دأب شريف منذ نعومة أظافره علي افتعال المشكلات والأزمات, بينما كانت أسرته البسيطة تغض البصر عما يفعله, لعل وعسي أن تصلح الأيام والظروف من أحواله عندما يشب وتتسع مداركه. لم يكن الأب المغلوب علي أمره يتوقع يوما ما أن يصل الحال بفلذة كبده إلي الاتجار بالمخدرات, وهو الذي استقبل لحظة ميلاده في إحدي نجوع مركز دراو بفرحة ما بعدها فرحة, حيث تتجسد معاني الشهامة والكرم والعروبة, وقلما شذ واحد من أهالي هذا المركز, وتيمنا بهذه القيم وبعد أيام قليلة من خروجه إلي الدنيا, اجتمعت أسرته لتقرر تسميته شريف حتي يكون إنسانا نافعا لأهله وبلدته, ولكن شريف خيب آمال الجميع بعد أن وضحت علي وجه وتصرفاته ملامح الشر منذ التحاقه بأول مراحل التعليم, وعبثا حاول الأب ومن بعده الأعمام تقويم سلوكه ولم يجدوا منه أي استجابة, الأمر الذي تسبب في هجره للتعليم لينضم إلي خانة العاطلين المتسربين من التعليم, وهو الذي لم يكن قد أكمل عامه السابع بعد. في هذه السن المبكرة, خرج الطفل الصغير وبأمر من أبيه ليبحث عن أي عمل يوفر من خلاله جنيهات قليلة تكفي لمصروفه اليومي فالتحق بإحدي الورش الميكانيكية حتي يتعلم حرفة ربما تنفعه عندما يكبر, وهناك بدأ الدخول في مرحلة أخري من حياته بعد أن خالط الصالح والطالح من البشر, والتقي بعدد من أرباب الشر الذين تعلم علي أيديهم التدخين ثم تعاطي المخدرات وإدمانها التي قادته إلي ارتكاب العديد من المشكلات انتهت بطرده من الورشة ليبدأ رحلة البحث عن عمل جديد. ومع كلام الناس, عادت أسرة شريف لتحاول مجددا احتواء ابنها وعلاجه, وبعد جلسات تارة ودية وأخري عنيفة انتهت بالفشل, قرر شريف الاستقلال بحياته بعيدا عن ديوان العائلة ورحل إلي إحدي النجوع القريبة للإقامة مع أحد أصدقائه الذي أقنعه بالعمل مزارعا لدي إحدي العائلات, وكالعادة فشل شريف في عمله الجديد بعد أن ضاق مالك الأرض الزراعية به ذرعا. وبعد ليالي سوداء مرت به أغراه صديق آخر بأن السبيل للمجد والمال هو الاتجار في البانجو ولو بكمية صغيرة, وما إن وجد هذا الصديق استجابة سريعة من شريف حتي توسط له لدي أحد التجار لمساعدته علي أن يقوم بتوصيل البانجو إلي المدمنين مقابل نسبة بسيطة من المال. وبمرور الأيام بدأ شريف يفكر في الانسحاب من العمل مع هذا التاجر, بعد أن لمس بنفسه المكاسب الخيالية التي يحققها من تجارته المسمومة, ولعب الشيطان برأس شريف ليقرر الاتفاق مع مجموعة من تجار الصنف للحصول علي حصة ثابتة من السموم البيضاء يقوم بسداد ثمنها في نهاية كل يوم, ومع التزامه بالاتفاق ومن فرط فرحته بالأموال التي سال لها لعابه زاد سقف طموحه وتوسع في أصناف تجارته مابين البانجو والحشيش والأفيون والأقراص المخدرة, وذاع صيته بين المدمنين الذين لقبوه بالشريف, حتي وصلت شهرته إلي رجال مباحث المركز الذين طاردوه كثيرا ولم يفلحوا في القبض عليه, حيث كان دائم الهروب نهارا مختبئا بين المزارع. ومن خلال جهود رجال الشرطة السريين, أكدت التحريات التي قاموا بها أن شريف قد اتخذ بيتا مهجورا بأحد النجوع ليكون مقرا لتوزيع البانجو في الساعات المتأخرة من الليل, كما أكدت المعلومات التي توصل لها رجال المباحث من خلال عملائه المدمنين عزمه علي تسلم كمية من البانجو خلال أيام, وعلي الفور تم وضع كل هذه التفاصيل أمام اللواء نائل رشاد مساعد وزير الداخلية ومدير أمن أسوان الذي كلف اللواء إبراهيم مبارك مدير المباحث الجنائية بسرعة ضبطه وتقديمه للمحاكمة حتي ينال جزاء ما اقترفت يداه. بعد تقنين الإجراءات ووضع الخطة المناسبة للقبض عليه, تحرك فريق من مباحث المديرية بالتنسيق مع رجال مركز دراو, وفي التوقيت المحدد, فوجئ شريف برجال الأمن يحيطون به من كل جانب ولم يجد مفرا من الاستسلام رافعا الراية البيضاء, ليسقط وبحوزته2 كيلو جرام من البانجو وفرد خرطوش محلي الصنع مبديا الندم علي ما فعله بأهله وأسرته ومجتمعه, وأمام النيابة العامة تم عرض المتهم غير الشريف لتقرر النيابة حبسه وإحالته إلي المحاكمة.