كنت لا أخاف منها.. أنظر إلي عدساتها ولا أهابها.. أسير في الشوارع وبين الناس ولا يلتفت إلي أحد واتصرف بكامل حريتي.. وهي الوحيدة التي تلاحقني.. تسجل كل تحركاتي علي شريط سينمائي تحمله في داخلها.. وعندما ينتهي التصوير أجري إليها وأقف بجوارها وأنظر إلي عدسات تلك العين السحرية الكاميرا!! كنا دائما أصدقاء.. ليس بيننا أي نوع من الخوف أو الارتباك.. كنت أذهب إلي الاستوديو قبل موعد التصوير.. وأدخل إلي البلاتوه وأقف أمامها.. أنظر إليها.. الكاميرا.. وأنا.. يدور بيننا حديث صامت دائما حديث ودي كله حب وأمل.. وأنا أعرف أنها تحبني.. أحبتني من أول لقطة.. وظهر حبها لي في كل أعمالي التي سجلتها علي شريط سينمائي داخل قلبها.. وتمر الأيام وعلاقتي بها لا تنقطع.. وبدأت أسير في الشوارع وبين الناس.. هذه المرة لم تكن وحدها التي تراني وتسجل تحركاتي وأنا معها في البلاتوه.. وأماكن التصوير.. كانت هناك عيون كثيرة غيرها.. عيون الناس في كل مكان أخطوه.. وكثرت العيون المراقبة.. وبدأت علاقتي بها تأخذ شكلا آخر.. انها لم تعد عينا واحدة تحاسبني ان عيونا كثيرة كثيرة بدأت هذا الحساب.. انهم جميعا جاءوا عن طريقك أنت ايتها العين السحرية.. من عينك أنت رأتني كل العيون. وبدأ الخوف وازداد جلوسي معها نتحاور.. ونظرت إلي عين الكاميرا ولاحظت أن خوفا كان يملأ عيني. وأنا أنظر إليها.. ومن المؤكد أنها أيضا لاحظته.. وبسرعة طردت الخوف بقسوة وأعدت الشجاعة في صوتي.. لماذا أخافك الآن؟ وبدأ تصوير أحد المشاهد في الفيلم.. وأثناء الحركة صعد الخوف إلي ملامحي.. واهتز احساسي.. ونظرت إلي داخل عين الكاميرا.. وتوقف التصوير.. وتوقفت هي عن الدوران والتسجيل.. بعد سماع صوت المخرج استوب آمرا بالتوقف!! وهربت بعيدا إلي حجرتي وجلست وحيدا.. وأغمضت عيني وحبست فيهما خوفي.. أنت الآن تخاف لأنك عندك ما يخيفك.. أنت الآن تحاسب.. تتحرك بخوف الحذر.. الجمهور بعيونه التي شاهدتك من خلال العين الساحرة الكاميرا يريدك علي قدر ما قدمت لهم من أعمال.. هذا هو الخوف الذي يجب أن يدفعك إلي الأعلي.. زمان لم يكن عندك ما تخاف عليه.. كانت عيون الناس لا تراك.. لا تعرفك.. الآن عندك ما تخاف عليه.. أنت الآن تخاف علي نفسك!! لا تخاف مني!! وفتحت عيني.. وأفقت.. وأسرعت إليها وجدتها في الانتظار وبدأ التصوير.. وبدأ الحب يعود والخوف يأخذ معني آخر.. يؤدبه الإبداع الداخلي للممثل.. والكاميرا تدور.. وبدأت العين الساحرة تسجل.. وكأنها ترقبني.. بابتسامة!! وأنا أعرف أن هذه العلاقة بين الممثل والكاميرا حدثت لكثير من نجوم السينما الذين أحبتهم الكاميرا من أول لقطة.. فاتن حمامة.. هند رستم.. محمود المليجي.. فريد شوقي.. رشدي أباظة.. عمر الشريف.. وغيرهم كثير.. كانت العين الساحرة تبتسم لهم بعد نهاية كل لقطة.. وكل فيلم ومنهم عدد لا بأس به من الأجيال السينمائية الجديدة!!