كل عام وربنا يحميك يا أمي وأم الدنيا, كل عام وربنا يحميك ويحمينا من الذين لايفهمون. كل عام وأنتم بخير, فلقد انقضت صفحة من عمر الناس, صفحة ليست ككل الصفحات, فعام2011 م عام مختلف, انتفضت فيه الشعوب, وانطلقت فيه الحناجر, فما عاد الشاعر العربي محروما من الغناء. الشاعر العربي محروم دم الصحراء يغلي في نشيده وقوافل النوق العطاش أبدا تسافر في حدوده والحلوة السمراء في صدف البحار! الشاعر العربي محروم تعود ان يموت بسيف صمته ألقي علي عينيه كل السر قال:غدا ستفهمها عيوني وأنا تركت لك الكلام علي عيوني لكن,أظنك مافهمت! تأملت قصيدة محمود درويش, وتعجبت للذين لم يفهموا إرهاصات الزلزال الذي رج أركان المنطقة العربية,فجاء هذا العام, الذي ثارت فيه شعوب تعرضت للقهر والظلم, وتقوضت أنظمة قامت علي التسلط والبطش. تري كيف سيسجل التاريخ محركات ذلك الزلزال وتوابعه,هل حركة الظلم المتمثل في تأشيرة معالي الوزير سليل الباشوات غير لائق اجتماعيا التي أغرقت عبد الحميد شتا في النيل في وسط القاهرة, كما أغرق القهر واليأس المئات من الشباب في جوف البحر بينما هم يهربون من العيش الذليل في أم الدنيا؟ هل أشعلته المهانة المتجسدة في صفعة الشرطية علي الوجه, تلك التي أضرمت النار في جسد الشاب الجامعي طارق الطيب محمد البوعزيزي في قلب تونس؟ هل فجرته القسوة المتأصلة في حملات أمنية مسعورة وسكين يذبح العنق من الوريد الي الوريد ليقتلع حنجرة إبراهيم قاشوش في حماه ليسكت غناء منشد الثورة السورية وتطفو جثته في نهر العاصي؟ ألم يكن افتقاد الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية كافيا ليدركوا أننا أمة في خطر علي شفا زلزال مدمر وبركان منفجر؟ سيشهد التاريخ أن هناك من فهم متأخرا, وهناك من لم يفهم علي الإطلاق. هناك من قال افتهمتكوا بعد أن فات زمن الافتهام, وهناك من قال من أنتم أيها الجرذان؟ إنه عام غريب ملئ بالتناقضات, فهو عام التباين والتوافق في آن, التباين والتصادم بين الماضي والحاضر, يوم هاجمت جحافل الجمال والبغال شباب الكمبيوتر والإنترنت فحفرت في ذاكرة التاريخ واقعة مشهودة كما حفرت قبور الحكام وإن ظلوا يتنفسون بعدها الشر والغباء. ولكنه عام التوافق أيضا, فلقد التحم الناس في ذات الواقعة, الكبير والصغير, الغني والفقير, الجامعي والأمي, المسلم والمسيحي, الرجل والمرأة, اجتمعوا في توافق مدهش علي نداء الحرية ويثور السؤال كيف نستعيد روح التوافق والاتفاق؟ إنه عام التضحية والفداء, فلقد خرج الشباب الأعزل يقابل الرصاص والكهرباء بصدور عارية, فاستشهد الشيخ المفتي إلي جانب المسيحي الثائر والطبيب المعالج. وهو عام الإصرار أيضا حين فقد الطبيب الشاب عينا في يناير, والثانية في نوفمبر, ولايزال أحمد حرارة يناصر رغم ما أحاطه من ظلام الثورة المنقوصة,ويثور السؤال كيف نستمسك بروح الفداء والانتماء ونكرم البو اسل والشهداء؟ إنه عام القلق والمؤامرات, يوم اجتمعت فلول الأنظمة الساقطة والفاسدين من رجال الأعمال الذين نهبوا أموال الأوطان, وتضافروا مع بقايا أجهزة القمع والترويع والتضليل, في سيناريو متكرر في المنطقة, واستجمعوا قدرتهم علي التآمر لتشويه الثورة العربية, فعملوا علي ترويج نظرية المؤامرة الأجنبية, والتمويل القادم من خارج المنطقة, وهم يعرفون انهم المتآمرون الممولون لإجهاض الثورة, يختلقون الفتن الطائفية ويؤججون المشاكل الفئوية, ويطلقون علي المدنيين العزل ميليشياتهم من البلطجية والشبيحة والمسجلين خطر, كما يطلقون أجهزتهم الإعلامية المزودة بالشائعات, وقناصيهم من القتلة وصيادي العيون في ممارسة تجعلهم أقرب إلي رجال المافيا منهم إلي رجال الدولة فهل تحسبنا لمؤامراتهم وعملنا علي إجهاضها؟ إنه عام البلبلة يوم خرج الناس إلي الميادين ثوارا مدافعين عن الوطن وخرج عليهم من يضربونهم ويهتفون أيضا للوطن ويكسرون عظامهم ويفقأون عيونهم ويهتكون عرضهم من أجل الوطن وبلغت الفتنة منتهاها يوم انقسم الناس بين الميادين في وسط صنعاء وكذلك في وسط القاهرة فهل انتبهنا الي مخططات الفرقة والتشتيت إنه عام الانتقام, حين تأججت شهوة الثأر وتخليص الحسابات من كل من انتمي إلي النظام السابق في تعميم مجحف, فليس كل من عمل في إطار النظام السابق فاسدا, ولا كل من اختلف مع النظام السابق صالحا ولكن هل استرجعنا قيمة العدل وفضيلة المحاسبة الموضوعية وروح الرحمة والمسامحة؟ ولكنه عام لا يخلو من انتصارات, الانتصار لقيمة الديمقراطية, وتقويم ممارستها إن طالتها شوائب, وترشيدها إن اظهر البعض قدرا من الاستعلاء والانتهازية, والقبول بنتائجها وإن اختلف الرأي حول الأشخاص, فهل نحفظ تلك القيمة ونرعاها ونحميها؟ نحتاج ان يكون العام الجديد عاما مختلفا, فليكن2012 م عام الإرادة, وعام البناء, نمسك عن الغضب, ونراجع أطلالنا المحترقة وبيوتنا المتهدمة, ونعيد بناء الإنسان والمجتمع والوطن. لقد انتهي زمن الكبت, سيكون العام الجديد عام البوح لا الإنكار, فما عاد الشاعر العربي محروما, وما عادت قصائده حبيسة الصدور, فلقد تحول الزمن الذي كانت تنقش فيه الكلمات علي الأحجار إلي زمن تكتب وتنقل فيه الكلمات علي الهواء, ففضحت مدونات الشباب, وصور الشبكات الالكترونية بيانات الحكام وأكاذيب الكهول. وإذا صمم الذين لا يفهمون علي إنكار أن ما حدث في مطلع العام ثورة غير مسبوقة في التاريخ, لابد وأن تكتمل مهما خطط المتآمرون واستغبي الذين لا يفهمون, فلن نملك إلا ترديد قول الشاعر: وليس يصح في الإفهام شئ إذا احتاج النهار إلي دليل جامعة الإسكندرية