بعد أن انتهت وزارة الثقافة من تنفيذ تجربتها الرائدة وغير المسبوقه في ازالة آثار التشويه والاهمال التي لحقت بشارع المعز لدين الله الفاطمي الموجود في قلب القاهرة التاريخية واعادته لما كان عليه في سابق عصره كأعظم شارع في القاهرة التاريخية وتحويله إلي أكبر متحف مفتوح للآثار الاسلامية، بدأ العمل في المرحلة الثانية من مشروع تطوير القاهرة التاريخية والذي يتمثل في تطوير منطقة الجمالية.. وهي التي وصفها الاديب نجيب محفوظ قائلا: "إن هذا الحي التاريخي حي الجمالية أوشياخة الجمالية ظل يأسرني داخله مدة طويلة من عمري، وحتي بعد أن سكنت خارجه، وحين استطعت أن أفك قيود أسره من حول عنقي لم يأت هذا ببساطة، إنك تخرج منه لترجع إليه، كأن هناك خيوطا غير مرئية تشدك إليه، وحين تعود إليه تنسي نفسك فيه، فهذا الحي هو مصر، تفوح منه رائحة التاريخ لتملأ أنفك، وتظل أنت تستنشقها من دون ملل". فهذا هو حي الجمالية الأثري الفريد والذي تعرض للأسف علي مر العصور للعديد من العوامل سواء الطبيعية أوالبشرية التي ادت إلي تدهور حالته. الجمالية بعد المعز فقد أعلن فاروق حسني وزير الثقافة اثناء جولته بشارعي المعز والجمالية بمرافقة فاروق عبدالسلام وكيل أول وزارة الثقافة وعدد كبير من الصحفيين انه بعد الانتهاء من ترميم اثار شارع المعز والتي وصل عددها إلي 33 أثراً يأتي الدور علي الجمالية الشارع الموازي لشارع المعز من أجل تطويره وتحويله إلي ما صار إليه شارع المعز.. فشارع الجمالية - والكلام مازال للوزير- يعد محورا مهما من محاور الآثار الاسلامية في القاهرة . حيث تتركز فيه العديد من الآثار الاسلامية، فلا يوجد مثل هذا التجمع التاريخي من مختلف العمائر الاسلامية من أسبلة وكتاتيب وخانقاوات ومدارس مثله في أي مكان في العالم. ويضيف فاروق حسني: ولعل مشروع تطوير شارع الجمالية يكون اسعد حظا من شارع المعز واعتقد انه سيتم انجازه في وقت قصير وذلك لاننا من خلال تجربة شارع المعز اكتسبنا الخبرة الكافية لكيفية التعامل مع المنطقة. ومن أكثر المشاكل ظهورا هي كثرة التعديات الانشائية في المنطقة كالورش الموجودة بالشارع والتي يبلغ عددها حوالي 45 محلا أغلبها غير مناسب للمنطقة الاثرية. لذلك تحتاج الوزارة لنقلهم لأماكن أخري ولكن اعتقد ان حلها سيكون سهلا وخصوصا وان أهالي المنطقة متعاونون معنا بشكل كبير وخصوصا انهم يحلمون باليوم الذي يصبح فيه شارعهم كشارع المعز. وأكد ان وزارة الثقافة ستتحمل نفقات تغيير البنية التحتية للمنطقة والتي تقدر بحوالي 20 مليون جنيه من أجل رفع المعاناة عن أهالي المنطقة والسرعة في تنفيذ المشروع. واثناء تفقده لآخر ما وصل اليه شارع المعز من تطوير عرض عليه المعماري جمال عامر التصور الذي وضعه للمنطقة التي تشغل مدخل باب الفتوح أمام جامع الحاكم بأمر الله حيث سيتم هدم هذه المحال التجارية لتكون ساحة فضاء حتي يظهر جمال باب الفتوح وأشار فاروق حسني لضرورة الاهتمام بتطوير أيضا المنازل الموجودة بحارة المغاربة وأرض حواء وذلك لتكتمل البانوراما الاثرية للمنطقة وضرورة الاهتمام ايضا بالشوارع الفرعية وتنظيفها وتجميلها.. وقد