فى ليلة من ليالى عيد الأضحى منذ 30 عاما جلس الأب ينتظر بفارغ الصبر خبرا يزف إليه بشرى استقبال مولوده الذكر الأول الذى كان يتمناه من الدنيا ، خاصة وقد رزقه الله بثلاث بنات مما وضعه فى موقف لا يحسد عليه بين أفراد عائلته التى تسكن فى أحد قرى مركز إدفو شمال مدينة أسوان، وما أن جاءته البشرى وهو جالس على أحد المقاهى البلدية يُنفس من همومه وقلقه فى دخان المعسل، حتى انطلق مهرولا هائما لا يدرى بما يدور حوله، فأخيرا وصل ولى العهد الذى سيحمل اسمه ويجعله يزهو فى شوارع القرية وهو مرفوع الرأس. أصر الأب على اختيار اسم «عيد» لمولوده الجديد تبركا بالأيام الطيبة، وبعد انتهاء العيد استغل تواجد العشرات من الأهل والأقارب الذين جاءوا من بلاد مختلفة لقضاء الإجازة ودعاهم إلى حضور ليلة «المولد» وهى ليلة قروية ينحر فيها الأب ذبيحتين للمولود الذكر وذبيحة للأنثى وفيها يجلس نائبا عنه أحد أقاربه حاملا دفتره الذى يسجل فيه «نقوط « المحبين على أهازيج المديح والأناشيد. مرت الأيام ودارت عجلة الزمن ليصبح المولود عيد على أعتاب دخول المدرسة وقبل أن يقدم الأب أوراق التحاقه أصر على أن يلحقه بأحد كتاتيب القرية ليحفظ ما تيسير له من القرآن، ولكن لم يكن الولد الصغير لديه الاستعداد النفسى والذهنى الذى استمر معه حتى بعد دخوله المدرسة التى كانت تبعد عن قريته بضعة كيلو مترات ليواصل مسلسل هروبه المستمر. لأن الأب كان يحنو على طفله الصغير حتى عندما كان يخطيء مع الآخرين ، ظل عيد يسيئ الأدب فتحول إلى طفل شقى يبحث عن افتعال المشكلات مع أقرانه ، وشجعه على ذلك أبوه الذى كثيرا ما دعا الله حتى دفع الثمن أخيرا بعدما أفلت زمام التربية والتقويم منه، ليجد فلذة كبده مطرودا من مدرسته. وعادت السنون لتمر الواحدة تلو الأخرى وكبر عيد، ومع بلوغه مرحلة المراهقة عمل بإحدى الورش الصناعية وهناك استسلم لإغراءات أصدقاء السوء الذين تعلم على أياديهم إدمان المواد المخدرة التى بدأت بالبانجو وانتهت بالحشيش، ومع إتقانه ومهارته فى عمله تضاعفت مكاسبه واستقل تماما بعيدا عن أسرته، وما أن ملكت يداه القدرة على الزواج أقدم عيد على هذه الخطوة التى كانت من المفروض أن تقوم سلوكه وتجعله أكثر وقارا ورزانة وهو ما لم يحدث، حيث واصل مسلسل إدمانه للمواد المخدرة وإسرافه ببذخ على شلة السوء، حتى هجره زبائنه وضاق به الحال وتدهورت أحواله ولم يعد يهتم بعمله ورزقه الحلال. فى غضون ذلك، لم تكن أحوال «عيد» بعيدا عن اهتمامات شلته الشريرة التى كثيرا ما شكى لها من ضيق حاله ومشكلاته الأسرية، ووجدها البعض فرصة للتلميح له بالبحث عن طريقة سهلة لاكتناز الأموال السريعة من خلال تجارة البانجو، ومع التكرار استجاب «عيد» إلى نداء الشيطان وبدأ مرحلة جديدة من عمره فى عالم الدخان الأزرق، ولأنه كان قليل الخبرة سقط التاجر الجديد فى مصيدة رجال المباحث ثلاث مرات خرج منها بسبب ثغرات القانون، ولم تكن هذه القضايا الثلاثة رادعة له، خاصة بعد أن دونت اسمه فى سجلات الأرشيفات الجنائية. وبمرور الأيام تعددت مغامراته المحفوفة بالمخاطر وأصبح عيد واحدا من أكبر تجار البانجو فى المنطقة الشمالية للمحافظة، ومن النقيض إلى النقيض انتعشت أحواله المادية وبات من كبار المروجين للصنف دون أن يدرى أنه تحت الرقابة المشددة لرجال المباحث. وبتوجيهات اللواء نائل رشاد المشددة بشأن تطهير بؤر وأوكار تجار المخدرات فى جميع أرجاء المحافظة، كلف اللواء إبراهيم مبارك مدير المباحث الجنائية المقدم محمد إمبابى رئيس مباحث مركز إدفو بضبط جميع المسجلين والمطلوبين أمنيا فى دائرة المركز، حيث تم تكثيف التحريات حول نشاط «عيد» ، وبورود المعلومات المؤكدة عن قيامه بتسلم كمية كبيرة من البانجو عن طريق تاجر وسيط، شدد معاونو مباحث المركز بالتنسيق مع إدارة مكافحة المخدرات الرقابة على بؤرة عيد التى يتخذها نقطة الانطلاق لتسليم صغار التجار حصتهم من السموم البيضاء، وتم وضع خطة ليلية محكمة لمداهمتها فى هدوء وسرية تامة، وبالفعل تم تطويق القرية ، وفى لحظات كان رجال المباحث يحيطون به من كل جانب، ليسقط عيد فى هذه الليلة متلبسا بحيازة 10 كيلو جرامات من البانجو وفرد خرطوش لزوم الدفاع عن النفس. وأمام النيابة العامة لم يستطع عيد الإنكار فأمر المحقق بحبسه وتحريز المضبوطات وإحالته للمحاكمة.