لم يتخيل المؤرخ الاغريقي هيرودوت أن بحيرة قارون الجميلة, ستتعرض لهذا المصير الحالي علي مرأي من المسئولين بشرطة المسطحات المائية ووزارة البيئة ومحافظة الفيوم, وكان يفترض أن تتعاون بدلا من تراجع البحيرة علي خريطة السياحة,وعلي مستوي ماكانت تمثله من رزق للصيادين الذين يترحمون علي أيام زمان حيث كان السمك وفيرا, والآن انقرضت أنواع منه نتيجة ثلوث مياه البحيرة بالصرف الصحي والصناعي...والسياحي. تبعد بحيرة قارون عن الفيوم بنحو30 كيلو مترا, وتعد ثالث أكبر بحيرة في مصر ويتراوح عمقها بين خمسة أمتار واثني عشر مترا, وتتميز باعتدال مناخها طوال العام,ولكن الميزات التي تتمتع بها البحيرة تراجعت, وبدل أن تكون جاذبة للسياحة الداخلية, هجرها الصيادون, وبحثوا عن مهن أخري, فلم تعد مهنة الصيد مجدية في ظل الصيد الجائر, وتحول البحيرة كمايقولون الي مستنقع يستقبل مياه الصرفي الصحي وغيره من الملوثات التي قضت علي أنواع من الأسماك كانت مشهورة بها. يقول خميس حسين(صياد) إن الصيد الجائر باستخدام شباك ضيقة يقضي علي الزريعة, وهو نوع من الإعدام للثروة السمكية, وكانت البحيرة تنتج في الثمانينيات30 طن بوري يوميا كما يقول عبد الله عبد الجواد صياد ولايتعدي إنتاجها اليومي حاليا200 كيلو جرام. تواطؤ! ويقول شريف عياد( صياد) ان شرطة المسطحات المائية لاتتخذ إجراء ضد الصيد الجائر, بل تسمح به من خلال اتاوات تفرض علي الصيادين المخالفين, بدليل السماح لهؤلاء الصيادين بالصيد في موسم منع الصيد وكان عليهم تحرير محاضر بالمخالفات بدلا من مساعدتهم علي الاستمرار في الصيد بالمخالفة للقانون ويقارن شعبان( صياد)بين الزريعة التي توضع في البحيرة والانتاج الخارج منها قائلا إن هيئة الثروة السمكية تضع عشرة آلاف من الزريعة كل شهر, ولكن الانتاج أقل من ألف سمكة وهذا يؤكد سرقة في الزريعة وفي أسعارها ومايعلن عن وضعه في البحيرة رقم غير صحيح يزيد كثيرا عن الحقيقة والفرق بين الرقمين كما يوضح يوسف هارون مدير جمعية الصيادين تبيعه هيئة الثروة السمكية في السوق السوداء فحصة البحيرة100 ألف زريعة, ويوضع فيها بالفعل20 ألف فقط ويتم سرقة الباقي وبيعه في السوق السوداء حقوق بدون واجبات ويقول رمضان حسن( صياد) إن الجمعية العمومية لصيد الأسماك تحصل علي ربع العائد الشهري لكل مركب صيد مسجل لديها, وفي المقابل لاتقدم أي خدمات للصيادين, وكان من المفترض أن يستفيد الصيادون من عائد هذه الاستقطاعات, ولكن أعضاء الجمعية يتاجرون بالصيادين المسجلين لديهم ويحصلون علي أراض باسمهم ثم يبيعونها بأسعار مرتفعة, ولايعطون الصيادين شيئا كما تسمح الجمعية بالصيد لمراكب مخالفة ليس لها تصريح مقابل الحصول علي أموال. وينبه خميس حسن( صياد) الي خطورة زيادة نسبة ملوحة البحيرة,وتأثير ذلك علي إنتاجها من الأسماك, ورغم إنشاء مصنع بجوار البحيرة لتصفية الماء من الأملاح, فمازالت نسبة الملوحة مرتفعة, حيث تستقبل450 مليون متر مكعب سنويا من مياه الصرف الزراعي ومياه بحر يوسف, وهو رقم كبير في ظل انحسار مساحة البحيرة فقد أدت الرياح الرملية الجنوبية الي ردم جزء من البحيرة, وارتفاع قاعها في بعض المساحات بنسبة50 سنتيمترا, وترتب علي ذلك انخفاض