إذا ابتعدت برهة من صخب وضجيج الأصوات الزاعقة المتداخلة وهربت من نفير أبواق السيارات السمة الغالبة الملتصقة بقاهرة المعز, وأردت ان تتشبع عيناك بعبق جزء من تاريخ مصر. الذي حفر في الازمان, بصماته, توجه إلي شارع السلطان أحمد السوق بمنطقة قايتباي كما يحب اهل المنطقة بجوار مدافن قايتباي خلف حديقة الأزهر ان يسموه , يستوقفك مكان اثري جميل ينطق بعبق التاريخ وعظمة الفن المعماري انه مسجد وخانقاه السلطان برقوق والتي توحي أحجاره من الخارج بفن تتمني ان تستكشف سره واسراره التي تركتها انفاس المخلصين تدور حول الاحجار والنقوشات تأسر كل ذي لب بنضاجتها وتفردها ابد الدهر, انشأ هذا المكان السلطان الملك ابوالسعادات فرج بن برقوق فشرع في بنائه سنة801 ه في المكان الذي اوصي والده السلطان برقوق بدفنه فيه واتمه سنة813 وساهم في بعض الأعمال التكميلية به أخوه الملك المنصور عبدالعزيز عندما ولي الملك لفترة قصيرة سنة808 ه, وتوفر في هذا المبني الجليل من أغراض دينية مالم يتوافر في أي مبني أثري آخر, فقد اشتمل فضلا عن كونه خانقاه للصوفية. والخانقاه هو المكان الذي ينقطع فيه المتصوف للعبادة, واقتضت وظيفتها ان يكون لها تخطيط خاص فهي تجمع بين تخطيط المسجد والمدرسة ويضاف اليهما الغرف التي يختلي او ينقطع بها, المتصوف للعبادة والتقرب إلي الله يشتمل ايضا علي مسجد فسيح. وقبرين لأسرة برقوق وسبيلين وكتابين لتعليم القرآن الكريم. مئذنة نادرة كما حوي من المميزات المعمارية ما لم يحوه اي اثر آخر ففيه مئذنتان متماثلتان بشكل مبهر, ومئذنة فرج ابن برقوق من يحللها هندسيا وانشائيا برسوم توضيحية يتبين له الاعجاز الفني في علاقات النسب والتناسب بين أجزاء المئذنة بالإضافة لدقة المساقط الأفقية لمستويات المئذنة التي تسترعي الانتباه بشكل مثير بمجرد لمحها بالعين بسرعة وهي تشير إلي السماء في ضمة دائرية هي الهلال اعلاها وكأنها تطلب من رب السماء دائما برجاء, لا من أحد غيره في شكل ابداعي نادر لا تنتجه الا يد مسبحه شاكرة من وهبها هذا الفن الذي لا يقارن, وبالمسجد سبيلان يعلوهما كتابان وقبتان كبيرتان تتوسطهما قبة ثالثة صغيرة اعلي المحراب. ادفنوني عند أقدام الفقراء وبإيوان القبلة منبر حجري جميل محفورة به زخارف منوعة امر بانشائه السلطان قايتباي888 ه وتقوم أعلي المحراب قبة صغيرة ويكتنف هذا الايوان القبتان الكبيرتان المتماثلتان يتوصل اليهما من بابين فتحا علي الايوان المذكور, عليهما حجابان من الخشب علي هيئة اشكال هندسية ومدفون بالقبة البحرية السلطان برقوق في المكان الذي اوصي بدفنه فيه عند اقدام بعض الفقراء كما دفن بها وبالقبة القبلية بعض أولاده وحفدته. وللخانقاه مدخلان اولهما بنهاية الوجهة البحرية والثاني بنهاية الوجهة الغربية وتشير النقوش الكتابية بخط الثلث العادي, والجلي, التي بهما إلي اسم المنشيء والقابه وتاريخ الإنشاء وقد عني المهندس بالتماثل عناية عظيمة بشكل معجز للعين المجردة, فالناظر إلي الوجهة الغربية يجد بها منارتين متماثلتين وبطرفيها يقوم سبيلان متماثلان ايضا يعلوهما كتابان, كما توفر هذا التماثل كذلك في الوجهة الشرقية فبوسطها القبة الصغيرة التي تعلو المحراب وبطرفيها القبتان الكبيرتان وتحلي هاتين القبتين من الخارج خطوط بارزة محفورة في الحجر علي شكل دالات. الأثر مهدد بالانهيار وقد تتابعت أعمال الاصلاح في هذه الخانقاه خلال العشرين سنة الماضية فقامت إدارة حفظ الآثار العربية بتقوية ما تداعي