الفساد بشكل عام أحد معوقات التنمية الشاملة للمجتمع لأنه يتضمن إهدار المال العام والقضاء علي تكافؤ الفرص كقيمة أساسية, والإثراء بلا سبب وتراكم المال الحرام في أيدي جماعات متعددة من المنحرفين بعضهم. كما أثبتت الجرائم الأخيرة المعلنة علي قمة الهرم الاداري, مما يجعلهم يتلاعبون بسهولة في عملية إصدار القرار, فيمنحون بعض المواطنين مزايا كبيرة لا يستحقونها طبقا للقانون, ويحرمون مواطنين آخرين من حقوقهم المشروعة. وتشهد علي خطورة الفساد الاداري الاتهامات الموجهة لوزير سابق تحقق فيها الآن النيابة العامة. وأخطرها منح عديد من رجال الأعمال ومن المواطنين العاديين مساحات من أراضي الدولة والتي هي ملك للشعب بأثمان زهيدة. وهؤلاء الأفراد يحتفظون بملكية الأراضي إلي أن ترتفع الأسعار إلي معدلات جنونية كأن يرتفع ثمن المتر الواحد علي سبيل المثال من500 جنيه إلي6000 جنيه! وهكذا يربح من حصل علي الأرض بالثمن البخس ملايين الجنيهات بضربة واحدة وهذه الملايين للأسف الشديد تتراكم ليس نتاج إنتاج صناعي مفيد أو إنتاج زراعي مثمر ولكن نتيجة المضاربة في سوق العقارات. وهؤلاء الذين يراكمون هذه الأرباح الحرام أصبحوا يكونون فئات اجتماعية عريضة, أصاب أعضاؤها مرض الانفاق الترفي, وهوس الاستهلاك التفاخري! ولو قرأ أي قارئ صحافتنا وتابع الاعلانات العقارية فيها لاكتشف أن هناك فيلا ثمنها المعلن10 ملايين جنيه أو15 مليون جنيه, وأن هناك قصورا مبنية خصيصا لهذه الفئة الاجتماعية المترفة يصل ثمن القصر فيها إلي20 مليونا أو30 مليون جنيه! لك أيها القاريء الكريم أن نتأمل خطورة الفجوة الطبقية التي اتسعت في السنوات الأخيرة بين من هم في قمة الغني ومن هم في قاع الفقر. وهؤلاء الفقراء أخذت دوائرهم تتسع وتتسع حتي أصبح الفقر سمة من سمات المجتمع المصري الآن. ولا نريد في هذا الصدد أن نتحدث عن تدهور أحوال الطبقة الوسطي التي كانت مستورة في الستينيات والتي قضي علي استقرارها الاقتصادي تدني الأجور والتضخم, وأزمة الاسكان, وأزمة البطالة بين الشباب. ونستطيع أن نؤكد أن صور الاستهلاك الترفي التي أصبحت شائعة الآن في مصر لا يوجد لها مثيل في أي بلد غربي متقدم اقتصاديا. فحتي فئة الرأسماليين في المجتمعات الصناعية تربي أفرادها علي ترشيد الانفاق, وكانت العائلات الصناعية في بداية تشكل المجتمع الصناعي تستخدم التراكم الرأسمالي لا في الإنفاق الأحمق ولكن في مجال تحديث الإنتاج وتوسعة المصانع القائمة, وأيضا علي الابتكار التكنولوجي والذي أدي في الواقع إلي زيادة قدرة هذه المجتمعات الصناعية علي إشباع الحاجات الأساسية للجماهير العريضة. صحيح أنه حدث بعد ذلك اتجاه إزاء إنتاج السلع الكمالية التي لا يستطيع الحصول عليها سواء طبقة الأثرياء, ولكن ذلك تم بعد الارتقاء بشكل ملحوظ بمستوي الطبقات المتوسطة والفقيرة في مجالات التعليم والصحة والتأمينات وقضاء وقت الفراغ بصورة سليمة. ولكن العكس تماما حدث لدينا. انخفضت معدلات الإنتاج الزراعي نتيجة الافتقار إلي التخطيط الإستراتيجية للتنمية من ناحية, وعدم وجود خطة متكاملة للنمو الصناعي الموجه من ناحية أخري. وهكذا تركت هذه الفئات الصاعدة الفاسدة التي جنت أرباحها أساسا من