مع نجاح ثورة30 يونيو2013 في إسقاط حكم تنظيم الإخوان, بدأت مصر تواجه موجة جديدة من التطرف والإرهاب, ليس في شمال سيناء فقط وإنما أيضا في محافظات الوادي. وقد تزامن حشد الدولة لقدراتها من أجل مكافحة هذا التهديد مع ضرورة المضي قدما في تنشيط الاقتصاد, وفي الوفاء بالاستحقاقات السياسية التي تضمنتها خريطة الطريق المعلنة في3 يوليو2013, وهو ما خلق للدولة تحديات من نوع خاص أثرت علي مجالات متعددة. وخلال السنوات الخمس الماضية, تم تبني مجموعة من السياسات لمكافحة الإرهاب والتطرف تمثل مثلثا زواياه الإرهابيون والمواطنون والأفكار المتطرفة. وقد جعلت هذه السياسات الدولة أكثر قدرة علي مكافحة الإرهاب مقارنة بسنوات سابقة. وهذا ما أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في حواره مع ساندرا نشأت حين تحدث عن أن خطر الإرهاب تراجع إلي نسبة10%. كما تراجع ترتيب مصر من حيث حجم الأثر الاقتصادي الناتج عن الإرهاب إلي رقم11 وفق تقرير مؤشر الإرهاب العالمي في نسخة عام2017, بينما كان ترتيبها رقم9 في نسخة التقرير عام.2016 - نموذج المنطقة العازلة: ظلت مصر في مختلف المحافل الإقليمية والدولية تؤكد أن موجة الإرهاب والتطرف التي تواجهها تتغذي علي دعم توفره قوي إقليمية ودولية, وأن هذا الدعم في شكله المادي سواء كان في صورة أسلحة أو دعم لوجستي أو دعم بشري يجد طريقه إلي داخل البلاد عن طريق الأنفاق التي كانت موجودة في منطقة الحدود مع قطاع غزة, أو عن طريق المهربين النشطين في منطقة الحدود الغربية مع ليبيا ومنطقة الحدود مع السودان. ومنذ أن أعلنت الدولة في أكتوبر2014 عن تنفيذ منطقة عازلة بعمق1.5 كلم علي طول الحدود مع قطاع غزة, وما صاحب ذلك من تدمير للأنفاق الموجودة في هذه المنطقة ونقل المقيمين في رفح والشيخ زويد إلي مدن أخري, وجهت لها انتقادات كثيرة من قبل المجتمع الغربي. ومع تقدم تنفيذ المنطقة العازلة, أصبحت المنطقة محط تقييم ودراسة من العديد من الجهات الدولية المعنية, وأصبحت كذلك نموذجا يمكن أن يحتذي به في تأمين المناطق الحدودية, لاسيما وأن حركة حماس أعلنت منذ فترة عن استعدادها للعمل علي إنشاء منطقة عازلة في داخل القطاع وعلي طول الحدود مع مصر وبعمق200 متر. ويعد إنشاء هذه المنطقة مكملا لمنظومة تأمين خط الحدود بين مصر وإسرائيل, والتي ظلت لفترة طويلة تعتمد بصورة كبيرة علي السياج الذي أنشأته إسرائيل لتأمين حدودها الجنوبية مع مصر وللتصدي لموجات الهجرة غير الشرعية. بعبارة أخري, إذا كان إنشاء سياج مجهز بمجسات إلكترونية قد سيطر لفترة علي المناقشات الخاصة بتأمين المناطق الحدودية, فإن المنطقة العازلة التي تنفذها مصر في شمال سيناء أصبحت تقدم مدخلا مكملا لتأمين تلك المناطق. - المواطن من ضحية للإرهاب إلي شريك للدولة أشار الرئيس السيسي في مؤتمر حكاية وطن يناير2018 إلي أن إجمالي عدد المصابين بسبب الإرهاب يتراوح بين12 إلي13 ألف مصاب, وبالنظر إلي إجمالي الشهداء من رجال الجيش والشرطة فضلا عن المدنيين الذي يقعون ضحايا للعمليات الإرهابية, يمكن القول إن التكلفة البشرية كبيرة جدا. تستمر الدولة رغم محدودية مواردها الاقتصادية في توفير تعويضات مالية لكل من أضير من الإرهاب بما في ذلك الضحايا المدنيين وذلك من خلال التعامل مع كل حالة علي حدة, فمثلا أمر الرئيس السيسي بعد حادث جامع الروضة في بئر العبد بصرف200 ألف جنيه لأسرة كل شهيد و50 ألف جنيه لكل مصاب, وذلك إلي جانب قرار وزير التربية والتعليم بإعفاء أبناء شهداء الإرهاب من الرسوم الدراسية في المدارس الحكومية, والقرارات المتعلقة بأولوية تعيين أبناء الشهداء في المؤسسات الحكومية.