السعة التخزينية للبحيرة الي900 ألف متر مكعب سنويا ومع تدفق مياه الصرف الخاصة بالفنادق والقري فقد انقرضت بعض الأسماك. وتقول رشيدة عبد الهادي( مالكة أحد مراكب الصيد) إن أولادها زهدوا في مهنة الصيد نظرا لقلة إنتاج البحيرة, وكل عام يتم تجديد شبكة الصيد بعد دفع سبعة آلاف جنيه للحصول علي ترخيص قانوني بالصيد في حين تبلغ غرامة شبكة الصيد المخالفة500 جنيه فقط, وفي هذا نوع من التشجيع علي المخالفات. ولاتتوقف مشكلات البحيرة علي الصيد الجائر, وانقراض بعض أنواع من الأسماك, وإنما تمتد الي الأرض الزراعية فيحذر محمود علي فلاح من تدمير المحاصيل الزراعية القريبة من البحيرة وتهديد المنازل والمنشآت السياحية. اقتراحات للعلاج ولايكتفي الصيادون بالشكوي, لكن لديهم طرقا لعلاج ما آلت اليه البحيرة ويقترحون معالجة مياه الصرف الصحي,وتنمية الثروة السمكية عن طريق الحضانات لوضع الزريعة بها وتكون قريبة من مصبات مياه الصرف الزراعي وهي أقل ملوحة من مياه البحيرة, علي أن يتم ذلك تحت رقابة مشددة تضمن تنفيذ الخطوة السابقة أو عمل مداخل ألسنة لمسافة30 مترا داخل البحيرة حتي تلقي الزريعة داخل المياه العميقة في وجود متخصصين في عمليات التفريخ السمكي.ويطالب الصيادون بوضع برامج للسياحة البيئية ووضع برامج لرفع الوعي والتثقيف البيئي للسكان والارتقاء بمستوي الخدمات والتخطيط العمراني للقري الواقعة علي الساحل الجنوبي للبحيرة. لاتستر علي مخالفين ولكن مصطفي محمود رئيس جمعية صيادي البحيرة ينفي قيام الجمعية بالتستر علي الصيادين المخالفين منبها إلي أن القانون لايعطي الجمعية حق ضبط المخالفين لأن أعضاء الجمعية لايملكون سلطة الضبطية القضائية, كما يقوم بعض الصيادين بتهريب الأسماك وبيعها بغير معرفة الجمعية طمعا في مكاسب مادية أكثر حتي يتهربوا من دفع نسبة10% من قيمة الإنتاج المبيع كما جرت العادة بالاتفاق مع الجمعية. ويرجع تدهور الإنتاج في البحيرة الي الصيد الجائر في أوقات اغلاق البحيرة, حيث لايستجيب بعض الصيادين لبرامج وطرق التوعية الخاصة بتركه الزريعة ضمانا لتكاثر الأسماك وزيادة الإنتاج السمكي, كما يوجد في البحيرة605 مراكب تمارس الصيد بشكل شرعي, ولكن هناك مثل هذا العدد من المراكب تمارس الصيد بدون ترخيص, وهم يدمرون مستقبل الصيد في البحيرة حيث يتم بيع السمك الصغير الزريعة كغذاء للطيور, وتعجز شرطة المسطحات المائية عن مواجهة المخالفين وضبطهم. ولكن استنكر اتهامات بعض الصيادين بأن الجمعية تفرض إتاوات علي الصيادين أو تتستر علي المخالفين الذين لاتملك الجمعية عليهم سلطة, لان الكلمة الأخيرة في مثل هذه الحالة لمباحث المسطحات المائية. من العذوبة الي الملوحة ويوضح الجيولوجي د. الزيني معبد ان البحيرة كانت عذبة عندما كان منسوب مياهها فوق مستوي البحر ب14 مترا, وظل هذا حتي عصر الأسرة السادسة( نحو2345 2181 قبل الميلاد) وبدأت الملوحة تتسرب اليها الي أن بلغت ماهي عليه الأن حيث ينخفض مستوي مياه البحيرة دون مستوي سطح البخر بحوالي45 مترا لاسباب منها زيادة البحر عن معدل سقوط الأمطار, وفترات الجفاف بسبب انقطاع الاتصال بين البحيرة و وديان الصحراء الشرقية التي كانت تأتي منها المياه العذبة