تمر الأيام والسنون و تظل ذكري ثورة يوليو علامة فارقة في ذاكرة الوجدان المصري لا يمكن تنسي ذكرياتها المروية من الأجداد ولا من المؤرخين أو الدراما والأغاني الوطنية والأعمال السينمائية التي مازالت الألسنة تتندر بها.. بالرغم من اتفاق البعض علي عدم ارتقائها بالتعبير الأمثل عن ثورة تنسم أبناء المحروسة التحول إلي الأفضل بعد صباح23 يوليو..1952 وتفوق الأغاني الوطنية عليها في التعبير عن تلك الفترة المهمة. حفرت يوليو مكانا في التاريخ والأهم في وجدان الشعوب بنجاحاتها آنذاك واستنشقت الأنفس عبير حرية الاستقلال عن المحتل في أكثر من بلد عربي رأي في النموذج المصري أيقونة تحتذي. الأهرام المسائي تستعيد أجواء تغنت فيها القلوب والمشاعر قبل الألسنة شوف هنا جنب المصانع والمداخن والزحام..الغيطان إلي آخرها المدنة وأبراج الحمام.. والسواقي اللي ما نامت ليله من كام الف عام.. شوف جمال الريف وآمن بالمحبة والسلام حتي تصل إلي أبيات الجنود اللي بيحموا مجدنا من كل عادي.. الصفوف اللي يبنوا بعزمهم نهضة بلادي اللي خطوتهم تبوسها أرضنا وتقول ولادي.. نادوا بالحرية قام الشعب واتحدي المحال- إلي أن ختمت سيدة الغناء العربي أم كلثوم الملحمة الغنائية الراقية ب والأمل أصبح عمل والخيال أصبح نضال هي دي ثورة بلادي اللي حققها جمال إنها أجواء حب تراب الوطن الذي أطلق عليه الشعراء.. التبر وهو الذهب الخالص دون شوائب.. وإذا كان الشعب المصري يحتفل هذه الأيام بذكري ثورة23 يوليو التي قام بها أبناؤه من الضباط الأحرار بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وأسقطوا نظاما ملكيا استبداديا فاسدا تحالف مع الاحتلال ضد استقلال وحرية الشعب المصري, فإن المتابع لثورة يوليو يجدها في تاريخ مصر بسبب التحولات التي أحدثتها تلك الثورة في جميع جوانب الحياة خاصة أن التاريخ المعاصر وتناوب الأيام وتغيير الحكام يثبت أن القوات المسلحة دائما بذور الوطنية هي نبعه وأيقونته, وهناك تشابها كبيرا بين ثورة23 يوليو وثورتي25 يناير2011 و30 يونيو2013 فالجيش في ثورة23 يوليو كان معبرا عن إرادة واحتياج شعب لم تتوافر له إمكانات القيام بثورة فقام بها أبناء الشعب من الجيش بما يمتلكونه من وعي وإمكانات, ودليل ذلك أن الشعب التف فورا بجميع أطيافه حول الجيش وأما ثورتا25 يناير و30يونيو فقد انحاز الجيش المصري لإرادة الشعب وليس لرغبة الحكام وتم إسقاط الأنظمة ومساعدة الشعب في تحقيق أهدافه التي هي نفسها التي قامت من أجلها الثورة منذ61 عاما وهي( الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية). وتاريخيا يعلم القاصي والداني أن مبادئ ثورة يوليو الستة من أهم التحولات التي غيرت تاريخ مصر المعاصر والتي ركزت علي القضاء علي الاستعمار وأعوانه والإقطاع ومساوئه والاحتكار وسيطرة رأس المال علي الحكم وإقامة عدالة اجتماعية وجيش وطني قوي والذي يعد نقطة اختلاف وحيدة بين ثورة يوليو وثورتي يناير ويونيو حيث إن ثورة يوليو أحد مبادئها بناء جيش مصري حديث علي عكس ثورتي25 يناير و30 يونيو حيث إن مصر بها جيش قوي وحديث ومدرب. كما ركزت ثورة يوليو علي إقامة حياة ديمقراطية سليمة وانحيازها التام للفقراء ومحدودي الدخل حيث تم وضع قوانين الضمان الاجتماعي, والتأمين الصحي, والعلاج المجاني, وإصلاح قوانين العمل لحماية الطبقة العاملة من استغلال أصحاب العمل وضمان مستوي معيشي أفضل, فصدر القانون الوزاري رقم65 لسنة1952 والخاص بتحديد الحد الأدني لأجور عمال الزراعة وذلك بقصد تحسين أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية, كما صدر القانون رقم318 لسنة1952 بشأن تنظيم عملية التوفيق والتحكيم فيما يقوم بين العمال وأصحاب الأعمال من منازعات ومشكلات تخص العمل وتتعلق به, وقد حرص هذا القانون علي إصدار حقوق العمال كاملة وبما يحفظ كرامتهم, ثم صدر بعد ذلك القانون رقم319 لعام1952 وهو أول قانون يصدر في مجال العمل النقابي في عهد الثورة, وقد اشتمل هذا القانون علي الكثير من المزايا والحقوق النقابية التي أتاحت للنشاط النقابي لأول مرة في مصر العمل في حرية, وبنهاية عام1956 تكونت52 نقابة تضم حوالي الثلاثين ألف عامل. وفي17 من سبتمبر عام1953 أصدرت الحكومة مرسوما بإنشاء المجلس الاستشاري الأعلي للعمل يختص ببحث مشكلات العمل والعمال, وتم إنشاء الاتحاد العام لنقابات عمال مصر في يناير.1957 وفي عام1961 صدرت قوانين تحدد الحد