إبراهيم عيسى: التفكير العربي في حل القضية الفلسطينية منهج "فاشل"    سيارة انفينيتي Infiniti QX55.. الفخامة الأوروبية والتقنية اليابانية    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    تمويل السيارات للمتقاعدين دون كفيل.. اليسر    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    استخراج اسماء المشمولين بالرعاية الاجتماعية الوجبة الاخيرة 2024 بالعراق عموم المحافظات    «هساعد ولو بحاجه بسيطة».. آخر حوار للطفلة جنى مع والدها قبل غرقها في النيل    رابط نتائج السادس الابتدائى 2024 دور أول العراق    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    نائب محافظ بنى سويف: تعزيز مشروعات الدواجن لتوفيرها للمستهلكين بأسعار مناسبة    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    اشتباكات عنيفة قرب سوق الحلال وانفجارات شرق رفح الفلسطينية    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    حلمي طولان: حسين لبيب عليه أن يتولى الإشراف بمفرده على الكرة في الزمالك.. والفريق في حاجة لصفقات قوية    اجتماع الخطيب مع جمال علام من أجل الاتفاق على تنظيم الأهلي لنهائي إفريقيا    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    ملف يلا كورة.. إصابة حمدي بالصليبي.. اجتماع الخطيب وجمال علام.. وغياب مرموش    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبناء (الحكم الذاتى) فى مصبغة العاشر
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 11 - 2009

يحتفل عمال «مصبغة العاشر» هذا الشهر بمرور عامين على تجربة عمالية فريدة فى تطبيق الإدارة الذاتية، بعد هروب صاحبها المستثمر من مصر فى أزمة ديون للبنوك، وتراجع إنتاج المصبغة ودخلها.
الآن ينتظر عمال المصبغة، واسمها الرسمى الشركة الاقتصادية للتنمية الصناعية، حلا على يد عائشة عبدالهادى وزيرة القوى العاملة، التى وعدت مجدى عباس نائب رئيس اللجنة النقابية بالشركة باللقاء فى موعد لم يتحدد بعد.
فى إحدى عشوائيات شبرا الخيمة يسكن شعبان مطر أحد عمال الشركة الاقتصادية للتنمية الصناعية.
التحق شعبان بالشركة منذ 23 سنة، وبدأ العمل فى مقرها الأول فى حى الأميرية، ثم انتقل معها إلى مدينة العاشر من رمضان.
المصبغة، كما يسميها العمال، كانت دائما أهم ما فى حياة شعبان، لذلك لم يتردد فى مشاركة العمال صراعهم مع صاحب المصبغة فى وقت كان يستطيع الاستغناء عن وظيفته والبحث عن عمل آخر، فهو يجيد النقاشة، «لكن المصبغة أصبحت بتاعة العمال»، كما يقول، فى إشارة إلى التجربة الفريدة التى نفذها العمال فى أعقاب مشكلاتهم مع صاحبها الذى غادر مصر، عندما اتفق مديرها العام مع اللجنة النقابية على تطبيق تجربة «الإدارة الذاتية»، بعد اختفاء المستثمر، والاقتراب من مستقبل مجهول.
مغامرة أغا
يقع مكتب الأمن على يمين البوابة الرئيسية العالية، وخلف البوابة ممر طويل يوصل إلى أكبر غرفة فى المصبغة وهى غرفة التحضيرات التى شهدت إضرابات العمال منذ عام 1999 حتى الآن، بجوار هذه الغرفة معمل تحضير المواد الكيماوية للصبغة، وخلف الغرفة الرئيسية غرفة اللف والتطبيق وهى المرحلة النهائية فى الصباغة.
«ظروف الشركة صعبة ومحتاجة مساعدة من وزارة القوى العاملة». يروى إبراهيم حفنى مدير عام الشركة «مأساة العمال» كما يصفها مع عادل أغا صاحب الشركة سورى الأصل ويحمل الجنسيتين المصرية والأمريكية.
يمتلك أغا أكبر مجمع صناعى للغزل والنسيج فى الشرق الأوسط، ويتكون من مجمع مصانع آمون سيتو الذى يضم 10 مصانع للغزل والنسيج، بالإضافة إلى الشركة الصناعية للتنمية الاقتصادية بالعاشر من رمضان، أو المصبغة التى نتحدث عنها. يمتلك أيضا شركة أمريكان هاوس فى قليوب والشركة الاقتصادية العربية وساندى للملابس الجاهزة فى الأميرية.
