بعد أن التقي عدد من أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة برؤساء مجالس إدارات الصحف ورؤساء التحرير, حان وقت الالتقاء بمجموعة من المثقفين والمفكرين والكتاب والصحفيين. وتحددت الساعة الثانية عشرة ظهر يوم الأحد20 فبراير موعدا للقاء بمبني إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة. وفي الموعد المحدد, بدأ اللقاء الأول بين أهل الفكر والكلمة وأهل القرار الذين يتحملون المسئولية كاملة عن مصر اعتبارا من يوم11 فبراير بعد تنحي الرئيس السابق مبارك. ومن خلال اللقاء سعي أهل القرار يمثلهم ثلاثة أولهم اللواء دكتور مهندس محمد سعيد العصار من أوائل العلماء خريجي الكلية الفنية العسكرية, واللواء دكتور مختار الملا, وبجانب كفاءة الرجل وخبراته وتاريخه في ميادين القتال يعد من المثقفين وأصحاب وجهات النظر, واللواء إسماعيل عثمان مدير الشئون المعنوية, لتوضيح الحقائق وإضاءة أسلوبهم في التفكير والعمل ومنهجهم في العبور بمصر خلال المرحلة الانتقالية إلي دولة مدنية علي رأسها رئيس منتخب وسلطة تشريعية, انتخب الشعب أعضاءها بحرية وشفافية ونزاهة بعد تعديل مناسب للدستور.كما سعوا للكشف عن أولوياتهم وحرصهم علي الأمن والاستقرار ومطاردة الفساد والمفسدين, وفي نفس الوقت كانوا يريدون الاستماع لأهل الفكر والكلمة ووجهات نظرهم فيما جري ويجري من أحداث في مرحلة تغيير جذري في تاريخ مصر تموج بصراعات وطموحات وأهداف متباينة. أما المفكرون ونخبة ممن احترفوا في بلاط صاحبة الجلالة, فكانوا يريدون التعرف علي أصحاب القرار من أعضاء المجلس الأعلي وفي ذاكرتهم تاريخ طويل من وجود القوات المسلحة علي قمة السلطة بدأ عام1952 ومازال مستمرا حتي الآن, ويحاولون من خلال الحوار معرفة هل نحن أمام تحول حقيقي إلي دولة مدنية؟ أم أن الأمر سينتهي للانتقال إلي مجموعة جديدة من العسكريين؟ وفي بداية الاجتماع تحدث القادة الثلاثة باختصار وتركيز ونبرة هادئة مقنعة, ولاحظ الحاضرون أن الابتسامة لم تغب أبدا عن وجه اللواء محمد العصار. وجاء الاطمئنان مبكرا, فقد أكدوا جميعا إدراكهم لجسامة المسئولية, ولكنهم وبالرغم من الوتيرة المتسارعة للأحداث حريصون علي تسليم أمانة المسئولية لرئيس جمهورية وحكومة وبرلمان في الوقت المحدد الذي التزم به المجلس الأعلي للقوات المسلحة. وبلهجة حادة هاجم أول المتحدثين من أهل الكلمة ما يجري من تعذيب للمعتقلين, وكان معه قائمة معدة تتضمن أسماء المعتقلين, وارتبط بهذه القضية وجود أعداد كبيرة وراء الأسوار سواء من المتظاهرين أو أصحاب الرأي. وشارك كثيرون في الحوار رافضين لأي تعذيب لأي مواطن أيا كانت الأسباب, وأجمع الحضور علي أن مصر عانت ما يكفي من انتهاك كرامة المواطن وآدميته. وأكد القادة الثلاثة أن القوات المسلحة لا تلجأ إطلاقا للتعذيب, وتستنكر أي انتهاك لكرامة المواطن, ثم أوضحوا أنهم تسلموا المسئولية منذ تسعة أيام فقط, ومنذ ذلك اليوم لم يعتقلوا أحدا ولا يوجد تحت أيديهم معتقل واحد, أما ما جري من اعتقالات قبل ذلك فيتحمل مسئوليته رجال الشرطة, ووعدوا بالإفراج عن المعتقلين الذين لم تصدر ضدهم أحكام ومن لا يشكلون خطورة علي المجتمع. واستحوذت قضية مدنية الدولة علي اهتمام كثرة من المتحدثين, وأتت البداية في كلمة الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الذي أوضح أن الثورة لم تنه حكم مبارك فقط, بل أنهت كل مرحلة23 يوليو1952, والتي شهدت حكم ثلاثة رؤساء هم عبدالناصر والسادات ومبارك, وبالضرورة فإن التغيير لن يتم إلا إذا تحولت مصر إلي دولة مدنية تفصل بين الدين والدولة تماما.وأيدت أغلبية هائلة من أهل الفكر والكلمة هذا التوجه, وكان منطقيا أن يجمع الحضور علي هذا الاقتناع رغم أنهم يمثلون كل ألوان الطيف السياسي.