لم يفطن هيرودوت حين جاء الي مصر إلي أنها هبة المصريين ولكن لو عاد اليوم لتأكد له أن مصر لم تعد كذلك ولعله يتهمنا بأننا لم نعد نحب مصر سيقف هيرودوت طويلا أمام ماتتمتع به مصر من سواحل وشواطيء, سيكون بالطبع مزودا بآلات تصوير جوي حديثة لم تكن متاحة لحضارة الأغريق الذين فتنتهم مصر, سيجد أن بحرين يحدانها من الشرق والشمال, وأن البحيرات المصرية لو افترضنا أن شواطئها قيست, وامتدت علي طولها لتمكنت من أن تكون حدا يحيط بمصر من الغرب والجنوب أيضا لتصير بلادنا جزيرة أو جنة... لكن مصر ليست كذلك, أو لم تعد جنة, بعد تعرض البحيرات لسلسة من الاعتداءات, بداية من العمليات الصغيرة لصغار يسعون في مناكبها طالبا لرزق يوم بيوم,وانتهاء بكبار جدا ينهبونها بشكل منهجي باستغلال ثغرات القانون أو بالتحايل عليه..البحيرات تتعرض للتصحر, ونقص مساحتها, وردمها بفعل فاعل, أو بالرياح الرملية التي تريح الذين في قلوبهم مرض..في هذه الحلقات نستعرض آلام البحيرات. المشهد العام يؤكد أن بحيرة البرلس تضيق, لكن ما لا يراه المسئولون أن صدور الأهالي تضيق أيضا.. كانت البحيرة تقدم35% من إنتاج الأسماك في مصر, لكن أحدا لايعرف الرقم الصحيح الذي تمثله الآن من الإنتاج بعد تقلص مساحتها لأقل من النصف.. زحفت التعديات علي بحيرة البرلس من أكثر من اتجاه, فيما يشبه الهجوم الذي يستهدفها, ولم يكن في يد الأهالي إلا الإستغاثة والشكوي, حتي ضاقت صدورهم, وهم يرون مسئولين لا يبالون, وتوصيات بتطهير البحيرة وتطويرها تظل مجرد كلام لا يترجم علي أرض الواقع أو مياهه! مشكلات البحيرة مزمنة, عاصرها أكثر من مسئول بداية من المحافظ وانتهاء بمسئولين لا يتأثرون بأي تغيير في حركة المحافظين. السطو المنظم يقول الحاج عبد ربه الجزائري شيخ الصيادين إن البحيرة في السبعينيات كانت مساحتها200 فدان ولكن الإهمال جعلها تصل إلي130 فدانا وتناقصت تدريجيا حتي بلغت الآن80 فدانا حيث توجد مافيا لبيع وإيجار الأراضي من خلال هيئة الثروة السمكية.. البحيرة في حكم الضائعة, فأمام بصر المسئولين قام بعض الأهالي بتجفيف أجزاء من البحيرة وتحويلها لأرض زراعية. ويؤكد أن هيئة الثروة السمكية هي المسئول عن هذه الكارثة إذا تحول جزء كبير من البحيرة إلي مزارع سمكية, كما تساعد الهيئة أصحاب النفوذ كما يقول علي استخدام سدود مخالفة لاصطياد الزريعة, وهي الأسماك الصغيرة, بالمخالفة لقرار صادر عن رئاسة مجلس الوزراء منذ سنوات بإعلانها محمية طبيعية. مسلسل تعديات ويضيف أن محافظ كفر الشيخ الأسبق صبري القاضي حاول التصدي لهؤلاء الحيتان, بنزع الملكية منهم, وإيقاف التعديات التي أدت إلي تجفيف مساحات شاسعة من البحيرة والآن لايوجد إشراف حتي اصبحت البحيرة يتيمة! ويحذر من انقراض أنواع من أسماك البحيرة, كما انقرضت منها أسماك البوري, والقاروص, والدنيس, واللوت, والحنشان, والتوبار, والموسي, والكابوريا, والجمبري, وفي السابق كانت الزريعة والأسماك الصغيرة تأتي إلي البحيرة من البحر المتوسط, ولكن التعديات أدت إلي التعدي علي الساحل الشمالي, ففي عام2000 تم عمل مزارع سمكية, ومع الوقت تزايدت بشكل تدريجي حتي ضمر الشاطيء المخصص لاستقبال الزريعة. ويقول شيخ الصيادين إن مياه الصرف أسهمت في تلوث البحيرة, وتراجع إنتاجها من الأسماك, حيث تصب في البحيرة أنواع مختلفة من الصرف الصحي الزراعي والصناعي, فهناك مصرف كتشنر الذي يسمونه المصرف اللعين الذي يصرف15% من مياهه في البحيرة, وتحتوي مياهه علي كثير من السموم القاتلة إضافة إلي مصارف منهامصرف7 و11 ومصرف التشوين الذي يستقبل مخلفات مصنع سكر البنجر, وعلي الرغم من وجود محطة صرف صناعي للمصنع فإنها لا تستوعب الكميات الضخمة من المياه. تشريد الصيادين ويقول الحاج جمعة اليماني إن إهمال المسئولين البحيرة أدي إلي تشريد30 ألف صياد, ورغم ذلك مازالت ظاهرة الصيد الجائر مستمرة, فليس كل الصيادين الأن لديهم ترخيص, وهذا يؤدي لاستمرار فوضي ومخالفات منها وجود40 لنشا وتصل المحركات إلي250 حصانا, علي الرغم من أن قانون الصيد يحظر وجود هذه اللنشات. ويتساءل: أين القانون؟ ولماذا لا نجد مسئولا يحمي البحيرة, ويغار عليها؟ كان المحافظ السابق يحاول منع هذه المخالفات والحد منها, ولكن المخالفات استمرت.. وأدي ذلك إلي هجرة100 نوع من الطيور, كانت تأتي إلي المنطقة من أوروبا, وأمريكا الجنوبية مثل الكبش, والغر, والبلاشون, والنورس. تراكم الطين ويلفت صبري القن( وهو نشط في مجال الدفاع عن بحيرة البرلس) الانتباه إلي مشكلات أخري في البحيرة وهي تراكم الطين وانخفاض منسوب المياه وانتشار البوص الذي يمثل35% من مساحة البحيرة بسبب وجود المزارع المخالفة. ويضيف أن المزارع يجب أن تكون خارج حرم البحيرة بنحو200 متر بدلا من بنائها داخل البحيرة, والكارثة أن مستأجري هذه المزارع من هيئة الثروة السمكية, وهم يقومون بتأجير هذه المزارع مرة أخري إلي أخرين بأسعار مرتفعة. وكادت التجاوزات تصل إلي مدينة بلطيم حيث تم الاستيلاء علي عشرات الأفدنة في الساحل الجنوبي, علي الرغم من أن المادة13 من القانون124 لسنة1983 يعطي هيئة الثروة السمكية الحق في فسخ العقد المبرم بينها وبين المستأجرين في حالة وقوع ضرر علي البحيرة التي لم تعد أسماكها صالحة للاستهلاك الآدمي بسبب التلوث بعد أن كانت شرطةالسواحل في السبعينيات تبذل جهودا مكثفة لمنع التعديات. ويقول إن إعلان رئاسة مجلس الوزراء البحيرة محمية طبيعية, بالقرار رقم444, فإن البحيرة الآن غير محمية علي الإطلاق, ومازالت مراكز بحوث البيئة ووزارة البيئة مجرد مبان إدارية لا تقدم خدمات للصيادين ولا تحمي البحيرة من الخراب أما المساحة التي تمتلكها هيئة الثروة السمكية وهي200 متر فيساء استخدامها. من أجل التنمية ولكن الدكتور محمد فتحي عثمان رئيس هيئة الثروة السمكية يري أن الهيئة تؤجر مساحات صدر بها قرار وزاري يحدد المساحة المسموح بتأجيرها, بهدف استغلال العائد لصالح تنمية الثروة السمكية, حيث تعمل الهيئة كما يقول علي تطوير قطاع الصيد الحر والاستزراع السمكي لإعادة أنواع من الأسماك, المنقرضة من البحيرة. ولكن لم يتطرق الي الآليات أو الوسائل التي تعيد هذه الأنواع المنقرضة الي البحيرة ولم ينكر ماتتعرض له البحيرة من تعديات شملت مساحة من البحيرة أقيمت عليها طرق ومدارس, مضيفا أن لدي الهيئة خطة لتطوير البحيرة بحصر التعديات عن طريق التصوير الجوي بالتعاون مع الهيئة القومية للاستشعار عن بعد, تمهيدا لإصدار أول خريطة محددة بإحداثيات البحيرة. ويقول إن البوص يغطي مساحة34% من مساحة البحيرة, وقد تم منح المحافظة50 مليون جنيه لتطهيرها من خلال شركة المقاولون العرب التي بدأت عمليات التطهير بالفعل أما مشكلة الصرف الصحي والمصارف التي تصب في البحيرة فليست الهيئة مسئولة عن المصارف.. هذه مسئولية وزارة الإسكان بالتنسيق مع وزارة البيئة وسوف تعد الهيئة تقريرا كاملا عما تتعرض له البحيرة من تلوث تمهيدا لمخاطبة الجهات المسئولة. كله تمام ويقول علي أبو سديرة رئيس الادارة المركزية للفروع بوزارة البيئة إن الوزارة رصدت مياه البحيرة وأخذت بعض القياسات في الحقل والبعض الأخر بمعمل المحمية من خلال11 محطة واتضح من متوسط نتائج التحليل خلال هذه الفترة أن المياه صالحة لحياة الأسماك والأحياء المائية كما أظهر التحليل تحصن حالة مياه البحيرة نتيجة تشغيل محطتي معالجة الصرف الصحي بكل من مدينة بلطيم وقرية برج البرلس,ولم تعد سيارات الكسح تلقي مخلفات الصرف الصحي غير المعالج في البحيرة مباشرة. وأضاف أنه تم التنسيق بين ادارة محمية البرلس وكل من محافظة كفر الشيخ والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية وجهات أخري لمنع صيد الزريعة من بوغاز البرلس لاعطاء الفرصة لدخول الأسماك البحرية ذات القيمة الاقتصادية العالية الي البحيرة بالاضافة الي توفير البيئة المناسبة للعائلة البورية للتكاثر ووضع البيض بمنطقة التقاء البحر بالبحيرة. وقد رفض الدكتور سعد نصار مستشار وزير الزراعة التعليق قائلا إن مشكلات البحيرة ومشكلات جميع البحيرات في مصر يسأل عنها رئيس هيئة الثروة السمكية.