واصل طوفان الهزل والتفاهة والابتذال اجتياح السينما المصرية خلال العقد الأول من الألفية الجديدة, وظل سائدا حتي قيام ثورة25 يناير2011 المجيدة, التي أطاحت بنظام حسني مبارك.. وبالتوازي معه, حاول سينمائيون جدد وقدامي تقديم سينما حقيقية, ونجحوا في عدد قليل من الأفلام, صار من تحف وكلاسيكيات السينما المصرية, فيما جاءت اعمالهم الأخري مشوهة, متأثرة بالرغبة في مسايرة الأفلام السائدة سواء من حيث الموضوعات أو التكنيك أو النجوم المنتشرين.. كما شهد العقد ظهور سينما العشوائيات, التي قدمت رؤية سياحية لقبح المناطق العشوائية, فخرجت أقبح منها, ولم تفلح إلا في المتاجرة بمعاناة سكانها لتكديس الملايين في خزائن منتجيها, من دون تفكير في تخصيص جزء من هذه الملايين لحل مشكلات هذه العشوائيات. مع بدايات القرن الحادي والعشرين, ظهر عدد كبير من المخرجين المتميزين وواصل آخرون مسيرة تألقهم.. ففي عام2000 عرض المخرج اسامة فوزي فيلمه الثاني جنة الشياطين الذي كان امتدادا لسينما التسعينيات الذهنية, قبل أن يقدم في2004 تحفته بحب السيما وهو واحد من أفضل الأفلام المصرية خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة, وفي2009 فيلمه بالألوان الطبيعية, الذي كان استمرارا لطرح قضايا العلاقة بين الإنسان وخالقه وبين الفن والدين, والتي سبق له تفجيرها في بحب السيما. وفي2000 ايضا, قدم المخرج والسيناريست محمد أمين فيلمه الأول فيلم ثقافي, وبعد خمس سنوات عمله الثاني ليلة سقوط بغداد وبعد خمس سنوات أخري( العام الماضي) إنجازه الثالث بنتين من مصر وكلها أفلام متميزة تحاول أن تكون مختلفة من حيث الموضوعات والمعالجة والتنفيذ. ويضيق المجال هنا عن حصر جميع الأعمال السينمائية الجادة في هذا العقد بشكل إحصائي لكن يجب التوقف عند تجارب مجموعة من الشباب الذين انطلقت مسيراتهم في بدايات الألفية الثالثة, وأبرزهم مروان حامد في عمارة يعقوبيان(2006) وإبراهيم الأبيض(2009), وكاملة أبو ذكري في ملك وكتابة وواحد صفر, اللذين قدمتهما في نفس العامين علي الترتيب وسامح عبد العزيز في كباريه والفرح اللذين قدمهما في عامي2008 و2009 علي التوالي, وهالة خليل في احلي الأوقات(2004) وقص ولزق(2006). وهناك مخرجو الفيلم الجيد الواحد, سواء لأنهم لم يصنعوا غيره أو لأن إنتاجهم الآخر لايرقي لمستواه, مثل عاطف حتاتة في الأبواب المغلقة(2001), وهاني خليفة في سهر الليالي(2003) ومحمد مصطفي في أوقات فراغ(2006) ومحمد ياسين في الوعد(2008) وبهذه الأفلام وغيرها واصل الجيل الجديد من السينمائيين تشريح المجتمع في مرحلة شديدة الصعوبة والتعقيد شهدت المزيد من الفساد السياسي والتفسخ الاجتماعي, الذي انعكس في ضعف الروابط الأسرية وارتفاع معدل الطلاق والجريمة, والتطورات النوعية التي طرأت علي الجرائم وجعلتها أكثر عنفا ودموية, وسط حالة عامة من اليأس والإحباط خاصة في أوساط الشباب لزيادة نسبة البطالة والارتفاع الجنوني غير المبرر للأسعار.. وهذا في رأيي هو الدور المأمول للسينمائيين: التعبير عن المجتمع الذي يعيشون فيه ورفع الصوت بمشاكله في وجه المسئولين عنها دون محاولة البحث عن حلول لأن ذلك ليس دور السينما بعيدا عن التافهين والمبتذلين أصحاب الكوارث السينمائية, من نوع خالتي فرنسا وعودة الندلة التي لا تنتمي إلي فن السينما, بل إلي فن الغلاسة والاستظراف. وفي المقابل, ظهرت بدءا من2007 هوجة أفلام العشوائيات, أو الأفلام العشوائية التي أثبتت أن السينما المصرية حالة مستعصية علي الشفاء, وأنها