وطرح أحد الزملاء تساؤلا حول تأثير انتشار القوات المسلحة في شوارع المدن الرئيسية علي قدرات مصر العسكرية وقدرتها علي تأمين حدودها, وبحسم وسرعة أكد القادة أن القوات الموجودة بالشارع من الاحتياطي الذي لا يؤثر بأي شكل علي خطط تأمين مصر, وأكدوا أنهم لم يستعينوا بقوات من القوات المنتشرة وفق خطط القوات المسلحة في كل المحاور والاتجاهات. وسري الاطمئنان وإن كانت الأغلبية علي يقين بأن القوات المسلحة تتحمل مسئولياتها باقتدار. أما كلمتنا فتضمنت أربع نقاط, في الأولي قلنا إن الثوار الشبان من أبناء الميسورين وبالتالي فإن ثورتهم من أجل مصر أفضل مما انتهت إليه عقب ما يقرب من60 عاما من الحكم الفردي, ومن أجل كرامة المواطن التي تم إهدارها طويلا. فالثوار لم يثوروا من أجل شقة أو فرصة عمل, بل من أجل مصر والمصريين, وقد دفعوا من دمائهم بسخاء من أجل أهدافهم النبيلة, وأن الجميع يجب أن يتعاملوا مع الثورة والثوار وفقا لهذا المنطق وهذه الرؤية.ثم تساءلنا, ولماذا العجلة؟ إن الأمر يقتضي تغيير الدستور لا مجرد تعديله, فدستور عام1971 فقد صلاحيته منذ عقود. وأن أي ترقيع لن يفيد, ثم لماذا تعديل بعض المواد الآن, ثم تأتي سلطة جديدة لتتحمل مسئولية إعداد دستور جديد؟ وطالما بدأنا المشوار فليجر تغيير الدستور ووضع مصر علي بداية عصر جديد, وأوضحنا أن أمام الجميع دستور عام1923 ودستور عام1954, وهما دستوران يمكن إجراء التعديلات المناسبة بأي منهما أو بهما ليصبح لدينا دستور جديد وخلال وقت قصير نسبيا وصالح للنظام الجديد, وأكدنا أن الدستور يجب أن ينص علي مدنية الدولة, ثم أوضحنا أن فترة الأشهر الستة ليست كافية لإجراء الانتخابات, ولو تمت هذه الانتخابات وفي ظل غياب الحزب الوطني, فإن القوة المنظمة الوحيدة والتي تملك وفرة في الموارد المالية هي الإخوان المسلمين, وبالتالي فإن فوزهم بنسبة كبيرة من المقاعد وارد جدا.وتساءلت هل نعمل من أجل أن تصبح مصر دولة دينية؟ ألا نستفيد من تجارب من سبقنا مثل النظم الموجودة في إيران وباكستان والسودان وحماس؟ وهل نريد لمصر أن تصبح مثل هذه الدول؟ إننا يجب أن نعمل جميعا من أجل ألا تتحول مصر إلي دولة فاشلة ومنهارة مثل هذه النماذج. وأوضحت أن تأجيل الانتخابات وإعداد دستور جديد يفسح المجال أمام قوي الثورة لتشكيل حزب أو أكثر ثم بعد أن يشتد ساعدها يمكن إجراء الانتخابات. وسألت عما إذا كانت هناك تحقيقات قد تمت لكشف حقائق عمليات الهجوم المنظم والمنسق والمخطط جيدا علي أقسام الشرطة والسجون والمحاكم علي اتساع مصر وفي وقت واحد؟لقد قامت مجموعة منظمة ومدربة جيدا بالهجوم علي أكثر من120 هدفا منها أكثر من90 قسم شرطة وتسعة سجون وعدد من المحاكم واشعال النيران هنا وهناك وخلال هذا الهجوم تم إطلاق سراح سجناء حزب الله وحماس والإخوان المسلمين, وبعد ساعات وصلت مجموعة حماس إلي غزة بعدها وصلت مجموعة من حزب الله وعلي رأسها سامي شهاب إلي لبنان, وجري استقبالهم استقبالا حافلا نكاية في مصر وسلطاتها.بعدها أشرت إلي السيارات التي كانت تطلق النيران بوفرة وغزارة دون إصابات في مناطق كثيرة في القاهرة ومدن أخري. وأكد القادة أن هناك تحقيقات لكشف حقيقة ما جري. ثم أشرت إلي أن البيان العسكري لا يكفي لمخاطبة الرأي العام, وأنهم إذا كانوا يريدون الوصول إلي الرأي العام, فلابد من الاستعانة بالمحترفين, فالبيان كالعظام التي تحتاج إلي من يكسوها لحما ويبعث في كيانها الدماء, فالمسئوليات ضخمة, والرأي العام يتساءل, وقوي الثورة تضغط, والمطالب تتصاعد, وفي ظل هذه الظروف تصبح الكلمة هي الجسر الذي يربط بين صانع القرار والناس. المزيد من مقالات عبده مباشر