المضاربة في أراضي الدولة. ومن الاعتداء لغير عقاب علي أملاك الدولة ووضع اليد عليها بناء علي تخطيط إجرامي شاركت فيه فئات عليا من المجتمع, مجال الإنتاج لكي تغزو الصين السوق المصرية بكل أنواع السلع الصينية من أول مشابك الغسل وولاعات السجائر, وحتي التوم نستورده من الصين وكذلك الأسماك, وكأننا لا نعرف لا الزراعة ولا الصيد! وأصاب الفئة المترفة هوس بناء المنتجعات علي كل السواحل المصرية, واهم شيء في أي منتجع حديث الآن في مصر المحروسة أن تتوافر فيه ملاعب الجولف! وليتأمل القاريء العزيز في هذه النكتة السخيفة! أولاد الحواري والأزقة والذين أثروا علي حساب الشعب المصري في غفلة من الزمن, أصبحوا من هواءة وخبراء لعبة الجولف والتي لم يسبق أن عرفها المجتمع المصري من قبل! ومن باب الكوميديا السوداء أن يروج أحد كبار المستثمرين العقاريين لمشروع منتجع يقيمه قائلا في إعلاناته أقبلوا وتمتعوا بلعب الجولف علي قمم الجبال. ما هذه العبقرية في الترويج الفاضح لمشروعات لم تبن إلا للقلة الذين يستطيعون شراء الوحدات المعروضة للبيع بملايين الجنيهات. إن كل هذه النتائج الاجتماعية السلبية تولدت من الفساد الإداري وخصوصا في مجال بيع من لا يملك لمن لا يستحق! وليس معني هذا علي الإطلاق أن كل الأثرياء في مصر المحروسة منحرفون! ذلك أن هناك رجال أعمال منتجين في قطاعات الصناعة والزراعة وبعضهم حقق ثروات تقدر بالمليارات. غير أن العقلاء منهم يتمتعون بثرائهم بصورة معقولة ليس فيها استفزاز لجماهير الشعب الفقيرة المصدقة. وبعضهم والحقد يقال يقومون بالمسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال خير قيام, ويسهمون بجزء من أرباحهم في مشاريع مفيدة, مثل إسكان الشباب, أو إنشاء مستشفيات حديثة يعالج فيها المواطنون بأسعار معقولة, أو يصممون برامج لتدريب الشباب والدفع بهم لسوق العمل. هذه كلها صور مشرفة, ولكنها لا تستطيع بذاتها أن تمحو من وعي الجماهير الآثار السلبية لكثرة ما ينشر عن الصور المتعددة للفساد الاداري. وآخر أخبار هذا الفساد الاداري الفاضح, الاتجار بقرارات العلاج علي نفقة الدولة والذي شارك فيه كما نشر بعض أعضاء مجلس الشعب. بل إن وزير الصحة ذاته وهو من كبار الأثرياء نشر أنه استصدر قرارا للعلاج علي نفقة الدولة! ولو صح هذا الخبر لكان كارثة كبري! وإذا أضفت إلي ذلك أن عددا محدودا من المستشفيات الاستثمارية هي التي تستفيد أساسا من قرارات العلاج علي نفقة الدولة, وهي ترفع أسعارها بدرجة مبالغ فيها للغاية, لأدركنا أن الفساد في قطاع الصحة بلغ مداه. ومن هنا كان الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب علي حق حين طلب من وزارة الداخلية أن تتحري عن وقائع الاتجار في قرارات العلاج علي نفقة الدولة وخصوصا من قبل بعض النواب المحترمين! نحتاج إلي خطة شاملة للقضاء علي الفساد بكل صوره, لأنه بالإضافة إلي أهدار المال العام يضعف في الواقع من الروح المعنوية للأمة! إن وزير الصحة ذاته وهو من كبار الأثرياء نشر أنه استصدر قرارا للعلاج علي نفقة الدولة! ولو صح هذا الخبر لكان كارثة كبري! هناك رجال أعمال منتجين في قطاعات الصناعة والزراعة وبعضهم حقق ثروات تقدر بالمليارات.