لقد اسال مفهوم الاستقلال الكثير من المداد, وأدلي العديد من النقاد المحترمين بدلوهم حول ما هي السينما المستقلة في مصر؟ هل نستطيع تطبيق مفهوم الاستقلال الذي اتبعه الغرب في تصنيفه للسينما المستقلة من حيث كونها: هي النقيض للسينما التي تحقق ايرادات كبيرة وتعتمد علي نظام النجوم؟ وبالتالي فانها تنمو خارج نظام الانتاج السائد( كان نظام الانتاج السائد هو نظام الشركات الكبري والتي كانت تملك استوديوهات ومعامل ودورا للعرض قبل سقوط هذا النظام) وتتميز بانخفاض ميزانيتها بالطبع لا يمكن لنا ان نتبع هذا المعيار في تحديد مفهوم الاستقلال.. وذلك لاننا لم نملك شركات انتاج كبري للسينما( فشل تجربة استوديو مصر, ونهاية تجارب استوديوهات وشركات النجوم) استوديو رمسيس ليوسف وهبي ماري كويني فلقد كانت عملية الانتاج السينمائي في مصر ومازالت تتسم بالعشوائية والمبادرات الشخصية, لكن يمكن لنا أن نطبق مفهوم الاستقلال وفقا لمعايير فكرية تخص المحتوي الفكري والاسلوب البصري الذي يقدمه العمل مقارنا بما هو سائد ومسيطر علي السينما من قضايا مختلفة, ان الاستقلال في السينما المصرية هو استقلال وتميز عما يطرح في السينما من موضوعات وقضايا تقليدية تحاول العزف علي قيم المجتمع السائدة, تداهن البناء الفكري السائد سواء كان سياسيا او اجتماعيا او اخلاقيا, دون طرح اي مراجعات او نقد. ان المتتبع لتاريخ صناعة السينما في مصر سيجد أنها في البداية كانت وسيلة جديدة لمحبي الفنون يمكنهم من خلالها تقديم انفسهم, فقد كانت بالنسبة للكثيرين هواية او مجالا للشهرة أكثر منها صناعة فعلية والمتتبع لاسماء مثل بهيجة حافظ, عزيزة أمير, امينة محمد, وداد عرفي, أحمد جلال, أحمد سالم.. الخ سيجد ان بدايات السينما كانت نتاجا لمحبي السينما والشهرة, ولم تتغير المفاهيم بالنسبة للسينما الا مع انشاء استوديو مصر وبداية التفكير في السينما كصناعة تعتمد علي الاستثمارات وتراكم الخبرات والتدريب والتعليم والاستفادة من وفورات الحجم. ولكن للأسف التجربة لم تستمر ولم يكتب لها النجاح بالشكل الذي تعارف عليه في نظام الاستوديو في الولاياتالمتحدةالامريكية وقد كانت الرقابة بالمرصاد لكل محاولة فنية في السينما تحاول الخروج عن المألوف من افلام الفواجع والتراجيديات المسرحية والكوميديا الموسيقية الساذجة وسينما الكباريه, وان استطاعت بعض الأفلام الافلات من الرقابة وجدت لها بالمرصاد تقرير زملاء المهنة واقلام الصحفيين تنبه اولي الأمر للكارثة التي مرت من تحت ايدي الحكومة ونشرت الفساد في ارجاء المحروسة تارة باسم سمعة مصر واخري باسم حماية التقاليد, بل وحتي دعوي محاربة البلشفية وهو ما يحدث مع فيلم السوق السوداء علي سبيل المثال, اصبحت معظم الأجيال المتتابعة علي العمل في السينما المصرية( في الأعم الاعظم) هم من تمت ترقيتهم داخل سلك السينما نفسها, فهذا كوافير يصبح مخرجا ومنتجا وعامل كلاكيت وكاتب منولوجات يتحول لمخرج الروائع ومونتير ومهندس ديكور وبالطبع ممثل, كانت السينما جسما متكاملا لا يحتاج لوارد جديد من