من جدرانها وإعادة بناء ما فقد من بعض اجزائها فأكملت قمتي المنارتين والسبيل القبلي ومن هنا يبدو للمار بهذا المكان ان هذا الأثر النادر مهدد بالانهيار والفناء بعد ان بدا علي جدران المدخل الرئيسي للمسجد تصدع وفلق كبير طولي من أعلي قبة المدخل حتي الإطار الخشبي المرتكز عليه اسس بناء الباب ذاته, وايضا تظهر بعض التشققات يمين قبر السلطان برقوق شمال الداخل إلي قبلة المسجد في شكل مثير وملفت حتي أن بعض العصافير واليمام تسكنه وتوضع بيضها فيه بهدوء, ولا يزعجها أحد. كما يتضح فلق كبير آخر بداملفتا بشكل مهدد ومرعب لرواد المسجد كما يقول بعض الرواد وكبار السن من دائمي التركع والمكوث لقراءة القرآن او الدخول للمكان لأخذ القليل من السكينة والهدوء الغريب والأنس اللذيذ المميز للمكان, لتهدأ النفوس الثائرة إذا حدث شيء لهذا المسجد او انهار سنموت بجواره فقد ولدنا ورأيناه سامقا يطل علينا كل يوم من الصبح حتي المساء. هكذا صرخ الحاج حجازي الجمال69 سنة من رواد المسجد, ويؤكد أحمد عبدالرحمن45 عاما مهندس معماري ان الأعمدة الحديدية التي تصلب تصدع مدخل المسجد متروكة بمكانها بدون أي أعمال منذ1985 ولا يعرف اي انسان لماذا توقف الترميم والشروخ تزيد بأروقة المسجد ويأتي السياح الأجانب باستمرارللمكان للزيارة والتقاط الصور التذكارية بمكان الساقية التي كانت محل الوضوء والمصممة بشكل لامثيل له بالعالم الإسلامي اسره ويصور السياح ايضا هذه الشروخ بالفيديو كذكري لاتنسي لهذا الأثر النادر, ربما تكون المرة الأخيرة لرؤيته. لجنة الترميم لم تشكل يقول محمد عبدالعزيز مدير آثار القاهرة والجيزة بالجلس الأعلي للآثار أعددنا تصورا لتحديد درء الخطورة لحين البدء في الترميم لذلك تصلب التصدعات مؤقتا بالسلطان برقوق ولكن الميزانية لم تحدد بعد وبناء علي تحديدها سنبدأ توفيرها لأكثر من100 اثر تحتاج الترميم بالمنطقة المذكورة ونفي عبدالعزيز معرفته بان المكان مصلوب منذ1985 وقال ان الشركة المقاولة انهت اعمالهامع الأثار منذ فترة كبيرة مشيرا إلي أن برقوق لم يوضع بعد في خطة جديدة للترميم مؤكدا ان هناك متابعة شهرية للأثر ومتابعة خاصة للآثار الإسلامية وحالتها من خلال لجنة مشكلة لحصر درجات الخطورة لكل الأثر وبناء عليه تأتي الأولوية للترميم. قمة العمارة الإسلامية النادرة يقول د. محمد الكحلاوي خبير الآثار الإسلامية والأمين العام لاتحاد الأثريين العرب ترجع الأهمية التاريخية للسلطان الناصر فرج بن برقوق كونه اثرا محفوظا تاريخيا يمثل عصرا من أزهي العصور وقمة من قمم العمارة الاسلامية النادرة علي مستوي العالم, وذلك لان الخانقاه من العمارات النادرة بالفن الإسلامي وقد بني في بدايات القرن الثامن الهجري, ويعد من أعظم المنشآت الشركسية, وهو ابن السلطان برقوق واتي مباشرة بعد برقوق وهوأول من عمر هذه المنطقة, والأثر هو أول خانقاه بنيت علي غرار المسجد الجامع واول خانقاه تعامل فيها المعماري بمنظور تكرار الثنائية في منظومة معمارية فريدة ويضيف الكحلاوي ان ابن برقوق, منبع ومعين لاينضت للعديد من رسائل الماجستير والدكتوراة في الفن الإسلامي. وأكد الكحلاوي ان هذا الأثر يحتاج إلي مجموعة اعمال صيانة تليق بمكانته التاريخية والفنية لأن ما تم فيه لم يكن علي النحو الجيد وكانت تحتاج إلي اكثر من ذلك عناية ودقة لحفظ قيمته الأثرية, ونتمني فتح جميع الحجرات المغلقة المعدة سلفا لطلاب العلم والعبادة ليعود المكان منارة للفكر والعلوم كما كان.