دي.. شركة مصر!!... جملة نطقها بعفوية وتلقائية عم حسن.. الذي يعمل بالمراجعة الفنية بشركة مصر للغزل والنسيج وصباغي البيضا بكفر الدوار, لكنها كانت تحمل مغزي عميقا يعود لعام1938. وتحديدا في الخامس والعشرين من أغسطس حيث وضع حجر أساس الشركة التي أنشأها بنك مصر بأموال وأيد مصرية علي مساحة400 فدان ليبدأ انتاجها الفعلي في مارس من عام1940.. واليوم في2012 ندخل إلي قلب الشركات لنستمع إلي أنين الماكينات والعمال.. عبر السطور التالية: هنا مصر.. ليس شعارا أو موقع بلادنا علي الخريطة لكنها إشارة كل من قابلناهم في كفر الدوار بمحافظة البحيرة عندما تحدثوا عن الشركة التي اعتبرت فيما سبق قلعة صناعة الغزل الرفيع في مصر قبل أن تحاك حولها المخططات الشيطانية التي دمرتها تماما لتتأكد أن هنا بالفعل مصر لكنها المحبطة الحزينة المجهدة من كثرة الهموم والأحزان التي تذكرك بأبيات الرائع صلاح جاهين الشعوب مشيت حزينة في الشوارع, والمكن نام جنب عمال المصانع.. وكيف لا وقد أعلنها بشكل واضح تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الأخير الذي أكد تحقيق الشركة خلال العام الماضي صافي خسائر بلغت220,394 مليون جنيه ليصبح إجمالي الخسائر المرحلة حتي نهاية يونيو الماضي نحو4,7 مليار جنيه بما يعادل43 مثل رأس المال!!! فضلا عن أن الشركة تعاني خسائر نشاط متكررة وعجزا في صافي رأس المال وتوقف سداد التزامات بلغت2056 مليون جنيه مستحقة لكل من بنك الاستثمار القومي والتأمينات الاجتماعية وشركة كهرباء البحيرة والجمعية التعاونية للبترول وموردي الأقطان. رمضان مرعي واحد من عمال الشركة التي كانت في يوم ما مصدر رزق لآلاف الأسر المصرية في محافظات عدة منها البحيرة والمنوفية والغربية وكفر الشيخ والأسكندرية وغيرها.. عم رمضان حكي عما كان فقال أنا في المصنع من سنة1981 دخلته وهومليان عمال وشغال24 ساعة ومكانش الواحد يعرف يخرج من البوابة بسهولة وقت تغيير الورديات, من كثرة العمال اللي كان شكلهم يفرح حتي وهم تعبانين من الشغل والمجهود, ورغم أن الفلوس كانت قليلة لكن شكل الانتاج والمكن الداير, كان بيخلي فيه بركة وخير كثير, بعكس دلوقتي مفيش غير الهم والمكن وردية ولا اتنين وبقية اليوم عطلان وواقف وشكله يسد النفس. الحاج حسن عبد الجواد يعمل بالمراجعة الفنية بالشركة لم يكن يعلم وهو يغادر أتوبيس شركته المتهالك في يوم ممطر بقريته البسلقون بعد يوم عمل يختلف كثيرا عما كان عندما بدأ قبل نحو34 عاما أننا بانتظار سماع ما حدث بعد زمن دوران الماكينات وحلاوة اليد الشغالة بهمة الرجالة, فبدأ وقسمات وجهه توحي بكم الأسي شغل إيه؟ المصنع اتدمر وبقي غير صالح واللي بنشتغله انتاج مالوش قيمة, مركون ومالي المخازن لا بيتباع ولا بيشتري, علشان بنشتغله عافية وخلاص وده مخلينا نفسيا تعبانين لأن العامل يريد أن يدخل مصنعه لينتج وانتاجه يكون بجودة عالية ليباع لا ليكدس في المخازن. وتابع عم حسن زمان ماكناش بنلاحق علي الطلبيات اللي رايحة أوروبا وغيرها في الشرق والغرب من انتاج القطن المصري الممتاز جيزة77 اللي كان مناسبا للمكن المخصص للغزل الرفيع اللي كان له سمعة عالمية قبل ما يجيبولنا القطن اليوناني والروسي غير المناسب لنوعية الماكينات المخصصة للقطن طويل التيلة ولذلك بيكون في القماش عيوب كثيرة دا غير تسريح العمالة بالمعاش المبكر اللي وفرت أكثر من نصف اللي كانوا بيشتغلو وكل ده خلي الحكاية تزهق وتقرف, والعمال كلهم بقوا نفسيا زهقانين بعد اللي حصل من حوالي15 سنة لما عرفنا ان اسرائيل أخذت بذرة القطن المصري لانتاجه لديها مقابل ماكينات جابتها لنا وعملت أبحاث علي البذور اللي ما بقيناش نزرعها واحنا أصحابها وحاليا بتزرع في اسرائيل وبتنتج قطن ملون واحنا حالنا بقي واقف ومش عارفين ليه كل ده حصل؟ وقف بجانبنا زميله القديم عبد الوهاب حسن الذي كان يعمل بقطاع الملابس الجاهزة بشركة مصر كما يحب أن يطلق عليها كل من انتمي لها في يوم من الأيام, ورغم أنه لم يتجاوز الأربعينيات من عمره, غير أنه ترك العمل بعد تسوية معاشه مبكرا قائلا خرجت مع الكثيرين لما لقينا الحكاية بايظة فقررنا نأخذ المكافأة لعمل مشروع نعرف نعيش من وراه ونصرف علي ولادنا منه ووعدونا بتشغيل أبناء العاملين ولم يحدث شيء. وسألناه ندمان؟ أجاب ندمان ومش ندمان.. من ناحية خرجت مع زملاء كثيرين من البهدلة اللي كنا بنشوفها من حرق الدم بعد ما الشغل وقف والمكن اتباع خردة بعد ما كسروه لدرجة اننا كنا بنقول لبعض هو الخراب دلوقتي بقي دور الدولة؟ وعرفنا فيما بعد أن أنوال وصالات كاملة للغزل والنسيج من اللي اتباعت وهي صالحة للعمل تم تركيبها برة وتم بيعها علشان سد الخسائر.. حسبنا الله ونعم الوكيل بعد ما كان في الشركة32 ألف عامل سنة1979 كل واحد منهم كانت وراه أسرة كاملة يعني المصنع كان فاتح بيوتا وصلوا دلوقتي حوالي8000 يعني ثلثي العمالة اتسرحت والخراب حل ومش عارفين لصالح مين؟! واستكمل لكن الكثيرين ندموا بعد أن تم انفاق أموال المكافآت إما في زواج أحد الأبناء أو عمل مشروع لم يحقق ربحا نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة كما أنهم لم يوفوا بعهدهم الذي وعدونا به بتعيين أحد الأبناء في الشركة بعد خروج الوالد منها وهو مالم يحدث وأصبح الآباء والأبناء عاطلين عن العمل في البيوت. حال العمال حاليا مع ما أسموه الخراب اللي حل ليس بأقل سوءا من حال المكن اللي مبقاش داير فلا رعاية صحية ولا اجتماعية تشفع للحالة الاقتصادية هكذا بدأ سعد محمد الذي يعمل في المخازن العمومية للشركة التي يسميها العمال بنك مصر حديثه قائلا مستشفي العمال الذي كان سمعته الطيبة يعلم بها الجميع سواء من حيث الاهتمام أو الأجهزة وحتي الأدوية وقاطعه الحاج حسن قائلا كان العامل بيتعالج علي أحسن ما يكون سواء في مستشفي الشركة أو غيرها حيث كانت مشتركة في جميع المستشفيات الجامعية حتي