هناك أحاديث ضعيفة تكون نصًّا فى مسألة فقهية، لكنها تكون ضعيفة السند، فنجد بعض الفقهاء قد استدل بها فى الباب، وهنا يأتى التساؤل: كيف يحتج الفقيه بهذا الحديث الضعيف؟ وهل يجوز أن ننسج على هذا المنوال فيحتج الفقيه والمفتى الآن بالحديث الضعيف؟ تجيب دار الإفتاء المصرية بأن هذه المسألة تتعلق بالحديث لكونه المصدر الثانى من مصادر التشريع الإسلامى، وقد قام المحدثون بوضع أسس علم الحديث، وبيَّنوا صحيحه من سقيمه، كما بيَّنوا أن الضعف ينقسم إلى مراتب متفاوتة، فليس الحكم على الحديث بالضعف؛ لسوء حفظ بعض رواته كالحديث الذى حكم عليه بالضعف من أجل كذب بعض رواته! وأما العمل بالحديث الضعيف فى الأحكام الفقهية فالمشهور بين الناس عدم العمل به مطلقًا، لكن عند التأنى والرجوع إلى كلام العلماء نرى لهم تفصيلًا فى ذلك.ومن تعاريف الحديث عند الأصوليين والفقهاء قول الإمام الزركشى فى «البحر المحيط» (ما صدر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الأقوال والأفعال والتقرير والهم، وهذا الأخير لم يذكره الأصوليون ولكن استعمله الشافعى فى الاستدلال). كما ينبغى أن نعرف ما هو الحديث الضعيف؛ ولأن العلماء درجوا على أن يعرفوا الحديث الصحيح والحسن ثم يعرفوا الضعيف: بأنه ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح والحسن، فيحسن بنا أن نعرف بهذه الأنواع: أما الحديث الصحيح: فهو الحديث المسند الذى يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذًّا ولا معللًّا. وأما الحديث الحسن: فهو قسمان: أحدهما: الحديث الذى لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلًا كثير الخطأ، ولا هو متهم بالكذب، ويكون متن الحديث قد روى مثله أو نحوه من وجه آخر، فيخرج بذلك عن كونه شاذًّا أو منكرًا. - القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، ولم يبلغ درجة رجال الصحيح فى الحفظ والإتقان، ولا يُعدُّ ما ينفرد به منكَرًا، ولا يكون المتن شاذًّا ولا معلَّلًا.وأما الحديث الضعيف: فهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح، ولا صفات الحسن المذكورة. وأما حكم العمل بالحديث الضعيف فالأصل فيه جواز عدم العمل به؛ لأنه لم يكن متواترًا فيفيد علمًا ولا آحادًا صحيحًا فيفيد ظنًّا، لكن هناك حالات يمكن أن يعمل فيها الإنسان بالحديث الضعيف -لا الواهي- فى الأحكام الشرعية، منها: إن الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف إنما هو فى ظاهر الأمر فقط، فقد وضع العلماء تعريفات لكل نوع من الأحاديث، فمتى انطبق التعريف على حديث أخذ حكمه فى الظاهر.قال الإمام ابن الصلاح فى «مقدمته« (ص: 13): وَمَتَى قَالُوا: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ اتَّصَلَ سَنَدُهُ مَعَ سَائِرِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعًا بِهِ فِى نَفْسِ الْأَمْرِ، إِذْ مِنْهُ مَا يَنْفَرِدُ بِرِوَايَتِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِى أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ. وَكَذَلِكَ إِذَا قَالُوا فِى حَدِيثٍ: إِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ قَطْعًا بِأَنَّهُ كَذِبٌ فِى نَفْسِ الْأَمْرِ، إِذْ قَدْ يَكُونُ صِدْقًا فِى نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ إِسْنَادُهُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ،. ومما تقدم يتبين أن الأصل فى الحديث الضعيف عدم جواز العمل به فى الأحكام الشرعية، ومع هذا فإن هناك حالات يمكن الأخذ فيها بالحديث الضعيف فى الأحكام الشرعية بالضوابط والشروط.