خارجها.. هذا هو المفهوم الذي ساد السينما المصرية في الأغلب والأعم مع وجود اجانب لم يكن اسهامهم في السينما تاريخا يمكن التأريخ له فنيا بقدر كونهم هم الأكثر خبرة لفرصهم في التعلم والتدرب عن المصريين في ذلك الوقت وعدم وجود الكوادر البديلة أو انتشارهم فقط لمجرد كونهم اجانب. تغير المفهوم نوعا ما بعد الثورة حيث الروح الجديدة والمفاهيم الجديدة, وبدأنا نشاهد مخرجين يكتسبون مصداقية للعمل في الإخراج السينمائي وهم لم يمتهنوا من قبل اي مهنة سينمائية بل هم اتوا للسينما كمخرجين ولعل اولهم كان توفيق صالح( علي اساس ان فيلم شاهين الأول كان قبل الثورة), وقدم صلاح ابوسيف سينما جديدة تحاول رصد الواقع الفعلي للمصريين اطلق عليها الواقعية, وقد كانت محاولاته الأولي في هذا التيار مع فيلم( الوحش1951), ولكننا لا نستطيع وصف افلامه بكونها مستقلة عن الفكر السياسي السائد لأن هذا كان التوجه الرسمي للدولة المصرية, وفي أول محاولة له للاستقلال عن السائد سياسيا في فيلم( القضية1968) كان الصدام مع الرقابة والحكم. كان معهد السينما قد بدأ في تخريج دفعات من الخريجين لم يحصلوا علي فرصهم لانحسار الانتاج السينمائي بعد النكسة, وقد شهدت فترة ما بعد النكسة أول محاولة للسينما المستقلة في مصر مع جماعة السينما الجديدة والتي تعد اول تجمع فني اقتصادي بغرض انتاج سينما مختلفة تنتج لعرضها علي الجمهور في الصالات, جماعة السينما الجديدة التي كان قوامها خريجي معهد السينما الجدد بغرض تقديم سينما مختلفة تنقل الواقع الفعلي للمجتمع المصري وليس لعب الدور السائد في السينما عبر تقديم افلام بغرض تغييب الوعي الجماعي لجمهور السينما المصرية في ذلك الوقت الحالك من تاريخ مصر, قدمت الجماعة فيلمين احدهما هو أغنية علي الممر والثاني كان ظلال علي الجانب الآخر وقد واجهت تلك التجربة هجمة شرسة من الرقابة ادت لمنع العملين فترة من الزمن وتدخل مقص الرقيب بالحذف فقضت علي التجربة في المهد, ونود ان نضيف ان فصيلا كبيرا من العاملين في السينما التقليدية شنوا هجوما علي التجربة لاختلافها كليا عما كان متعارفا عليه في ذلك الوقت عن السائد في السينما سواء كان ذلك عبر نمط انتاجها او طبيعة الموضوعات التي تطرحها, كانت محاولة شاهين مع الاختيار والأرض والعصفور هي محاولات مشابهة لكسر حاجز سينما التسلية وتغييب الوعي ومواجهة اسباب الهزيمة, مر الاختيار والأرض لرمزيتهما او للجوء شاهين للتاريخ, ولكن الرقابة كانت للعصفور بالمرصاد فمنع عرضه ولم يعرض الا بعد العبور, افلام شاهين تلك كانت محاولات استقلال فكري عن السائد وان كانت الصبغة السياسية هي السائدة عليهم ولكن شاهين وتوفيق صالح هما تيار حاول أن يقول رأيه السياسي عبر السينما في أفلام تعد من أهم افلام السينما المصرية, فكان مصيرهم الاستبعاد والمنع, فهاجر توفيق صالح واتجه شاهين نحو الانتاج المشترك ولكنه تحول إلي مفكر اكثر منه ذلك السينمائي الفذ فجاءت معظم افلامه تجارب ذاتية تعكس مهارته التقنية اكثر من بحث في ذات الوطن. [email protected]