لو تكلفت جراحة للعامل بآلاف الجنيهات كان يتم تحمل التكاليف. وتابع سعد محمد المستشفي حاليا أصبح لا يحوي المستلزمات الطبية البسيطة والكلمة التي تقال لجميع العمال في حال احتياجهم لأي رعاية طبية هي روح اعمل اللي يلزمك برة علي حسابك مثلما حدث معي منذ أيام عندما احتجت لأشعة موجات صوتية بعد عملية الطحال التي أجريتها مؤخرا. وعن المشكلات والحال الذي وصلت له الشركة وعمالها وأنباء الدعم المقدم لشراء القطن من الفلاحين وتكليف شركات الغزل والنسيج التابعة لقطاع الزعمال بشراء مخزون المحصول وتأثير ذلك علي الصناعة ذهبنا للجنة النقابة لعمال مصر للغزل والنسيج, وفي خلفيتنا التاريخ الطويل للحركة العمالية المصرية ولا تزال تتردد علي مسامعنا اجماع العمال علي رفض اللجنة الحالية, وضرورة تغيير أعضائها جميعا لتشكيلها في النظام السابق وما بين ما بيدهم حيلة والارتباط بالنظام السابق وسياساته جاءت أسباب الرفض التي فوجئنا بمعرفة الأعضاء بها فقال شوقي سليمان عضو اللجنة النقابية أنا أول من يطالب بسحب الثقة من أعضاء اللجنة وإعادة الانتخابات مرة أخري وفق ما تم اجراؤه من جمع توقيعات من4000 عامل الرافضين للجنة المنتخبة وعددهم15 منذ2006 وحتي2011 حيث تم التمديد لها ستة أشهر قابلة للزيادة. وأضاف يعاني المصنع مثلما يعاني عماله الذين أصابتهم الامراض بدءا بالربو الشعبي وحتي السرطان مرورا بالقئ الدموي بسبب ظروف العمل والقطن الذي لا يصلح للغزل وبعد العديد من الشكاوي والاستغاثات ووقفة احتجاجية للعمال تم احضار أجهزة طبية حديثة لمستشفي الشركة منذ2007 ولم يتم تركيبها حتي الآن وما بين أجهزة سونار وأشعة ورنين مغناطيسي وغسيل كلوي وتجهيز غرفة عمليات كاملة معبأة في الكراتين وقد تكون تعطلت أو صدأت وهي تنتظر17 ألف جنيه للتركيب!!! ومن جانبه قال السيد غراب أمين عام اللجنة النقابية للشركة انه تم عمل مذكرة وارسالها لرئيس القطاع الطبي بهذا الشأن ولا ندري لماذا توقف الأمر وسمعنا عن خلافات علي شركة التركيب التي تم الاتفاق عليها مشيرا إلي المطالبة بتعيين أطباء أكفاء بدلا من التعاقد مع أطباء معظمهم تخطوا الستين حيث يتم انتدابهم وليس لديهم طاقة للعمل من الأساس ولاتوجد بالمستشفي حتي سيارة اسعاف حالتها جيدة فبعد ان كانت هناك6 سيارات اسعاف نجد ان أحد الزملاء ويدعي محمود هنداوي نقل في احداها وحالته صعبة وفي الطريق تعطلت السيارة4 مرات وقبل ان يصل للمستشفي توفي في الطريق. وأشار إلي أنه تمت مناقشة ومخاطبة كل المسئولين بشأن مشكلات العمال وكان الرد فيما يتعلق بالجانب المادي وحقوق العمال أوحتي الرعاية الصحية والاجتماعية تتعلق بالظروف الاقتصادية للبلد والأحوال التي كانت موجودة ولا تخفي علي أحد من تدهور القطاع العام بكل مرافقه مضيفا وصل الحال حاليا إلي تدبير المرتبات بالعافية لأنه بسبب الخسارة تقوم الدولة بالدعم لاكمال قيمة المرتبات وهذا ليس ذنب العمال بل ذنب