من أزمة إلي أزمة ومن توليفة إلي توليفة لاتتغير ولن تتغير.. تختلف المعطيات لكن تظل النتائج واحدة.. وما إن تهب رياح التغيير حتي تسكن وتتحول إلي هواء ثقيل فاسد يكبس علي أنفاسنا ويفقدنا الأمل في أن تتطور هذه السينما وتلحق بنظيراتها في العالم. لسنوات طويلة ظلت التوليفة التي يعتمد عليها معظم المنتجين المصريين وهي مثل الخلطة التي تضعها ربة المنزل لإنجاح طعامها تتكون من العناصر أو التوابل التالية: شاب وسيم يجيد تسبيل العيون, وفتاة قمورة تجيد تمثيل حالة الانكسار وهما الحبيبان اللذان سيتزوجان في نهاية الفيلم بطبيعة الحال وشرير يرفع حاجبيه وكل ملامحه طوال الفيلم ثم يصاب بدلدلة مفاجئة في المشهد الأخير, وراقصة لعوب, وكوميديان يلعب عادة دور صديق البطل. وفي السنوات الأخيرة من العقد الأول في هذا القرن, ومع التحولات السياسية والاجتماعية المتلاحقة خاصة المد الديني, الذي ما لبث أن تحول الي تطرف, وتفشي الفقر وانتشار المناطق العشوائية ظهرت توليفة سينمائية جديدة لاتحاول التعبير عن هذه التحولات وتوثيقها بقدر ماتسعي لاستغلالها في دغدغة مشاعر جمهور المشاهدين لتحقيق المكاسب المادية السريعة.. وتحقق لها ما أرادت لأن السوق السينمائية المصرية شديدة الهشاشة والميوعة, ولايحكمها ضابط أو رابط وتتحكم فيها مجموعة من أنصاف المتعلمين الذين لا يشغلهم سوي تكديس الملايين. وتزامن مع نجاح التوليفة الجديدة, نجاح نوع أو نمط من الأفلام لم يكن منتشرا في السينما المصرية من قبل, وهو نوع يقوم علي عدد كبير من الشخصيات تقسم البطولة فيما بينها بحيث لايكون هناك بطل أو بطلة مطلقة, ومن الممكن ألا تربط بين هذه الشخصيات علاقات مباشرة, وألا يجمعها سوي المكان أو الزمان الواحد. كما يقوم علي الدراما الأفقية المستعرضة, التي لاتقدم قصة تقليدية ذات بداية ووسط ونهاية, بل تكون أشبه ببقع لونية صغيرة تظل تتسع وتمتزج علي الشاشة حتي تملأها, مكونة تشكيلا أو لوحة كبيرة من المفترض أن لها معني وقيمة ولا عيب إطلاقا في التوليفة والنوع الجديدين, العيب كل العيب في مجموعة الانتفاع السينمائي التي حولتهما إلي باترون تصنع منه عشرات النسخ المشوهة الممسوخة لكسب المزيد من الأموال وهذا الباترون يتكون من: منطقة عشوائية علي الأقل فقيرة جدا, قصة حب محبطة ومحكوم عليها بالفشل بين اثنين كانا يحلمان بتغيير هذا الواقع, عالم سري سفلي من تجارة المخدرات والأسلحة والأجساد تشكيلة من التطرف الديني, ضابط شرطة فاسد, ورجل كبير يتحكم في كل شيء ويحرك الناس مثل الماريونت من دون أي أمارة أو مبرر درامي لهذه القدرات الخارقة. وكان فيلم عزبة آدم(2009) أول مسمار في نعش هذه التوليفة رغم أنه حاول أن يسير علي الباترون, واستخدم كل العناصر والبهارات المطلوبة لكن مشكلته أن صناعه كانوا قليلي الخبرة, فخرج مشوها ومرتبكا, ينعيهم هم وتوليفتهم.. وجاءت ثورة25 يناير لتقضي علي هذه النوعية نهائيا, بعد أن أسقطت فزاعة المحظورة وفزاعة سكان العشوائيات الذين سيخرجون من جحورهم ليدمروا كل شيء تماما كما أسقطت عشرات الفزاعات والأوهام الأخري. وبالإضافة لفريق الهزل والتفاهة, ومجموعة الشباب الجاد, وتجار العشوائيات, شهد العقد استمرار عدد من كبار المخرجين في العمل, وتقديمهم عددا من الافلام المتميزة مثل داود عبد السيد في مواطن ومخبر وحرامي(2001) ورسائل البحر(2010), ويسري نصر الله في جنينة الأسماك(2008) واحكي يا شهرزاد(2009) ومحمد خان في بنات وسط البلد(2005) وفي شقة مصر الجديدة(2007), وغيرها.