والقارئ إذا تابع كاتبا ما, فإنه يهتم بطريقة تفكيره ومعالجته للقضايا التي يتعرض لها, ويشاركه الإحساس بما يختلج في قلبه وعقله من مشاعر يتصور بعض الكتاب, أو قد يصور لهم الوهم أو الغرور أن كثيرا من القراء يتابعون مقالاتهم, ويتأثرون بها. وقد يكون ذلك واقعا حقيقيا يشكل تلك الحميمية الذهنية بين القاريء والكاتب, أو قد يكون وهما, فتصبح العلاقة أشبه بالحب من طرف واحد. والقاريء إذا تابع كاتبا ما, فإنه يهتم بطريقة تفكيره ومعالجته للقضايا التي يتعرض لها, ويشاركه الإحساس بما يختلج في قلبه وعقله من مشاعر لماذا أقول هذا الكلام؟ ** لأنني أعتز كثيرا بالأهرام مؤسسة إعلامية عريقة شكلت وجدان مصر علي مر عقود طويلة والمسائي, وليدها الذي احتفل بعيده الأسبوع الماضي. جعلها تؤدي رسالة التنوير صباحا ومساء. * لأنني أفخر بأنني من كتاب هذه الجريدة العزيزة, وكان عزمي يوم تلقيت شاكرا الدعوة للكتابة بها, أن تدور كتاباتي عن التعليم, فهي حرفتي وهوايتي التي أعشقها, ولكن الحقبة التاريخية التي نعيشها فرضت كتابات السياسة توحدا مع ثورة نبيلة صنعها أنقي شباب الوطن, وتتعرض اليوم للتشويه والاختطاف من فسدة العقول والقلوب والأموال. * لأنني أؤمن بأن الكتابة رسالة, والكلمة الصادقة أمانة مطلوبة في تلك الفترة الملتبسة, لتساعدنا علي استجلاء البصيرة, واستعادة الهمة, والاستمساك بلحظة الأمل ولمحة النور التي أشرقت منذ عام حين هب الشعب يريد الحياة. لهذا كله أشعر بأنني مدين بتوضيح لقارئي( حتي لو كان قارئا واحدا فقط), إذ أن هناك جزءا من مقال الثلاثاء سقط فاختل المعني, كما اختلف الموعد, فلقد كتبت مقالي محتفلا بيوم25 يناير الذي يعتبر يوما خاصا في التاريخ المصري, ففي هذا اليوم من عام1952 م استشهد مصريون من أفراد الشرطة دفاعا عن كرامة وطن اغتصبه محتل متغطرس, وفي نفس اليوم من عام2011 م استشهد مصريون من شباب الأمة دفاعا عن مستقبل وطن اغتصبه حاكم متعجرف, وطغمة حاكمة سعت لترث الحكم والشعب والوطن, وذكرت نقاشا شهدته في الجمعية العلمية التي أنتمي إليها, حيث لفت أحدهم النظر قبل طباعة تقويم العام الجديد, إلي تغيير الإشارة ليوم25 يناير ليصبح عيد الثورة بدلا من عيد الشرطة ودار الحديث بل هو عيد الشرطة مع الثورة, وقبل الثورة وتوجهت بالسؤال للقاريء: عيد الشرطة أم الثورة؟ ففي هذا اليوم من عام1952 م رفض رجال البوليس المصري في الاسماعيلية الامتثال للأمر الذليل الصادر من قوات الاحتلال بخروج جميع أفراد الشرطة المصرية من مبني المحافظة مع ترك أسلحتهم بداخلها وإنزال العلم المصري من فوقها. واستمسك الرجال بأرضهم ومواقعهم, ودار قتال شرس غير متكافيء لساعات طويلة, تصدت فيه البنادق القديمة للدبابات الثقيلة, واستشهد50 شرطيا مصريا فضلوا الموت بشرف