أسس عادل أغا المصبغة فى الأميرية قبل 30 عاما، كما يقول مديرها إبراهيم حفنى، وانتقلت للعاشر من رمضان فى عام 1996، «واقترض أغا 488 مليون جنيه من بنك القاهرة، أغا لم يسدد ديونه لبنك القاهرة، وتم حبسه فى عام 2000 لمدة 6 سنوات، وبعد خروجه قام بتصفية آمون سيتو» كما يقول إبراهيم حفنى.
فى قبضة العمال
بدأت مشكلات أغا مع عمال المصبغة فى عام 2007، حسب رواية المدير العام فقام إبراهيم حفنى، «تم فصل 282 عاملا من إجمالى 500 عامل دون تسديد حقوقهم، وامتنع عن شراء المواد الخام الخاصة بالتشغيل وقطع الغيار اللازمة لتشغيل بعض الآلات، وتأخير صرف الرواتب الشهرية والعلاوة الدورية والاجتماعية».
اعتبر العمال ما حدث «فصلا تعسفيا»، كما يقول إبراهيم حفنى، «بس احنا ما سكتناش، ورفعنا مذكرة لوزيرة القوى العاملة والنائب العام».
تقدم إبراهيم حفنى ومعه عادل عبدالستار المدير المالى ومحمد كمال المدير الإدارى واللجنة النقابية للشركة بمذكرة فى عام 2007 للمستشار عبدالمجيد محمود النائب العام وعائشة عبدالهادى وزيرة القوى العاملة يطالبون فيها بمنع أغا من إدارة الشركة وتعيين أحد المديرين كمفوض عام وافقت الوزارة.
وبدأت تجربة الإدارة الذاتية مع اختيار إبراهيم حفنى مفوضا عاما للشركة بموافقة وزارة القوى العاملة والنائب العام.
وقعت الشركة إذن فى قبضة عمالها.
«أغا حاول تصفية المصبغة بعد فصل معظم العمال، لكن احنا قدرنا نبدأ تجربة الإدارة الذاتية للمصبغة فى سبتمبر 2007»، كما يقول إبراهيم حفنى. ووقتها توقع شعبان مطر أن تتحسن الأوضاع، وتنتهى معاناة 3 أجيال من عمال المصبغة، لكن شيئا من هذا لم يحدث.
إلا أن عمال المصبغة أصروا لمدة عامين ونصف العام حتى الآن على إدارة المصبغة، حتى فى وجود التركة الثقيلة التى خلفها أغا.
الإدارة الذاتية
أمور كثيرة تبدلت فى حياة شعبان منذ رحيل المصبغة إلى العاشر من رمضان، «الأول الطريق من بيتى فى شبرا للمصبغة فى الأميرية كان بياخد 15 دقيقة، بس دلوقتى المشوار بقى بعيد».
منذ 10 سنوات كان يستيقظ شعبان فى الساعة السادسة صباحا ليذهب لورديته فى الساعة السابعة، وتأخر موعد الوردية للساعة الثامنة مع انتقال المصبغة إلا أنه ظل يستيقظ فى السادسة ولم يفرق معه تأخير الوردية ساعة كاملة.
راتب شعبان لم يزد على 800 جنيه منذ 10 سنوات وكان يشكو من قلة الراتب طوال 23 سنة خدمة.
«عندى 6 عيال أكبرهم فى ثانوية عامة وأصغرهم عندها سنتين»، لذلك قرر شعبان القيام بعمل إضافى إلى جانب المصبغة، فعمل فى النقاشة التى تنقذه من غلاء الأسعار، ويتقاضى من 500 إلى 600 جنيه «حسب التساهيل».
وليس هناك عمالة مؤقتة فى الشركة فكل العمال أصحاب عقود، والعمالة النسائية تمثل 5% فقط ويعملون فى قسم اللف والتطبيق.
تعمل المصبغة على مدار اليوم بتقسيم العمال إلى 3 ورديات، فتبدأ الوردية الأولى فى الساعة الثامنة صباحا وتنتهى فى الثالثة بعد الظهر وتبدأ الوردية الثانية بعد انتهاء الأولى وتنتهى فى العاشرة مساء، ثم تبدأ الوردية الثالثة عقب انتهاء الثانية لتنتهى فى الثامنة صباحا.
وذات يوم اتخذ شعبان مطر القرار الصعب: الاستقالة من الشركة والاكتفاء بحرفة النقاشة.
