في أصعب فترات الحرب, وفي أمر الأوقات التي لا تخطر علي بال أحد, لم تتوقف طلعات الصاعقة الهجومية الفدائية في ظهر قوات العدو, حيث صنع هؤلاء بأجسادهم سدا بشريا أمام احتياطي تعبوي إسرائيلي مدرع. وحولوا دباباتهم الي حطام. انعكست آثار حرب أكتوبر المجيدة علي الإنسان المصري, تلك الآثار ذات الابعاد الحضارية والنفسية التي تبقي تحت سطح الوعي في معظم الاحيان, وأحيانا تطفو فوقه, هكذا كان الانسان المصري المتمثل في المقاتل هو البطل نظرا لقدراته الفائقة وعطائه اللامحدود فتغيرت بسببه صورة الفرد المصري أمام العالم بأجمعه حيث كان لكل مقاتل مصري بطولة فردية هؤلاء هم رجال من وحدات الصاعقة. يقول اللواء أحمد أسامة ابراهيم أحد أبطال الصاعقة في حرب أكتوبر ان الصاعقة قامت بأعمال مجيدة ولقنت العدو دروسا في التضحية والفداء للدفاع عن تراب الوطن أبرزت معدن الجندي المصري النفيس وقدرته علي تحمل الشدائد وقت المحن حيث قام الجندي بأعمال عظيمة في تلك الحرب فعلي سبيل المثال وفي نطاق الجيش الثاني كان فيصل عبد الفتاح هو قائد الكتيبة التي أخفت عنه القيادة أن مسرح عملياته سيكون هو القطاع الأوسط, ويقدر عدد القوات التي سيواجهها بحجم لواء مدرع, والمقارنة هنا تبدو صعبة للمواجهة بين مجموعة من الرجال ولواء مدرع بل تبدو مستحيلة علي الأرجح بين من يحملون أسلحة خفيفة وبين لواء مدرع مكتظ بالدبابات والعربات المدرعة والمدفعية وقوات كوماندوز مرافقة له, أضيف لذلك عمق المكان الذي سيتم فيه الاشتباك وإفتقاد الدورية لأي معاونة قريبة, فكان الرجال يعلمون حجم صعوبة الموقف كذلك أهمية الدور الحاسم الذي سيقومون به من أجل تعطيل قوات العدو ومنعه من الاشتراك في المعركة الدائرة في الضفة الشرقية من قناة السويس, حتي تنتهي قوات المشاة من تدمير خط بارليف وإقامة خطوط صد دفاعية إستعدادا لتطورات الموقف, ورغم كل ماسبق فان فيصل كانت روح المرح لا تفارق سلوكياته بين جنوده ويبث فيهم الثقة بالنفس فبدأوا التحرك فوق رمال سيناء متجهين نحو المواقع المحددة لهم تحت الظلام يهتدون بالنجوم والقائد في المقدمة.وفي المكان المحدد إنتهي الرجال من إعداد الحفر الدائرية, ورقدوا بداخلها في انتظار العدو. وفي لحظة معينة من صباح اليوم التالي ظهرت الدبابات, مرت أمام المجموعة اليمني ولم تطلق عليها المجموعة النار, فواصلت الدبابات تقدمها باتجاه المجموعة اليسري, يتناول فيصل مسدس الاشارة يرفع يده لأعلي ويضغط علي الزناد, تنطلق احدي طلقات الاشارة البيضاء لتضيء الدبابات الضخمة الهادرة أمام الرجال, ولتبدأ المعركة.. علي المحور الأوسط, اشتعلت خمس دبابات.. إن انفجار دبابة منظر رهيب لا يعادله إلا تقدمها أثناءاشتباكها بطلقة مدفعها, وبين الرجال كان فيصل ينتقل من مكان الي مكان, من مقاتل لآخر, كأنه تجسيد لروح هؤلاء الرجال, بعد تعطيل مدرعات العدو إرتد مع رجاله الي منطقة رملية كثيفة أعجزت العدو عن مطاردته, كما تمكن من تخفيف الهجوم المعادي علي المجموعات الأخري, ليتيح لها الإرتداد بعيدا عن منطقة الكمين التي أكتظت بالمدرعات الاسرائيلية المشتعلة,.. حينئذ صدرت الأوامر بعودة الرجال, وانقسم الرجال الي مجموعات سربت ليلا