وعزة عن التفريط في شرفهم العسكري, فصار اليوم رمزا للدفاع عن الكرامة الوطنية, وسمي بعيد الشرطة, وعيدا قوميا لمحافظة الإسماعيلية تخليدا لذكري موقعة الصمود التي دارت علي أرضها. وفي نفس اليوم بعد نحو60 عاما من ذكري موقعة الاسماعيلية يوم عيد الشرطة قاد الشباب ثورة لتحمي نفس قيمة الكرامة الإنسانية التي استشهد من أجلها رجال الشرطة, وترفض اغتصاب وطن,قامت ثورة لتصوب مسارا انحرف, وتسقط نظاما كريها حول مهمة الشرطة النبيلة التي تحافظ علي حقوق الناس, وتحمي أموالهم وأرواحهم الي جهاز بطش وترويع وتخويف يحافظ علي أركان نظام فاسد يمتهن كرامة الناس, ويزور إرادتهم ويستلب ثرواتهم. تختلط المشاعر في هذا اليوم الذي يقترب حاملا ذكري الشرطي الأبي في52, وحاضر الشباب الحر في25, وتثور الأسئلة التي طرحتها ضمنا في مقالي السابق لأطرحها جهرا, فكيف يكون الاحتفال في ظل ذلك الخلل المتأصل في علاقة الشرطة بالشعب؟ وكيف تتبدل صورة شرطة هي سوط القمع والقهر والاستعلاء, وأداة الحاكم في ظلم الناس, فظلمت الشرطة نفسها أبلغ ظلم؟وهل نفرغ اليوم من معناه ليختزل في أغان وطنية أو عاطفية,( دعني أفقأ عينك وأغني لك!!), وكيف يقبل الشباب الثائر علي الظلم بالاحتفال مع الشرطة وهي رمز النظام الذي ثار عليه؟ وهل يمكن أن يعيش الناس بدون شرطة؟ وهل هناك معني أن تكون هناك شرطة بدون شعب؟ هل فكرنا كيف نحول هذا اليوم الي عيد للتصالح والمسامحة, هل تملك الشرطة الشجاعة للاعتراف بخطئها في حق هذا الشعب؟ هل تملك القدرة علي الاعتذار النبيل ولا تأخذها العزة بالإثم؟ هل تستطيع الشرطة أن تنتصر لقيمة العدل فلا تحمي قناصا للعيون, أو قاتلا لشاب أعزل في سيارته, وتقدم الجناة لمحاكمة نزيهة وعادلة؟ هل تملك الشرطة الجرأة لمحاسبة من أصدروا أوامرهم بهذه الممارسات أو من يسبغون عليها حمايتهم؟ قد يحتاج الأفراد الذين قاموا بهذه الممارسات ومن حرضهم عليها الي علاج نفسي وإعادة تأهيل مجتمعي ليصبحوا مواطنين أسوياء, وقد يحتاج المجتمع هو الآخر الي إعادة تأهيل وتوعية لنشر فضيلة المسامحة لا الثأر أو الانتقام قد نحتاج الي وثيقة اعتذار وتصالح وعهد كما أسسها الأزهر, مقرونة بممارسات فعلية تصوب المسار المعوج وتنسحب علي ولاة الأمور المسئولين عن إدارة المرحلة الانتقالية. أليس ذلك أجدي من الرسائل الإلكترونية البلهاء التي تمطرني كل يوم بوابل من الأكاذيب العبيطة لإقناعي أن شباب الثورة هم الطرف الثالث هم المخربون, وهم صدق أولا تصدق القناصة!! نحتاج الي لحظة صدق,يفيق فيها الغافلون, ويصمت الكاذبون,وتتبلور الإرادة السياسية في الحفاظ الحقيقي علي الكرامة الإنسانية. جمعيتنا العلمية صوبت إشارة25 يناير في التقويم لتصبح عيد الثورة والشرطةولكن هل تكفي إشارات التقويم؟ جامعة الإسكندرية