لم يكن يعلم أن هناك تجربة جديدة على الأبواب، هى تجربة الإدارة الذاتية، التى جعلته يتراجع عن قراره دون تردد. «من ساعة ما الشركة تحولت لإدارة ذاتية بقيت أحس إنها بيتنا التانى، وبخاف عليها كأنها حد من عيالى».
غير أن ظروف العمل لم تتحسن مع الإدارة الذاتية، بسبب مشكلات المستثمر الهارب، وتراجع كميات ونوع العمل.
«الإدارة الذاتية كانت بديلا أفضل بكتير من تصفية المصبغة وتشريد العمال، بس المشكلة فى الديون المتلتلة اللى سابها لنا أغا». يؤكد إبراهيم حفنى أن أغا لم يسدد ديونه لبنك القاهرة أو للشركات المذكورة من قبل، واستطاع الهروب للخارج.
ديون المصبغة وصلت قبل هروب أغا إلى 36 مليون جنيه، فى صورة مبالغ اقترضها من بنك القاهرة بضمان 500 ألف متر قماش استقرت فى مخازن المصبغة، و11 مليون جنيه للمرافق الحكومية، منها فواتير المياه والكهرباء. «دفعنا 200 ألف جنيه بس لشركة الكهرباء عشان قطعوها عن الشركة، ونسبة التلفيات فى القماش وصلت إلى 45 ألف جنيه، كما يتذكر إبراهيم حفنى.
هكذا ظل العمال يحملون ما تركه أغا من أعباء تبدأ بديونه لبنك القاهرة حتى ديون المصبغة لشركات الكهرباء والمياه والغاز والتأمينات.
قلة الإنتاج والدخل
كان عادل أغا يستفيد من ملكيته للمجمع الصناعى آمون سيتو، فى تشغيل المصبغة بكامل طاقتها الإنتاجية. وكان المجمع بمثابة العميل الوحيد للمصبغة، فيقوم بإنتاج الأقمشة وإرسالها للمصبغة لصباغتها، ثم تردها المصبغة للمصنع ليبيعها جاهزة.
بعد تصفية المجمع الصناعى، اعتمدت المصبغة على عملاء «تشغيل الغير» كما يسميهم العمال. إنهم وسطاء يدبرون دخلا للمصبغة، ويأتون بالأقمشة للمصبغة مع كتابة بون يحتوى على الألوان والرسومات المطلوبة، ثم يردونها للعملاء مرة أخرى للبيع.
لكن الدخل من هذه العمليات غير المنتظمة لا يكفى، لذلك تقدم إبراهيم حفنى واللجنة النقابية بالشركة بطلب قرض من بنك مصر بقيمة اثنين ونصف المليون جنيه، «هو ده الحل الوحيد عشان المصبغة تقدر تقف على رجليها، وما يتشردش 500 عامل بأسرهم». لكن المفاوضات بينه وبين بنك القاهرة فشلت، رغم أن البنك يحتجز آلاف الأمتار من الأقمشة فى المصبغة دون استخدامها لسداد القرض الأول الذى استدانه أغا.
الموقف أصبح أكثر صعوبة فى تقدير إبراهيم عثمان عضو اللجنة النقابية. «مفيش غير حلين إما الوزيرة تعتبر المصبغة شركة متعثرة أو بنك مصر يقدم لنا القرض، ده طوق النجاة بالنسبة لنا».
إبراهيم عثمان هو أحد أعضاء اللجنة النقابية التى لم تتشكل إلا قبل 3 سنوات، فلم يكن أغا مقتنعا بوجود لجنة نقابية للشركة، «عملنا اللجنة النقابية فى الشركة عشان نعرف راسنا من رجلينا، ونعرف نجيب حقوقنا». واستطاع إبراهيم عثمان تكوين لجنة نقابية مع 7 آخرين من زملائه بعد انتخاب العمال لهم.
يحكى إبراهيم عثمان عن محاولته مع زملائه فى اللجنة النقابية حل مشاكلهم فى المصبغة مع وزارة القوى العاملة، غير أن الوفد العمالى فشل فى الحديث إلى الوزيرة، التى رفضت مقابلتهم، وأحالتهم إلى مديرة مكتبها السيدة ناهد العشرى. ولم يكن أمامهم سوى عرض المشكلة عليها، وانتهى اللقاء بطلب قرض لضمان تسيير الأعمال فى المصبغة. وكان رد السيدة ناهد العشرى مفاجأة للجميع: نديكم قرض بتاع إيه وبصفتكم إيه؟.