من تعمد انهيار الصناعة لأن حجم المبيعات يبلغ60 مليون جنيه بينما قيمة المرتبات فقط تصل إلي140 مليون جنيه في الوقت الذي توقفت فيه مصانع تماما مثل مصنع2 الذي اصبح شونا ومخازن أو يعمل بشكل جزئي مثل مصنع1 الذي يعمل بنسبة20% وهو ما ينعكس علي العمال الذين لم يحصلوا علي العديد من مستحقاتهم ومنها مكافآت شهري يوليو الماضي ويناير الجاري بجانب منح غلاء المعيشة وغيرها. ودعنا العمال في شركة مصر.. تركناهم وطوال رحلة العودة تحت الأمطار ورغم برودة الجو الشديد لم ندر لماذا زاد الأمل لدينا رغم ما سمعناه من حكايات التدهور والانهيار؟ فهل هي الروح الممتلئة بالتحدي والصمود الذي لازم الحركة العمالية المصرية طوال تاريخها وقد ألقت بظلالها علينا؟ أم هو اليقين بأنه لا يصح في النهاية غير الصحيح مهما يكن عمر دولة الخطأ؟ أم تغير الظروف رغم كل ما يشوبها من شوائب لا تزال عالقة؟ أم.. أم.. فجأة اكتشفنا أسبابا متعددة للأمل لم نشغل بالنا كثيرا بتعدادها خاصة ونحن وسط الحقول علي طريق القاهرةالاسكندرية الزراعي وصوت عبدالحليم حافظ يرن في الأذن برائعته بالأحضان يا مصانع يا مزارع.. يا اللي انت بترفع راية السلم.. لا سلم بدون اقتصاد قوي الا سلم الخانعين والخائفين. اقرأوا الفاتحة علي روحه عبد الناصر ده بتاعنا.. وحسبي الله في اللي باعونا وتاجروا فينا من بعده وحيدة علي الحائط لكنها حملت كل المعاني وحاسبت التاريخ والأفعال والمخططات والألاعيب وفرقت بين ما كان وما صار وما هو حادث. هنا في مقر اللجنة النقابية لعمال الشركة لفتت انتباهنا صورة وحيدة علي الحائط لخصت60 عاما من عمر مصر بكل ما فيها من أحداث وحوادث.. انها للرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. ثوان عديدة مرت ونحن نتأمل المعني الذي لا يحتاج لذكاء حاد.. فقط استرجعنا شريط الذكريات وحكايات ما قرأنا عنه في كتب التاريخ وما سمعناه من العمال من حكايات المصنع الذي لم يعد يصنع. سألنا ببساطة لماذا هو وليس غيره تعلقون صورته هنا؟ فكانت السرعة والانفعال في الاجابة من قبل أحد العمال الذي تصادف وجوده أثناء إلقاء السؤال بمثابة رسالة موجهة تقول باستنكار وهل هذا سؤال؟ ولكنه أجاب بثبات وبلا تردد عبد الناصر ده بتاعنا.. مننا واحنا منه.. ده راعي القطاع العام اللي بني وكمل اللي أسسه طلعت حرب اللي باعوه بعد كده وشردوا أبناءه وخربوه ولا ندري لمصلحة من؟ بانفعال لم يتح لنا أي فرصة للمقاطعة أيامه كانت خير علينا وعلي البلد خصوصا الغلابة اللي حسوا إن ظهرهم انقسم بعد موته من هول ما ذاقوا من مرارة مؤتمرات التدمير ده حتي العلاوات اللي أقروها لنا بعد رحيله كان هو السبب فيها ومشفناش من بعده غير الخراب والدمار والسرقة والنهب. السادات يشفعله نصر أكتوبر لكن بداية الخراب كان في عهده أما مبارك فحسبنا الله يكفيه ما جري له جملة نطقها أحد العمال تؤكد أن كلا بما كسبت واقترفت يداه والحساب جزاء الجميع.