اقترح المعماري جمال عامر بناء فندق بالمنطقة، لكن الوزير فضل بناء مركز تجاري من طابقين وذلك لتشجيع حركة التجارة بالمنطقة وعمل مركز كمراسم للفنانين للاستمتاع بكل هذه الاثار الرائعة وصرح الوزير بان شارع المعز حاليا وصل لما يجب ان يكون عليه ونحن الان في انتظار تشريف الرئيس محمد حسني مبارك لافتتاح هذا المتحف الرائع للآثار الاسلامية. ويضيف اللواء عماد مقلد رئيس لجنة تسيير الأعمال بمشروع القاهرة التاريخية: ان مشروع احياء وتطوير شارع الجمالية بدأ بخطة من أجل تطوير البيوت السكنية الموجودة بالمنطقة والارتقاء بالبنية التحتية لمنطقة الجمالية وذلك من خلال وضع خطة لإزالة واحلال الشبكات من شبكة صرف وتغذية وكهرباء واتصالات وغاز طبيعي بالكامل وانه سيتم التعامل مع الانشطة التجارية بالمنطقة كما تم بشارع المعز حيث سيتم نقل أي نشاط ضار خارج المنطقة الاثرية والاحتفاظ فقط بالانشطة غير الضارة بالسكان والاثار وهنا اشتكي كثير من أهالي المنطقة من التلوث الذي يعانون منه نتيجة الكثير من المصانع الموجودة وتؤثر علي صحتهم بالاضافة إلي الكمية الكبيرة من القمامة المتراكمة في الاراضي الفضاء المغلقة والتي في الغالب تكون مملوكة لوزارة الاوقاف. آثار الجمالية يوضح د. مختار الكسباني استاذ الاثار الاسلامية بكلية الاثار جامعة القاهرة ومستشار الامين العام للمجلس الأعلي للأثار بانه يبلغ طول شارع الجمالية حوالي 500 متر من باب النصر حتي المشهد الحسيني فهومقام علي جانب القاهرة الشرقي يحدّ «الجمالية» من الشرق شارع المعز ومنطقة بين القصرين، ومن الشمال والغرب أبواب القاهرة، الفتوح والنصر، وجزء من السور الفاطمي، ومن الجنوب شارع الأزهر، وكانت تقام علي تلك المساحة كلها التي كانت تقدر بخمس مساحة القاهرة الفاطمية قصور الخلافة الفاطمية بملحقاتها عندما كانت القاهرة مقر الخلافة الفاطمية، وبعد سقوطها في سنة 1171 علي يد صلاح الدين الأيوبي أخذ العامة يسكنون أجزاءً من القصر الفاطمي الذي أخذ في التدهور وتلاشت أجزاؤه علي مر الزمن. وأسس أمراء الدولة المملوكية في عصر السلطان الظاهر برقوق، خان الخليلي عام 1382 علي أنقاض مقابر الخلفاء الفاطميين في مصر التي عرفت باسم «تربة الزعفران»، وكانت تشكّل الجزء الجنوبي من قصر الخلافة الفاطمي. بدأت «الجمالية» في الظهور عندما انتهك الأمير جمال الدين يوسف الأستادار أملاك الغير وحلّ الوقفيات في منطقة رحبة باب العيد، أحد أجزاء القصر الفاطمي، لبناء مدرسته وقصره لتعليم الاطفال، ومن بعده سكنت عامة الشعب الحي فظهرت فيه الأزقة وتشعبت. ويضيف د.الكسباني: يضم حي الجمالية 22 أثرا يعد من أهمها باب النصر الموجود بالجهة الشمالية من سور بدر الجمالي بجوار جامع الحاكم بالجمالية شُيد في عام 480 ه / 1087 ، ووكالة السلطان قايتباي وهي من أجمل النماذج لفن الزخارف الإسلامية التي لازمت العمارة الإسلامية، وحيث تتبع نظام الوكالات التي شيدت في العصر المملوكي الجركسي وبعدها علي اليسار يوجد حوش عطي ويعني الحوش المحل الواسع ويقصد به فناء الدار والتي توجد عادة خلف مدفن السلطان أوالأمير وتعد لدفن الأقارب أوغيرهم. وقد انشأه الامير سليمان أغا السلحدار وعلي اليسار يوجد خانقاه بيبرس الجاشنكير والخنقاه قد فسرها الجاحظ وابن بطوطة والمقريزي بأنها كلمة باللغة الفارسية تعني بيت العبادة تعد خانقاه بيبرس الجاشنكير أقدم خانقاه لا تزال قائمة في القاهرة ومنارتها ذات طراز فريد.