السينما المستقلة.. تيار جديد بات يطرح نفسه بقوة على أجندة السينما المصرية، ومؤخرا تم عرض فيلم «هليوبوليس» فى مهرجان القاهرة ويبدو أن المهرجانات وحدها هى التى سوف تشهد عرض هذه الأفلام فحتى الأن يطير تيار السينما المستقلة بجناح واحد فقط، وهو جناح النخبة الفنية من نقاد أو مخرجين أو عشاق الفن السابع ويبقى له الجناح الأهم.. الجمهور كى يستطيع المنافسة بشكل حقيقى وواضح على خريطة السينما.. فالجمهور هو «الدينامو» الذى يدفع أى صناعة سواء فنية أو تجارية إلى المضى قدما للأمام، ليتوالد الفيلم من رحم الآخر وتدور العجلة، والذى بدونه تتوقف أى صناعة مهما كانت أهميتها أو فنيتها.. وهذا هو السؤال الذى طرحناه على أهم رواد هذه الصناعة، وهو هل السينما المستقلة أصبحت مستقلة عن الجمهور؟! فالتجربة حتى الآن أثبتت أن الجمهور يقبل باستحياء شديد جدا على ذلك النوع من السينما مقارنة طبعا بالسينما التجارية وسألناهم أيضا إلى متى سيظل أصحاب هذه النوعية من الأفلام حزب الأقلية السينمائية فى مصر..؟! المنتج شريف مندور أحد أهم رواد هذه الصناعة خلال الفترة الماضية وهو صاحب فيلم «عين شمس» الذى تم عرضه بشكل تجارى، قال متحدثا عن مصطلح السينما المستقلة عن الجمهور: أنا لا أرى أن السينما المستقلة بعيدة عن الجمهور إطلاقا، وأنا ومجموعة من الأصدقاء الآن نفكر فى إنتاج أفلام مستقلة شعبية أو تجارية، علما بأن ذلك التنويع فى السينما موجود فى العالم كله، وأمريكا نفسها تنتج جميع الأنواع السينمائية ولكن لا يصلنا منها إلا السينما الهوليوودية. وتساءل مندور عن عدد زوار معارض الفن التشكيلى؟.. كما تساءل أيضا هل من المفترض أن تكون كل الأفلام فى العالم ناجحة 100%.؟.. مشيرا إلى أنه فى كل بلد فى العالم هناك سينما تجارية وفنية وثقافية... إلخ. وأضاف إذا شئنا إطلاق المسميات فلنقل سينما موازية، والمشكلة البسيطة التى واجهتنا أن الفيلمين اللذين أنتجتهما حتى الآن «صعبين» شوية على الجمهور، ولكن هذا لا يعنى أنها أفلام مستقلة عن الجمهور تماما، والعالم كله الآن مقبل على أزمة لذلك نحاول صناعة أفلام أبسط وأسهل.. وأكد مندور قائلا: إذا كنت سأخسر ماديا لن أكمل مسيرتى فى الإنتاج السينمائى، لأنى كفرد لا أستطيع تحمل الخسارة كما تفعل الشركات الكبيرة التى تقدم فيلما غير جماهيرى وسط «باقة» من عدة أفلام تجارية، ولكنى أقدم أفلاما تحترم عقل الجمهور ولكن بميزانية قليلة. لأنى لست وزارة الثقافة كى أقدم أفلاما خاسرة، والأصل فى عملية الإنتاج هو الاستمرارية. وكشف مندور عن أنه يقوم الآن بالتحضير لثلاثة أفلام لإطلاقهم عام 2010 بعد أن يعرض فيلم هليوبوليس للجمهور فى العيد القادم، رغم أنه من المحتمل أن يؤجل عرضه لإجازة نصف العام. وأكد مندور أنه غير متخوف اطلاقا من رد فعل الجمهور تجاه الفيلم لأنه كما يقول إذا كان الإقبال متوسطا سوف يقوم بتغطية تكاليفه لأن الفيلم سيعرض ب25 نسخة. وأما عن الأفلام الثلاثة التى ينوى تقديمها 2010 فسوف تتنوع كما قال مندور كالآتى: الأول سيكون فيلم رعب كوميدى والثانى سيكون