الأعلي للمرتبات والدخول الفردية بغرض التقريب بين الطبقات الاجتماعية. بادرت ثورة يوليو بالقضاء علي الإقطاع الذي سيطر علي الغالبية العظمي من فلاحي مصر, وذلك عن طريق تحديد الملكية الزراعية, والذي تم بمقتضي قانون الاصلاح الزراعي الذي صدر في9 سبتمبر1952, وذلك بهدف إعادة توزيع الملكية الزراعية, وتحديد العلاقة بين المستأجر ومالك الأرض الزراعية ورفع مستوي معيشة العمال الزراعيين والعمل علي زيادة إنتاجية الأرض الزراعية, وتحرير الفلاح من استغلال الاقطاع. و شهدت الفترة من عام1952 إلي عام1961 إعادة تكوين المجتمع الزراعي في مصر, بمنع تحكم كبار الملاك, وتحرير قوي الانتاج الزراعي, وإنشاء تعاونيات الإنتاج, وتحديث أسلوب السياسة الزراعية, وإنشاء نقابات العمال الزراعيين. وأدت سياسة الإصلاح الزراعي إلي زيادة عدد ملاك الأرض الزراعية من نحو2801 ألف مالك قبل صدور قانون1961 إلي نحو3211 ألف مالك في عام1965, وهو ما يعني أن عدد الملاك زاد بنسبة14.6% في الفترة من(1953 1965), كما ارتفع مستوي معيشة الفلاح نتيجة زيادة دخله, وحقق قانون تحديد الايجارات زيادة في مجموع دخول المستأجرين وحصل المستأجرون علي قروض من بنك التسليف الزراعي بدون فوائد تقدر بنحو60 مليون جنيه حتي عام.1963 كما نجحت الثورة في تحقيق التحرر الاقتصادي وكسر الاحتكار والخروج من سيطرة رأس المال علي الحكم, وتنظيم الاقتصاد القومي وفق خطط مرسومة, وذلك من خلال خطوة مهمة بدأت بتأميم شركة قناة السويس عام1956 وتحويلها إلي شركة مساهمة مصرية.وفي عام1957 أصدرت حكومة الثورة قرارات التمصير( التأميم) وشمل ذلك البنوك وشركات التأمين ووكالات الاستيراد, وفي فبراير1960 أممت الثورة البنك الأهلي وبنك مصر, ثم قامت بحركة تأميم كبري في يوليو عام1961, ثم في يوليو عام.1962 وقد أدت هذه السياسة ليس فقط إلي القضاء علي الاحتكار وسيطرة رأس المال, وإنما أدت أيضا إلي تحرير العمال ورفع مستواهم وإعطائهم نسبة من أرباح الشركات, وضمنت أيضا هذه السياسة موردا ماليا للدولة مكنها من تنفيذ سياستها في مرحلة بناء المجتمع. أدركت ثورة يوليو حسب تقارير الهيئة العامة للاستعلامات- حجم التباين الطبقي والتمايز الاجتماعي الذي يرتبط بنظام الاقطاع وسيطرة الاحتكار علي مؤسسات الدولة, فلم تكن قرارات تحديد الملكية الزراعية وتأميم الشركات الكبري ذات بعد اقتصادي فقط بل ذات أبعاد اجتماعية ضخمة أدت إلي التقريب بين طبقات المجتمع, وجاءت هذه الاجراءات مصحوبة بإلغاء الألقاب والرتب في30 يوليو عام1952, وبذلك تخلص الشعب من طبقة البكوات والباشوات. وقد تطلبت النهضة الاجتماعية عقب ثورة يوليو برنامجا ضخما لتحقيق العدالة الاجتماعية, فوضعت تشريعات كثيرة من أجل زيادة نصيب الفرد من الخدمات وإتاحة تكافؤ الفرص في التعليم والثقافة, وتم تطبيق مبدأ التجنيد الإجباري. بدأت بالصناعة حيث تركزت مجهودات تنمية الصناعة علي الاهتمام بتطوير الصناعات القائمة مثل الغزل والنسيج وحلج القطن وإنشاء شركات الأسمدة والسكر وتأسيس الشركات الغذائية والكيماوية والحديد والصلب وركزت الحكومة علي الاهتمام بالصناعات الإستراتيجية. كما أنشأت الحكومة في يناير1957 المؤسسة الاقتصادية بهدف تنمية الإنتاج القومي عن طريق القطاع العام والذي يمثل كل ما يمتلكه الشعب ملكية جماعية ويقوم بتمويله كما تقوم الحكومة بإدارته وتوجيهه والإشراف عليه. كما تم في العام نفسه إنشاء أول وزارة للتخطيط, ووضعت أول ميزانية نقدية للبلاد في أول يناير عام1957, وكانت ربع سنوية كأساس لبدء عملية تخطيط شامل كما أنشئ المجلس الأعلي للتخطيط القومي ويرأسه رئيس الجمهورية بهدف وضع وتحديد الأهداف الاقتصادية والاجتماعية ولإقرار خطة التنمية, كما صدر القانون رقم232 لسنة1960 في شأن التخطيط القومي والمتابعة. أعدت أول خطة خمسيه للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في تاريخ مصر(19651964/19601959) تعقبها خطة مماثلة لتكون خطة عشرية تهدف هذه الخطة كما جاء في مقدمتها إلي مضاعفة الدخل القومي خلال عشر سنوات ورفع مستوي الرخاء والعزة لأفراد الشعب عن طريق الإسراع بمعدل تنمية الاقتصاد القومي ودفع عجلة الإنتاج في جميع الأنشطة الاقتصادية في صورة متوازنة ومترابطة. وقد أسفرت نتائج الخطة عن زيادة قيمة الإنتاج وارتفاع مستوي المعيشة وتحسن الخدمات في قطاع التعليم والصحة والسكان والنقل بالمقارنة بالفترة السابقة.