بدأ بيبرس في بنائها في عام 1307 قبل أن يتسلطن وأنهي بناءها في عام سلطنته 1309. وصفها المقريزي بأنها أجمل خانقاه بالقاهرة وأن من جمالياتها الشباك الكبير الذي يكاد يتبين عليه "أبهة الخلافة" والذي حمله الأمير البساسيري من بغداد إلي القاهرة بعدما استولي المغول علي بغداد في عام 1258. وكان بالخانقاه مطبخ يوزع كل يوم اللحم والخبز والحلوي علي الصوفية والفقراء المقيمين بها وكان القرأن يتلي فيها دون انقطاع عند الشباك الكبير وكان الحديث النبوي يدرس بالقبة ولكن أغلق السلطان الناصر محمد الخانقاه وأزال اسم بيبرس من طرازها بعد القبض علي بيبرس وقتله ثم أعيد فتحها بعد عشرين سنة من غلقها ، وفي المقابل من الخانقاه يوجد سبيل غطاس أول الضرب الاصفر ، وخانقاه سعيد السعداء تقع هذه الخانقاه بشارع الجمالية بجوار مدرسة الجمالية الابتدائية، وكانت هذه الخانقاه في الأصل دار سكنها عدة أشخاص في العصر الفاطمي. ثم أمر صلاح الدين الأيوبي بتحويلها إلي دار للصوفية حيث أوقفت علي فقراء الصوفية من مختلف بلاد العالم الإسلامي وقد جددها العزيز عثمان بن صلاح الدين سنة 593 ه / 1196 م وأوقف عليها عدة أوقاف منها وكالة بمدينة دسوق نص نقشها التأسيسي علي أنها أوقفت علي دار سعيد السعداء بمحروسة القاهرة. وقد تغيرت معالم هذه الدار في عهد الأشرف قايتباي، وهي تتكون من صحن أوسط يتعامد عليه أربعة إيوانات أي أنها تتبع التخطيط المتعامد، والإيوان الجنوبي الشرقي هو الأهم، وهو مقسم إلي ثلاثة أروقة. كما يطل علي الصحن بائكة مكونة من خمسة عقود محمولة علي أربع دعامات حجرية مثمنة. ويوجد المحراب بهذا الإيوان. وسيتم تحويل هذه الخانقاه بعد الانتهاء من ترميمها إلي مركز للإرشاد الديني مرة آخري، وكالة وسبيل أودة باشا الموجودة الان تحت الترميم ومدرسة قراسنقر التي انشأها الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري نائب السلطنة وهو من أمراء عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون عام 700ه / 1300م تشغل المدرسة الآن مدرسة الجمالية الابتدائية، وأغلب الظن أن هذه المدرسة كانت تتبع طراز المدارس المنتشرة في عصر المماليك البحرية ومسجد محمود محرم وقصر المسافرخانة حتي مشهد الحسين ووكالة وقف الحرمين ووكالة بازرعة ومسجد سيدي المرزوق. يعتبر مشروع تطوير واحياء شارع الجمالية وامتداد شارع الصاغة حتي منطقة الغوري فبوابة زويل المرحلة الثانية من مشروع تطوير القاهرة التاريخية وقد انتهت الدراسات وبدأ التنفيذ بالفعل حاليا كما يتم حصر الاراضي الفضاء الموجودة بالمنطقة والتابعة لوزارة الاوقاف وللأسف مستخدمة كموقع لالقاء القمامة فيه لذلك ستحاول وزارة الثقافة شراء هذه الاراضي وبناء عليها مبان جديدة تتماشي مع المنطقة الاثرية لنقل أهالي المنطقة بها.