مخترقة دفاعات العدو, وتمكن الرجال ومعهم فيصل من الوصول للضفة الغربية من القناة ولكن عودتهم لم تكن تعني إنتهاء المهمة. ويقول اللواء عبد الوهاب السيد عبد العال الذي عمل خلف خطوط العدو لشهور طويلة ان الصاعقة المصرية سطرت بطولات لا تنسي فقد كان للمصري البسيط دور رئيسي من ناحيتين, الاولي في اعمال المخابرات, والثانية في الحرب نفسها, وعندما أدرك الاسرائيليون مدي التفوق المصري عليهم, سئل موشي ديان رئيس الأركان في حرب1973 عن هذا التفوق, وقد هوجم بشدة لانه لم يعرف مدي التطور المصري في هذا المجال, نظرا لان مصر لم تكن لها قدرات استخبارية كبيرة, ولا قوات استطلاع أو تعاون مع بقية أجهزة الاستخبارات الأخري, فكان رد ديان: ان المصريين ملأوا سيناء برادارات بشرية, ذات عيون تري, وعقول تفكر, ثم تعطي المعلومة. وفي الحقيقة, كان كلام ديان صحيحا, فمن خلال هذا الروح المصرية البسيطة استطعنا ان نرصد كل سكنات وحركات العدو ومن أهم بطولات الصاعقة خلف خطوط العدو عمليات المجموعة39 قتال فبعد معارك1967 بدأت قيادة القوات المسلحة في تشكيل مجموعة صغيرة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة في سيناء, كمحاولة من القيادة لاستعادة القوات المسلحة ثقتها بنفسها والقضاء علي إحساس العدو الاسرائيلي بالأمن, حيث وقع الاختيار علي البطل ابراهيم الرفاعي لقيادة هذه المجموعة, فبدأ علي الفور في اختيار العناصر الصالحة للتعاون معه. وكانت أولي عمليات هذه المجموعة نسف قطار للعدو في( الشيخ زويد) ثم نسف مخازن الذخيرة التي تركتها قواتنا عند انسحابها من معارك1967, وبعد هاتين العمليتين الناجحتين, وصل لابراهيم خطاب شكر من وزير الحربية علي المجهود الذي يبذله في قيادة المجموعة. ومع الوقت كبرت المجموعة التي يقودها البطل وصار الانضمام إليها شرفا يسعي إليه الكثيرون من أبناء القوات المسلحة, وزادت العمليات الناجحة ووطأت أقدام جنود المجموعة الباسلة مناطق كثيرة داخل سيناء, فصار اختيار اسم لهذه المجموعة أمرا ضروريا, وبالفعل أطلق علي المجموعة اسم المجموعة39 قتال, واختار الشهيد البطل ابراهيم الرفاعي شعار رأس النمر كرمز للمجموعة. كانت نيران المجموعة أول نيران مصرية تطلق في سيناء بعد نكسة1967, وأصبحت عملياتها مصدرا للرعب والهول والدمار علي العدو الاسرائيلي أفرادا ومعدات, ومع نهاية كل عملية كان ابراهيم يبدو سعيدا كالعصفور تواقا لعملية جديدة, يبث بها الرعب في نفوس العدو. لقد تناقلت أخباره ومجموعته الرهيبة وحدات القوات المسلحة, لم يكن عبوره هو الخبر, إنما عودته دائما كانت المفاجأة, فبعد كل إغارة ناجحة لمجموعته تلتقط أجهزة التنصت المصرية صرخات العدو واستغاثات جنوده, وفي إحدي المرات أثناء عودته من إغارة جديدة قدم له ضابط مخابرات هدية عبارة عن شريط تسجيل ممتليء باستغاثات العدو وصرخات جنوده كالنساء. وهو الذي قام ومجموعته صباح استشهاد الفريق عبد المنعم رياض بعبور القناة واحتلال موقع المعدية رقم6 الذي اطلقت منه القذائف التي تسببت في استشهاد الفريق رياض وإبادة44 عنصرا اسرائيليا كانوا داخله بقيادة الشهيد ابراهيم الرفاعي الذي كانت أوامره هي القتال باستخدام السونكي فقط.