الإنترنت وسنينه! لسبب ماتبدو مصر وهي غارقة حتي شوشتها في عصر الإنترنت غريبة بعض الشيء فرغم ان مصر بحق هي بلد التناقضات حيث الكارو وشي ياحمار جنبا إلي جنب مع الهامر والجاجوار. والكومباوند يكاد يلتصق بالإسكان الشعبي, والناس الهاي في تلاحم مثير مع الناس المش هاي إلا أن الحياة الافتراضية العنكبوتية في مصر تقف احيانا علي طرف نقيض من الواقع. فالإنترنت هي الترجمة الحرفية والفعلية للحرية, الحرية التي طالما وجدت قيودا واغلالا علي الأرض, والتي كتبت تاريخ أمم بأكملها, وتحكمت في مصائر شعوب, واوقعت القتلي وسطرت أسماء كثيرين في صفوف الأبطال, هذه الحرية التي يتشدق بها سكان الأرض اما كمدعين لممارستها, او كمتعطشين لرحيقها حققتها الشبكة العنكبوتية بمنتهي السلاسة والسهولة والليونة. والحقيقة انه كلما أفكر في العلاقة بين الأنظمة السياسية في دول العالم وبين ما قدمته الانترنت من حرية مطلقة, أكاد أري الشبكة العنكبوتية بكل خيوطها وهي تطلع لسانها للحكومة وتغيظها بأنها ليست الا خيوطا عنكبوتية ضعيفة القوام سهلة التهتك والتقطع, ورغم ذلك فلديها القدرة علي ان تكون بؤرة صداع للحكومة, اي حكومة, مهما كان عنفوانها ومهما كانت قبضتها الأمنية قوية وخانقة. الإنترنت في مصر فتح ابواب الجنة امام الشباب, والجنة فيها الكثير, فيها ألعاب وفيها رسائل, وأفلام, وجنس, وسياسة, ودين وبمعني آخر فيها أضلع الممنوعات الثلاثة والتي هي المرغوبات الثلاثة ايضا فجميعنا يعلم ان الممنوع مرغوب. ولأن فضاء الإنترنت وثقافته ومجتمعه الافتراضي يطرح معطيات مختلفة تماما عن تلك التي ظلت سائدة في المجتمع المصري علي مدي آلاف السنين, فقد سببت صدمة في بداياتها, فثقافة الانترنت لا تعترف بالتطفل, ولا بالحشرية ولا بعمل بألف حساب قبل ان تخطو خوفا من كلام الناس, ولا توخي الحذر تحسبا لمراقبة الأمن, انه فضاء مختلف تماما! وكان أول من فهم وهضم واستفاد من هذا الفضاء مجموعات من الشباب المصري أصحاب الفكر الليبرالي( وبالمناسبة هم ليبراليون بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية او الدينية, اي أن هناك من شباب الإخوان ومن شباب الأحزاب, ومن الشباب ذوي الاهتمامات السياسية غير المنتمية لحزب ما من انتهز هذه الفرصة الذهبية لينطلق في عالم الانترنت منزوع الحدود). وللأسف ان الحس الأمني لم يتعامل في البداية مع هذا الفضاء بالطريقة المناسبة, فقد أصر علي التعامل معه من منطلق ان رجل الشرطة المصري بيفهمها وهي طايرة, حتي لو ما كانش فيه حاجة من الأصل طايرة, ومن ثم فقد أطبق قبضته الحديدية بطريقة مروعة, ليجهض محاولات شابة للتنفس عبر الشبكة العنكبوتية, فتلكك لهم, واتبع أسلوب اضرب المربوط يخاف السايب فهذه مجموعة من المدونين الشباب ولاد الناس يودعهم الحبس, ويوم أن يتم الإفراج عنهم, يعودون إلي بيوتهم ويتعاملون مع الكمبيوتر بمبدأ الصحفيين المصريين في الستينيات حين كان الرقيب مهمته سهلة جدا, لأن الصحفي نفسه كان يقوم بهذ المهمة لا اراديا. ولم يقصر الأمن كذلك مع كل أشكال التعبير الشبابي العنكبوتي فهذه مجموعات علي الفيس بوك تطالب بإضراب يتم إلقاء القبض علي مؤسسيها كنوع من التهذيب والتربية, وهكذا. الا أن الأيام كانت كفيلة بتعليم وتدريب الجميع علي ثقافة الانترنت التي لا تخشي حاكما, ولاتهاب تابوهات, ولا تلقي بالا لمواكب أو أصحاب سطوة فهي تتمتع بإمكانات تتيح لها قواعد لعبة القط والفار, وحتي حين تقدم الأمن ونجح في افساد موقع الكتروني, او مراقبة مراسلات الكترونية او ماشابه, نجحت الشبكة العنكبوتية في تزويد مستخدميها بخيوط معلوماتية بديلة, أسرع وافضل وأكثر كفاءة من سابقتها. ورغم التقدم الملحوظ في التعامل الأمني مع نشطاء الإنترنت والتسليم بالأمر الواقع, ولو علي مضض, بأن هناك حدودا لقدرتها علي تتبعهم وتقفي اثرهم, الا ان الفجوة مازالت عميقة بين التفكير السائد علي الأصعدة الرسمية وبين طبيعة الانترنت الحرة الطليقة. وكنت ومازلت متعشمة خيرا وفي هذه