فقد العمال بعد هذه المحاولة فرصة أمل أخير بأن تساعدهم وزارة القوى العاملة إلا أن الوزيرة اكتفت بصرف رواتب شهرين فقط من إجمالى عامين، أى منذ تولى الإدارة الذاتية مقاليد الأمور بالشركة.
إضراب كل شهرهل يعنى كل هذا ضياع الأمل الأخير؟. يعرف العمال أن هناك حلولا أخرى ما تزال مطروحة، منها الضغط بالإضراب أو الاعتصام.
«أول إضراب كان أطول إضراب فى الشركة، وطلعنا منه بنتيجة، لكن بعد عذاب».
يحكى إبراهيم عثمان عن إضراب العمال فى ديسمبر 1999 «بعد امتناع أغا عن صرف العلاوة الدورية للعمال والتى تمثل 7% والعلاوة الاجتماعية بنسبة 10% وتأخير صرف الرواتب، وكان الإضراب رمضانيا فلم يتقاض العمال منحة رمضان أو العيد. أغا كان عايز يطفشنا فمنع عنا كل الحقوق والامتيازات».
استمر الإضراب حتى شهر يناير 2000، وانتقل العمال للتظاهر أمام النقابة العامة للغزل والنسيج، إلا أن قوات الأمن نجحت فى فض المظاهرة ومهاجمة العمال، ولكن استطاع العمال فى النهاية الحصول على بعض مطالبهم، وأهمها صرف الرواتب المتأخرة.
«دلوقتى كل شهر بنعمل إضراب، عشان الرواتب بتتأخر لنصف الشهر، ويعنى مين يقدر يستنى كل المدة دى من غير قبض».
إبراهيم عثمان يقول إن الرواتب دائما ما تتأخر، ولكن ذلك لا يرجع لإدارة الشركة، حيث يحاولون العمل لأقصى درجة ممكنة إلا أنهم لا يقومون بالإنتاج، فكانت المصبغة تعتمد على المجمع الصناعى فى الإنتاج النهائى والعملاء كانوا يتعاملون مع «آمون سيتو» إلا أن أغا قام بتصفية المجمع من ضمن الممتلكات التى قام بتصفيتها.
«الأمل اللى فاضل، إن الوزيرة لازم تدخل وتعامل الشركة على أنها متعثرة، والعمال بيبذلوا كل مجهودهم عشان المصبغة تفضل مفتوحة».
فهو ليس صوت إبراهيم فقط بل صوت كل العمال بالمصبغة، الذين يعتبرونها مسألة حياة أو موت.
«أنا ربنا فتحها عليه واتعلمت صنعة تانية أكمل بها دخلى، بس معظم العمال ما بيعتمدوش إلا على دخل المصبغة، لو خربت ها تتخرب بيوتهم».
يقول شعبان مطر الذى يخشى على زملائه فى حالة تصفية المصبغة أو إغلاقها، ويتمنى أن تتحول إلى قطاع عام أفضل من تشريد 500 عامل.
من الغسيل إلى التلوين
غرفة تحضيرات الصباغة تمتلئ بأثواب القماش البيضاء على الأرض ويتم سحب كمية محددة من القماش وهى 300 كيلو جرام لوضعها فى ماكينة الجيت.
الجيت ماكينة كبيرة ومرتفعة بها درافيل تقوم بتقسيم القماش على العينين فى الماكينة، 150 كيلوجراما لكل عين، ولكل عين بوابة يتم إغلاقها أثناء الصباغة.
أسفل الماكينة يوجد الموتور الرئيسى يعمل على تشغيل «طلمبة المياه» وهى المسئولة عن مد الماكينة بالمياه، وطلمبة المياه عبارة عن ماسورة بقطر 3 بوصات، وضغط المياه بها يصل إلى 10 وحدات، كما تحتوى الماكينة على أنابيب تسير من خلالها المياه لتصل إلى القماش داخل الماكينة.
وتحتوى المصبغة على 17 ماكينة جيت، ولكن لا يعمل جميع المكن، فيقول شعبان «جيت 3 وجيت 7 محتاجين قطاع غيار ومش عارفين نشتريه».
ماكينة الطباعة تحتوى على قوالب تحتوى على رسومات معينة تقوم بطباعتها على الأقمشة إذا كانت طلبية العميل تتضمن ذلك.
وأخيرا يمر القماش بعد صباغته بمكن التجهيز ويعمل على تثبيت لون الصبغة وشد عرض القماش.