من إخراجه وهو «من غزة مع حبى» رومانسى سياسى، والثالث يختاره الآن من بين سيناريوهين يقرأهم. أما المخرج إبراهيم البطوط فهو أحد فرسان ذلك النوع من السينما الذى استطاع خوض أولى معاركها الفعلية عندما قدم فيلم عين شمس ونال به عدة جوائز أهلته للعرض التجارى الذى لم يحقق كثيرا من النجاح ولكنه كان كحجر ألقى فى ماء راكد.. وتحدث قائلا: فى رأيى ليس لدينا تيار سينمائى حقيقى مختلف، ولكن لدينا محاولات تأتى كقطرات الماء المتباعدة، فمثلا فيلمى عين شمس انتهيت منه عام 2008 وعرض جماهيريا بعد عام كامل ولذلك أنا أؤيد مصطلح السينما المستقلة عن الجمهور حتى الآن لأنها سينما وليدة، والنجاح الجماهيرى لن يأتى إلا بالتراكم، ونحن حتى الآن بعيدون جدا عن الهدف ولا نستطيع تحديد المكان الذى وصلنا إليه، لأن كل ما قدمناه مجرد محاولات فردية. كما أكد أن مسالة النجاح الجماهيرى لابد أن تحسب بعد 10سنوات من الآن على الأقل بعد أن ترسخ تلك السينما أقدامها فى السوق أمام الجمهور الذى مازال يتعرف عليها ويتحسس خطواته إليها. وقال البطوط بغض النظر عن المسميات فإن الأفلام بدون جمهور ليس لها أى معنى أو قيمة ولكن لابد أن نخوض التجارب. كما تحدث البطوط عن التجربة التى يخوضها الآن وهى إخراج فيلم عن رواية «ربع جرام» لمؤلفها عصام يوسف ويرى أنها أول تجربة تتحدث عن المدمنين من داخلهم ولا تنظر إليهم من بعيد بالنقد والتحليل كما فعل الكثير. كما كشف أنه يعمل على فيلم آخر طويل بدون أى ميزانية إطلاقا ويدور بأكمله فى الإسكندرية ويسير فيه بخطوات بطيئة كلما كان لديه وقت فراغ.. المخرج أحمد رشوان صاحب فيلم «بصرة» التجربة التى حازت على إعجاب لجان التحكيم فى عدة مهرجانات والذى حاز على عدة جوائز ولكن رغم مرور ما يقرب من عامين على انتهاء فيلمه فإنه لا يجد حتى الآن منفذا ليمر منه فيلمه إلى الجمهور وتحدث عن هذه المشكلة قائلا: الفيلم لم يعرض لأن الموزعين يبحثون دائما عن أفلام معينة لأن كل موزع له حساباته. واعترض رشوان على مصطلح السينما المستقلة عن الجمهور وقال ذلك غير صحيح لأن هناك أفلاما عرضت ونجحت مع الجمهور فى حين أن هناك أفلاما تجارية فشلت فشلا ذريعا. ولكنه أرجع الأزمة إلى مشكلات فى التوزيع فحتى «عين شمس» الذى فتح أول أبواب العرض الجماهيرى لذلك النوع من السينما لم تصنع له دعاية كافية بحجة خلوه من نجوم «يسندوا» الفيلم، وتوقع رشوان إذا عرض فيلم هليوبوليس لأحمد عبدالله سيكون ذلك خطوة كبيرة فى طريق السينما المستقلة بعد أن وجدت نفسها موجودة بقوة فى مهرجانات العالم. وردا على سؤال حول هل تكفى مشاركة الفيلم بالمهرجانات دون مشاهدتها من الجمهور؟ فقال: سأرد بسؤال آخر وهو هل أتيح للمشاهدين أن يشاهدوا السينما المستقلة ورفضوا، فحتى قصور الثقافة عندما فتحت أبوابها لأفلام السينما اختارت أفلاما تجارية بحتة ولم تبحث عن أى أفلام مستقلة، وأتذكر أنه إبان عهد رئاسة أحمد محفوظ لمركز الإبداع كان يريد أن يعرض تلك الأفلام للجمهور وبتذاكر مثل غيرها من الأفلام التجارية ولكن توقف المشروع للأسف بتركه للمركز. وطالب رشوان وزارة الثقافة بتوفير أى منفذ للسينما المستقلة ولو على الأقل دور عرض ديجتال وليس 35 ملى، ووجه نداءه أيضا لرجال الأعمال وقال إذا كنتم تتبنون أبطال الرياضة فما المانع من أن تقوموا بذلك مع السينمائيين الشباب، وطال نداؤه أيضا شركات الإنتاج أن تساهم فى دعم ذلك النوع من السينما. وختم حديثه فى النهاية قائلا: دعنا من مصطلح مستقلة أو تجارية أو أى مسمى آخر ولكننا فى النهاية نريد أفلاما جيدة بموضوعات جديدة وجريئة. الناقد مصطفى درويش قال: السينما المستقلة تيار بدا الإعلان عن نفسه بعد نكسة 67، حينما نشأت جماعة السينما الجديدة وأعلنت أنها ضد السينما التجارية وأنها ستغير الخريطة السينمائية تماما ولكن فوجئنا أن الجبل قد تمخض فأرا وخرج فيلم أغنية على الممر لعلى عبدالخالق ثم بعد ذلك شيئا فشيئا عادت الأمور كما كانت. وفسر درويش ذلك بأنه ليس خلف تلك السينما تيار حقيقى وحركة فاعلة ومؤثرة مثلما حدث مثلا مع تيار الواقعية الجديدة بإيطاليا التى خرجت من رحم حراك سياسى ضخم بعد قتل موسلينى فخرجت الواقعية من مأساة إيطاليا فازدهرت ولكن السينما المستقلة لدينا خرجت من شىء غير مفهوم ولذلك خرجت مشوهة كحالنا ولم تعش كأى كائن مشوه وهذا ما يعيد نفسه الآن وبشكل أسوأ للاسف.. وأضاف درويش أن التيارات المستقلة الحقيقية عندما تكون مدفوعة بسبب حقيقى وتدرك دورها جيدا فإنها تحقق المعجزات مثلما فعل تيار السينما المستقلة بفرنسا الذى استطاع إلغاء الرقابة بعد خروج أول فيلم له وهو «الراهبة» والذى كان كالصدمة التى ضربت المجتمع الفرنسى بأكمله. أما عن مصطلح السينما المستقلة عن الجمهور فقال درويش إن ذلك النوع من السينما «خائب» ويسير فى طريق مسدود لأن السينما هى الفن الوحيد الذى يموله جمهوره ولذلك ما يحدث مجرد عبث. وتعليقا على ما يريد المنتج شريف مندور القيام به وهو صناعة أفلام مستقله تجارية فقال إن ذلك دوران فى حلقة مفرغة وكأننا لم نفعل شيئا لأنك ستستبدل النجم ذا الأجر الكبير بآخر أجره منخفض ولكن سيقدم نفس العبث كما أن السينما المستقلة لا تعنى أفلام الميزانية القليلة ولكن تعنى المواضيع الجديدة التى لم تقدم من قبل وطرق أبواب أخرى لم يطرقها أصحاب المذهب التجارى وتقديم وجوه جديدة، وهذا هو الاستقلال الحقيقى. وختم درويش حديثه بجملة عبر بها عن الوضع برمته قائلا «ما يحدث كنهر صغير يصب فى صحراء جرداء». أما الناقد أحمد صالح فقد رفض تماما مصطلح السينما المستقلة عن الجمهور، لأنه يرى أن الجمهور هو من يصنعها فكيف ينقطع عنها، ولكنه أرجع الأزمة إلى أن ذلك النوع من السينما لا تتوافر له الدعاية الكافية ولا دور العرض ولا أى من أبجديات الدعم التى تنالها السينما الأخرى بأنواعها. ويرى أيضا أنها تيار يحتاج لمزيد من الوقت والجهد ليفرض نفسه على الساحة بشكل جيد، لأنه يرى أنها واقعة تحت حصار السينما الأخرى المدعومة بجميع وسائل النجاح. وعلق على رغبة شريف مندور بإنتاج أفلام مستقلة تجارية بأننا لن نستطيع الحكم بأى شكل من الأشكال قبل المشاهدة الفعلية لتلك الأعمال.