هناك في أقصي الجنوب وفي قرية من قري مركز كوم أمبو بأسوان, تجاوزا المراهقة بقليل لكن أحلامهما كانت كبيرة مثل الجبال القريبة من موطنهما. أحلام عصفورين لا نعرف كيف تسربت إلي عقلهما الصغير..هل هي أفلام أجنبية تبث سمومها وتصور عالم المخدرات عالم بطولة يكبر فيه الصغار بكل سهولة؟ أم هي شبكة الإنترنت التي دخلت العقول قبل البيوت وأطلقت العنان لكل شر يقتحم البيئات البريئة وتعيث فيها فسادا؟ أسئلة تحتاج إلي جهود ضخمة من علماء الاجتماع والنفس فناقوس الخطر يدق بكل قوة وعنف وربما صمت الآذان أو لم تعد تلقي بالا. لم يتجاوز الأول السابعة عشرة من عمره, فيما كان الثاني في عمر التاسعة عشرة. تمرد الأول مبكرا وخرج من التعليم بعد أن صار مدمنا للأقراص المخدرة, فمن أين أتي بالمال, وأين كانت رقابة الأسرة..في تلك البيئة المحافظة, أسئلة جديدة تطل من جديد كلما زادت التفاصيل. بعد أن هرب زيدان وشق عصا الطاعة علي أسرته, أعلن أعمامه براءتهم منه, فهو ربيب أسرة مفككة اجتماعيا, فوالده يبدو أنه كان ضعيف الشخصية, فلم يستطع كبح جماح ابنه, وتدخل الأعمام لردعه لكن دون جدوي. لم يكن أمام زيدان وهو في سن السابعة عشر إلا أن يفتش في دفتر أوراق صداقته القديمة, حتي تذكر صديق طفولته أمين الذي هرب أيضا من أسرته, وظل يبحث عنه في كل مكان حتي استدل علي عنوانه ليلتقيا معا داخل إحدي المناطق الجبلية, حيث دار حوار طويل بينهما انتهي بموافقة الأخير علي استضافة صديقه القديم لحين ميسرة, ولكن هذه الميسرة تأخرت كثيرا فدب القلق في قلب زيدان الذي وجد نفسه ضيفا ثقيلا علي صديقه. وفي ليلة من ليالي المزاج, فتح أمين الكلام مع زيدان عارضا عليه العمل معه كصبي من صبيان أحد التجار, فرفض الأخير مبررا رفضه العمل كصبي, فذلك لن يرضي غروره أو طموحه في أن يمتلك مئات الألوف من الجنيهات, ولكن بعد أيام عاد الأول ليجدد عرضه محاولا إقناعهبأن العمل في هذا المجال منفردا يحتاج إلي خبرات كبيرة في التعامل مع كبار التجار ومزارعي البانجو ويحتاج أيضا لإثبات الثقة, فالكبير لا بد أن يبدأ صغيرا. وافق زيدان علي العرض ولكن بشرط أن يكون عمله مؤقتا حتي يكتسب الثقة والخبرة وطوال عام كامل ظل زيدان يرصد دقائق الأمور عند التاجر الكبير الذي اصطحبه ذات مرة لتسلم صفقة من الصفقات باعتباره وجها جديدا غير مألوف لدي أجهزة الأمن, وفي هذه اللحظة تنفس زيدان الصعداء وانفرجت أساريره فرحا بأنه وصل لنقطة بداية مشواره الذي كان يبحث عنه. عاد الصديق الصغير ليحكي لصديقه تفاصيل هذا اللقاء وهو يجدد كلامه القديم بأن الفرصة قد جاءت إليهما علي طبق من ذهب ليقفزا إلي دنيا جديدة تحقق لهما طموحهما, فالأمر يبدو سهلا, وبالفعل توجها إلي أحد مزارعي البانجو في منطقة جبلية وعرة عارضين عليه الاتفاق علي كمية صغيرة من البانجو علي أن يسددا ثمنها فور الانتهاء من توزيعها, وتكررت الصفقات الواحدة تلو الأخري حتي حققا ربحا وفيرا مكنهما من التعاقد علي الصفقة الكبري المنتظرة من البانجو والأفيون, وهي الصفقة التي كانت تحت رقابة رجال مكافحة المخدرات ورجال مباحث كوم أمبو. ومع تكثيف الرقابة الأمنية والتأكد من دقة التحريات التي دلت علي تسلم زيدان وأمين الصفقة, وعقب وتقنين الإجراءات واستئذان النيابة العامة, توجهت حملة مشددة إلي وكر الصديقين, حيث تم ضبطهما في حالة تلبس وبحوزتهما50 كيلو جراما من البانجو وربع كيلو أفيون, بالإضافة إلي بندقية آلية, لتقرر النيابة حبسهما في المحضر رقم4480 لسنة2017 وتنتهي بذلك أحلام زيدان التي كانت كأحلام العصافير.