مرحلة ما قبل التسليم هى اللف والتطبيق، ولهذه المرحلة غرفة خاصة بعيدا عن غرفة تحضيرات الصبغة، وتحتوى على 6 ماكينات لف و6 ماكينات تطبيق، وتعمل ماكينة اللف على لف الأقمشة بأمتار محددة على حسب الطلبية لذلك تحتوى على عداد يتم ضبطه على عدد الأمتار.
أما ماكينة التطبيق فتعمل على تغليف الأقمشة بعد لفها وخروجها إلى التسليم.
التنظيف بزيت الزيتون
«أنا بعمل تركيبة الألوان بعد ما يطلب العميل لون محدد، وبعدين بكتب بون بالمواد المطلوبة».
يرأس شعبان مطر الوردية الأولى للصباغة، فهو المسئول عن تركيب الألوان المطلوبة، ويضرب مطر مثالا على طريقة تركيب الألوان.
يكتب مطر «البون» بمواد كيماوية معينة إذا كان القماش من القطن، فيستخدم مزيل العسر والصودا الكاوية لتطهير القماش، ويضع أحد منتجات الصوديوم لتبييض القماش وبعض المواد.
«مادة زيت الزيتون مهمة عشان التنظيف، ومادة أخرى تساعد على تطهير القماش من المواد الكيماوية».
يتأكد شعبان مطر دائما من تطهير القماش حتى يضع الصبغة المطلوبة بنسبة 75 جراما على 300 كيلو من أتواب القماش، وفى النهاية ينتبه شعبان جيدا لكل كمية من المواد الكيماوية، «أى غلطة فى كمية أى مادة تبوظ الدنيا».
بعد وضع الصبغة يقوم شعبان مطر بوضع أحد الأملاح لتثبيت اللون على القماش.
النوع الثانى هو الأقمشة الصناعية، ولا تحتاج مواد كيماوية كثيرة مثل القطن، لأنها أكثر بياضا ونظافة، وتتكون من ألياف صناعية وهى بطبيعتها لا تستغرق وقتا كبيرا فى الصباغة، كما يقول شعبان مطر.
المصبغة لا تقوم بصباغة أى أقمشة أخرى إلا القطن والبولى استر.
دفاتر تركيبات الألوان تملأ المكتب والأرفف فى معمل تحضير الصباغة، إلا أن شعبان نادرا ما ينظر فى هذه الملفات، فقد حفظ معظمها.
عنبر السموم والحساسية
تنتشر رائحة المواد الكيماوية فى غرفة تحضيرات المصبغة، ودرجة الحرارة عالية، وترتفع أكثر مع فتح إحدى عيون ماكينات الجيت.
«غرفة التحضيرات دائما ريحتها مواد كيماوية، عشان كدة كلنا عندنا أمراض صدرية وربو، بس خلاص اتعودنا عليها».
شعبان مطر يشكو من حساسية الصدر مثل كثيرين من زملائه، وعلى الرغم من قوة هذه الرائحة إلا أنهم تعودوا عليها ولا يشعرون بها، «دى عشرة عمر» يقول شعبان مطر ضاحكا.
ليس فقط الرائحة تملأ المكان، فمياه الصبغة والمواد الكيماوية أيضا تغرقه، حيث تخرج المياه من المكن على الأرض مباشرة لذلك غرفة التحضيرات مزودة «بالبلاعات» إلا أن المياه تغرق ملابس العمال قبل وصولها للبلاعات.
«طبيعى لازم نتغرق بالصبغة والميه اللى مش نظيفة طول فترة وجودنا فى غرفة التحضيرات، أكل العيش مر».
التأمين الصحى لعمال المصبغة تابع لمستشفى العاشر من رمضان، إلا أن العمال غير راضون عنه.
«فيه تأمين صحى، بس من غير فايدة»، شعبان وغيره من العمال يشكون من خدمة المستشفى حيث قليلا ما يتوافر العلاج، وليس هناك تعويضات على إصابات أثناء العمل فى المصبغة.
عبدالحميد محمد، 42 سنة، تعرض للإصابة عندما سقط من فوق إحدى ماكينات الجيت وأصيب بكسر فى الضلوع، فيقول «فى البداية اشتريت العلاج على حسابى وكان غاليا، بس بعد كدة تعالجت على حساب المستشفى بعد ما فلست طبعا، ومن غير أى تعويضات».
عبدالحميد لا يعانى فقط من هذه الإصابة، فهو يشكو أيضا من أمراض الجلدية وحساسية الصدر، فيقول «إحنا بنتعامل مع جميع أمراض السموم، بس للأسف مفيش أى اهتمام والتأمين الصحى علاجه قليل، يعنى مش جايب همه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.