الساحة الساحرة, لاسيما فيما يتعلق بفئتين علي وجه التحديد, الا وهما الشباب والنساء, فالإنترنت وسيلة فعالة ومثالية لإعطاء صوت لمن لاصوت له, أو لمن أصيب صوته بضعف في الأوتار أو وهن في الأحبال. الإنترنت تمكين للشباب, فعلي الرغم من المطالبات المتكررة والاتهامات الموسمية الموجهة للشباب بأنهم سلبيون وبعيدون عن الاهتمام بالشأن العام, الا اننا نكاد نضربهم بالفلكة ان تجرأوا وعبروا عن رأي سياسي او توجه ايديولوجي غير مناسب لتوجهاتنا, فياليلهم يا سواد ليلهم لوشهدت اروقة الجامعات مناظرة اومظاهرة سياسية ذات توجهات نعتقد انها لا شريرة, وبعد ذلك نطلق العنان لأبواقنا لتبث مآثرنا الديمقراطية وانجازاتنا التحررية, وأمام هذا الفصام الواضح, اتجه الكثيرون من الشباب إلي نعمة الانترنت لتكون عوضا لهم عن شيزوفرانيا الكبار. واتصور انه يتحتم علي اولئك الشباب ان يعظموا استخدامهم من كل ماتقدمه الانترنت والذي يتحدد يوميا, وأدعوهم إلي عدم الالتفات كثيرا إلي التفكير التآمري الذي قد يحيط بهم فليس كل مايرد في الشبكة العنكبوتية حراما, وليس كل ماتبثه فسقا, وليس كل ما تنقله فجورا, كذلك فإن تحذيرات بابا وماما التي لا تتوقف من انه مضيعة للوقت ليست كلها صحيحة, بالطبع كل ما يزيد عن الحد ينقلب إلي الضد, وخير الأمور الوسط, ولكن انتهزوا الفرصة لتعبروافعليا وليس بالكلام إلي عالم المعلومات والمعرفة التي هي السبيل الوحيد إلي القوة. ولأن حواء المسكينة ابعد ما تكون عن القوة, فلا هي عضلات ومجانص, ولا هي متساوية مع آدم في قدرتها في الحصول علي معلومات( لاحظ الفرق بين الذكور والاناث في نسب التعليم والآمية علي سبيل المثال لا الحصر) فإن الفضاء الإلكتروني يمثل كذلك مجالا شديد الخصوبة لها, بهدف تمكينها معلوماتيا. وأقول بكل فخر أن مرتادي الانترنت يمكنهم ان يلحظوا ذكاء المرأة والفتاة المصرية, فلانها بحكم الجانب المظلم من العادات والتقاليد الي تكبلها وتفرض عليها الإقامة الجبرية في زنازين اجتماعية سخيفة, فقد نجحت الكثيرات في الاستفادة من تقنيات الانترنت بشكل لافت, وتكفي المواضيع والقضايا والملفات الساخنة جدا والمسكوت عنها جدا جدا والتي ظللنا نخاف من مجرد الاقتراب منها علي مدي عقود طويلة, العنوسة, الطلاق, المشكلات الجنسية, التحرش, العنف.. قائمة طويلة جدا طرقتها المرأة والفتاة المصرية, ليس فقط من بوابة النقد والرفض, ولكن من منطلق التحليل والتفكير ومحاولة البحث عن حلول منطقية. وأحب ان اشير هنا إلي دراسة علمية اجريت تحت عنوان مناطق التمكين: النساء والإنترنت وتغيير الحياة في مصر جاء ان الانترنت سيغير من شكل توازنات القوي الاجتماعية في داخل مصر, وان تم ذلك بشكل بطيء وغير ملحوظ بالعين المجردة. فالإنترنت يمكن مستخدميه من إدراك الحجم الحقيقي لقدراتهم وإمكاناتهم التي كانت مجهولة لديهم, أو تلك التي بذل المجتمع المحيط جهودا عاتية لتثبيطها. وأعود إلي حيث بدأت. فالتناقضات في مصر كثيرة, وثقافة الإنترنت مازالت في بداية الطريق رغم مرور مايزيد علي عقد من دخول مصر عصر تقنية المعلومات بقوة. ورغم أن الهوة كبيرة بين الكثير من العقليات السائدة والأنماط المتحجرة من جهة وبين الليونة وحرية الحركة والقدرة علي التحليق من جهة أخري, إلا أن الأوضاع حتما ستتغير والعقليات حتما ستتبدل. وطريق المعرفة يبدأ بخطوة أو بكبسة زر علي الماوس. ورغم أنني لست من هواة تجميع المقولات ولكن هناك دائما استثناء في كل ما يتعلق بالقوة, عفوا المعرفة. المعرفة قوة. فرانسيس بيكون في أوقات التقلبات والتغيير, تكون مقولة المعرفة هي القوة حقيقية أكثر من أي وقت آخر. جون كنيدي المعرفة ما هي إلا قوة كامنة. الكاتب الأمريكي نابوليون هيل العلم يبحث ويحقق, والدين يفسر. العلم يمنح الإنسان المعرفة التي هي القوة, والدين يمنح الإنسان الحكمة التي هي السيطرة مارتين لوثر كينج المعرفة قوة, والحماسة تضغط زر التشغيل ستيف دروك. الرقابة والسيطرة الانترنت والنساء الإنترنت والشباب.