ويناقش مجلس النواب مشروع قانون خاص بضحايا الإرهاب, وهو معروف إعلاميا بقانون تعويض أسر الشهداء المدنيين. كما سعت الدولة بطرق مختلفة لتحويل المواطن من كونه ضحية أو هدفا محتملا للعملية الإرهابية الي شريك فعال في جهود مكافحة الإرهاب بطرق مختلفة, كان منها تخصيص خط ساخن للشرطة والجيش للإبلاغ عن الأعمال المشتبه فيها والتي يمكن أن تتطور إلي عمل إرهابي, مع اهتمام خاص بالمحافظات المجاورة لشمال سيناء والتي تظل المحافظة الأكثر تأثرا بموجة الإرهاب الحالية التي تتعرض لها الدولة. واهتمت الدولة كذلك ببناء قدرات المواطن من خلال رفع وعيه بكيفية التصرف في أثناء تواجده في موقع الحدث الإرهابي, وكيفية تقديمه المساعدة الأولية للمصابين في مكان الحادث, فضلا عن كيفية تصرفه في الفترة السابقة والفترة التالية علي وقوع الحادث الإرهابي, من خلال تدريب متنوع يتم تقديمه في هذا الخصوص. ومثل هذا النوع من التدريب يساعد في تقليل فرص تعرض المدنيين للإيذاء في أثناء وقوع العمل الإرهابي, كما أن شراكة المواطن مع قوات إنفاذ القانون تساعد في تجميع أفضل للمعلومات وتسهل جهود تلك القوات في إحباط أي مخططات إرهابية, خاصة في حال تمركز الخلايا الإرهابية في داخل المناطق كثيفة السكان. -مكافحة الإرهاب تتطلب مكافحة الأفكار المتطرفة ترتبط المكافحة الفعالة للإرهاب بمكافحة الأفكار المتطرفة وتحصين المجتمع في مواجهة البروباجاندا الخاصة بالخلايا والتنظيمات الإرهابية والتي أصبحت متقدمة ليس من حيث استخدامها للتكنولوجيا الحديثة فقط, وإنما أيضا من حيث تطويرها لرسائل ذات طبيعة نوعية. وفي هذا السياق, تنشط المؤسسات الدينية ممثلة في الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف لمواجهة التطرف الديني داخل الجوامع في المدن والقري والنجوع, وتقوم بالتعاون مع مؤسسات الدولة بتنفيذ قوافل للتوعية بالإسلام الوسطي, وتعمل كذلك علي مكافحة انتشار الأفكار المتطرفة والإرهابية علي مواقع التواصل الاجتماعي. ويلاحظ أن ما يبذل من جهود من قبل الدولة يظل يتعامل مع التطرف الديني باعتباره الصورة الرئيسية للتطرف المسئولة عن العمليات الإرهابية التي نشهدها, ويتم التغافل عن أهمية الأبعاد السياسية والاجتماعية للتطرف في أحيان كثيرة. كما أن ما يبذل من جهود في مواجهة التطرف الديني هي جهود متناثرة بين مؤسسات الدولة, ولا توجد جهة تنسقها. وتعد كيفية مواجهة الأفكار المتطرفة دينيا علي الإنترنت مثالا جيدا علي ذلك, في حين أنه من المهم أن تتكامل الجهود و بهدف تطوير رسائل تتلاءم مع طبيعة الفئة التي يتم استقطابها علي الانترنت من قبل العناصر الإرهابية. إن تطوير سياسات مكافحة الارهاب التي تتبناها الدولة خلال الفترة المقبلة أمر ضروري, خاصة أن السياسات المتبعة حاليا رغم ما حققته من إنجازات لا تزال بها بعض الفجوات, كما أن استمرار التطور النوعي للعمليات الإرهابية من حيث طبيعة الأهداف التي تستهدفها ومن حيث طبيعة العناصر التي تنفذ تلك العمليات, يتطلب تطويرا مستمرا لسياسات المكافحة. * خبير في الأمن الإقليمي وقائم بأعمال رئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية