في تحليل حصاد سياسات مكافحة الإرهاب خلال العام الماضي, تهتم العديد من مراكز الفكر الغربية والعديد من المهتمين بالإرهاب في مصر بالتركيز فقط علي الإجراءات الأمنية, ويتم إهمال أبعاد أخري في سياسات مكافحة الإرهاب, ويتم التوصل باتباع ذلك المنهج الي استنتاج بأن هناك عسكرة وأمننة لمكافحة الإرهاب في مصر. وفي المقابل, تحدد أدبيات الإرهاب ثلاثة مستويات رئيسية لسياسات مكافحة الإرهاب; المستوي الأول هو التعامل مع العناصر الإرهابية ذاتها, والمستوي الثاني هو التعامل مع ضحايا الإرهاب, والمستوي الثالث هو منع انتشار الإرهاب من خلال تحصين المجتمع عن طريق تطوير برامج فعالة لمكافحة التطرف. وعند تطبيق هذه المستويات علي سياسات مكافحة الإرهاب في مصر, نجد أن هناك جهودا حقيقية تبذل في المجالات غير العسكرية وغير الأمنية, وهي بطبيعة الحال بحاجة لمزيد من التطوير, ولكن من المهم وضعها في الاعتبار عند محاولة تحليل حصاد العام الماضي في مجال مكافحة الإرهاب. فيما يتعلق بالمستوي الأول والخاص بمواجهة الإرهابيين, شهد العام الماضي كثافة عمليات المداهمة والمكافحة التي نفذتها قوات انفاذ القانون وما ارتبط بذلك من الكشف الاستباقي عن عمليات كانت تخطط الخلايا الارهابية لتنفيذها, فعلي سبيل المثال كانت نسبة عمليات مكافحة الإرهاب في مواجهة العمليات الإرهابية التي نفذت في محافظات الوادي في المتوسط6 إلي1 خلال الربع الثالث من العام الماضي, كما نجحت هذه القوات في تفكيك خلايا إرهابية كانت معنية باستقطاب عناصر جديدة مثل خلية عمرو سعد. وذلك إلي جانب الاستمرار في فرض حالة الطواريء في شمال سيناء, وتكثيف استخدام القوات الجوية في عمليات استهداف العناصر الإرهابية, واستمرار نظر قضايا الإرهاب أمام القضاء المصري. ويرتبط بهذا المستوي أيضا, اتخاذ قرار بتشكيل المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب في يوليو الماضي, والذي نظريا يعد خطوة ايجابية من حيث وجود مؤسسة معنية بالتنسيق علي الأقل بين الجهود الخاصة بمكافحة الإرهاب والتطرف وبإقرار استراتيجية وطنية خاصة بذلك. بالنسبة لسياسات التعامل مع ضحايا الإرهاب, واصلت الحكومة خلال العام الماضي سياساتها الخاصة بتوفير تعويضات مالية لكل من أضير من الإرهاب من خلال التعامل مع كل حالة علي حدة, فمثلا أمر الرئيس السيسي بعد حادث جامع الروضة في بئر العبد بصرف200 ألف جنيه لأسرة كل شهيد و50 ألف جنيه لكل مصاب, إلي جانب قرار وزير التربية والتعليم بإعفاء أبناء شهداء الإرهاب من الرسوم الدراسية في المدارس الحكومية, والقرارات المتعلقة بأولوية تعيين أبناء الشهداء في المؤسسات الحكومية. ولكن يظل هناك قصور رئيسي مرتبط بتعريف من هو الضحية, حيث أن قانون مكافحة الارهاب2015 لا يتضمن تعريفا محددا لهذه الفئة أو مواد خاصة بتعويضهم, كما أن مشروع القانون الخاص بضحايا الإرهاب والمعروف إعلاميا بقانون تعويض أسر الشهداء المدنيين لم يقر بعد في مجلس النواب. أما فيما يتعلق بسياسات تحصين المجتمع, التي تتعلق بصورة رئيسية بالتعامل مع أسباب الإرهاب, فإن ما يبذل من جهود يظل يتعامل مع التطرف الديني باعتباره الصورة الرئيسية للتطرف المسئولة عن العمليات الإرهابية التي نشهدها, ويتم التغافل عن أهمية الأبعاد السياسية والاجتماعية للتطرف في أحيان كثيرة. كما أن ما يبذل من جهود في مواجهة التطرف الديني هي جهود متناثرة بين مؤسسات الدولة, ولا توجد جهة تنسقها, وتعد كيفية مواجهة الأفكار المتطرفة دينيا علي الانترنت مثالا جيدا علي ذلك, في حين أنه من المهم أن تتكامل الجهود وبهدف تطوير رسائل تتلاءم مع طبيعة الفئة التي يتم استقطابها علي الانترنت من قبل العناصر الإرهابية. إن الحديث عن وجود أبعاد غير أمنية في مكافحة الإرهاب استثمرت فيها الدولة خلال العام الماضي, لا يعني أن السياسات كانت فعالة, بل يشير إلي التطور الحاصل في كيفية التفكير في مكافحة الإرهاب وهو أمر محمود يستحق التقييم والتطوير, لاسيما في ظل تزامن تبني هذه السياسات مع استمرار قدرة العناصر والخلايا الإرهابية علي التخطيط لتنفيذ عمليات ذات طبيعة نوعية خلال العام الماضي. وفي إطار الحديث عن تطوير سياسات مكافحة الإرهاب خلال العام الحالي, اقترح العمل علي ما يلي: -تفعيل المجلس الأعلي لمكافحة التطرف والإرهاب, وإضافة فئة الخبراء والأكاديميين المتخصصين إلي عضوية المجلس والأمانة العامة له عند تشكيلها.- الإسراع في تبني القانون الخاص برعاية ضحايا الإرهاب وإدخاله حيز التنفيذ بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني.- تشجيع مراكز الأبحاث علي تنفيذ مشروعات بحثية متخصصة في موضوع الإرهاب والتطرف, حيث يظل مستوي إسهام مراكز الأبحاث في دراسة وتحليل هذه القضية محدودا.- الاهتمام ببناء قدرات المواطن الفرد باعتباره شريكا رئيسيا في جهود مكافحة الإرهاب, من خلال رفع وعيه بكيفية التصرف في أثناء وجوده في موقع الحدث الإرهابي, وكيفية تقديمه المساعدة الأولية للمصابين في مكان الحادث, فضلا عن كيفية تصرفه في الفترة السابقة والفترة التالية علي وقوع الحادث الإرهابي.