسم الجيش الحر الموقف الميداني علي الأرض. فهل ينتظر السوريون ومعهم العرب14 عاما أخري حتي يتنفسوانسائم ربيع التغيير أم تنقلب الأمور ويتهاوي نظام الأسد في مفاجأة قد لا تختلف كثيرا في ملامحها عما جري في مصر وتونس؟. وسواء طال أمد الأزمة أو انتهي إلي حسم قريب ستبقي الأصابع الخارجية طبقا للمعطيات الراهنة هي المحرك الحقيقي للأمور, لتظل علامة الاستفهام الكبري.. إلي متي يظل العرب خارج المشهد.