حافظت إثيوبيا منذ إقرار دستورها الفيدرالي5991 علي وحدتها السياسية ونموها الاقتصادي الذي يعد من أعلي المعدلات في العالم وهو ما أدهش مستثمرين غربيين غالبا لا يرحبون بوضع أموالهم في القارة السمراء. ومؤخرا أعلنت السلطات الإثيوبية أنها نشرت قوات من الجيش والشرطة ومحققين قضائيين في إقليمي الأورومو وصوماليا جنوب وجنوب غرب البلاد, إثر اشتباكات علي خلفية صراع علي الأرض بين القوميتين. وكان المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية ووزير الإعلام نيجيري لينشوقد ذكر أن القتال اندلع في بلدة أويدي في إقليم الأورومو بين القوميتين, خلف عشرات القتلي الذي لم يحدد أعدادهم. وتبادلت حكومات الإقليمين الاتهامات, حيث زعمت حكومة صوماليا أن05 صوماليا قتلوا في أويدي خلال هجوم عليهم في المدينة, فيما ردت حكومة الأورومو علي لسان المتحدث باسمها اديسو اريجا أن55 ألفا من الأورومو نزحوا من إقليم صوماليا بعد الأحداث الأخيرة, ويعيشون الآن في مخيم أقيم علي عجل في ستاد مدينة هرار شرق البلاد. وأضاف أريجا أن708614 من الأورومو نزحوا من إقليم صوماليا خلال العام الجاري وحده خوفا من هجمات وحدات الشرطة الخاصة الصومالية. وتشير تقارير إلي أن05 شخصا قتلوا خلال المواجهات التي استمرت أسبوعا أو أقل. ومن الشائع تجدد الاشتباكات بين الأورومو القومية الأكبر في البلاد والصوماليا علي خلفية الصراع إلي الأراضي سواء لأغراض الرعي أو الزراعة, وذلك رغم المصالحات المتكررة. يبدو الحادث عاديا في بلد إفريقي عاش شعبه عددا من الحروب الأهلية والثورات المسلحة آخرها التمرد الذي قادته الجبهة الثورية الديمقراطية الحاكمة خلال الثمانينيات ضد نظام الرئيس الماركسي منجستو هيلاماريام الذي أطاح بدوره بالإمبراطور هيلاسي لاسي1974. منذ انتصار الجبهة الثورية بقيادة رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي اتخذت البلاد عدد من القرارات الجريئة, مثل الموافقة علي منح اريتريا الاستقلال في1991 بعد سقوط منجستو بشهور, إضافة إلي إقرار دستور1995, الذي يقسم البلاد المتنوعة إلي9 أقاليم قائمة علي أسس عرقية لغوية. يومها شكك الكثيرون في هذا الطريق باعتباره الأقصر لتقسيم البلاد, لكن ما حدث كان العكس تماما, فقد حافظ زيناوي رجل إثيوبيا القوي علي الوحدة, وأضاف إليها نموا اقتصاديا استثنائيا في إفريقيا. منذ مطلع الألفية تطور الاقتصاد الإثيوبي الذي اعتمد لأكثر من قرن علي صادرات البن والماشية, بنسبة تجاوزت01%, ومن المقرر- وبحسب تقارير اقتصادية غربية- أن تشهد البلاد نموا يتجاوز11% خلال العقد المقبل, وهو ما من شأنه أن يضاعف حجم الاقتصاد. استقبلت البلاد وهي ثاني أكبر دول القارة سكانا(011 ملايين تقريبا) بعد نيجيريا اسثمارات بعشرات المليارات من الصين وفرنسا والهند والمملكة المتحدة وألمانيا وغيرها. وأقامت الحكومة عددا من المناطق الصناعية والتجارية الحرة, خاصة في مجالات النسيج والجلود, وفر مئات الآلاف من فرص العمل. لكن مازال أمام إثيوبيا أن تصل إلي توفير مليون فرصة عمل سنويا لمواجهة الأعداد المتزايدة من الشباب التي تدخل سوق العمل. تبدو صورة البلاد علي هذا النحو جيدة, وهي بالفعل يمكن اعتبارها جيدة اقتصاديا, لكن اشتباكات الأورومو والصوماليا الأخيرة شكلت نقطة خطر وحساسية للنظام. أولا الأورومو هي القومية الأكبر في البلاد( يقدرها تقرير ناشيونال جيوجرافيك السنوي بثلث السكان, فيما يمثل الصوماليا2.6%), كما أن إقليمهم هو الأوسع مساحة, وتزيد قيمته مع كونه يحيط بالعاصمة أديس أبابا. مثل وجود العاصمة وسط إقليم الأورومو مشكلة حساسة للنظام, حيث أدي الإعلان في يوليو الماضي عن خطة توسيع أديس أبابا إلي احتجاجات واسعة بين الأورومو لكون التوسع سيكون علي حساب أراضيهم التي يزرعونها. يزيد من حساسية الوضع أن الأورومو ليسوا ممثلين بنسبته العددية نفسها في الحكم, الذي يسيطر عليه قومية التيجراي( نحو6%) كما تزعم دوائر معارضة كثيرة. كما أن الأورومو إلي جانب الأمهرا( وهم الحكام التقليديون للبلاد والذين منحوها لغتها الرسمية الأمهرية يمثلون72%) كانوا قد اصطدموا بالحكومة المركزية الصيف الماضي, وقبله عدة مرات. كما أن الأورومو بينهم مسلمون ومسيحيون بقدر يكاد يكون متساوي, ما يدفع اتهامهم بأنهم قوي دينية ضد المسلمين أو ضد المسيحيين. يشير توم جاردنر الصحفي البريطاني المقيم في أديس أبابا إلي أن الأورومو لديهم إحساس عالي بوجودهم القومي, وهو ما يعتبره الدكتور عمر عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أمرا طبيعيا, حيث أن تعدادهم السكاني ووجود العاصمة وسط أراضيهم وتنوعهم الديني يعطيهم الشعور بأن لهم الحق في نصيب أكبر من المشاركة في السلطة. علي الجانب الآخر, الصوماليا جزء حساس من البلاد, فالصومال طالبت بإقليم أوجادين طوال عقود, وبالفعل وقعت حرب كبيرة خلال الثمانينيات, بدعم أمريكا للصومال وسوفييتي لإثيوبيا, انتهي باتفاق سلام1978. وتتخوف دوائر في الحكم من ارتباط الصوماليا بالصومال وتنظيماته السياسية والقبلية, وتراقب المنطقة عن كثب حتي لا تتداخل الاعتبارات القومية للصوماليا مع أهداف الجماعات الإرهابية مثل تنظيم شباب المجاهدين الصومالي. لكن حتي مع عدم استعانة الصوماليا الإثيوبيين بإرهاب تنظيم المجاهدين, فإن هذا لا يمنعهم من تجنيد شباب قبليين من الصومال واستخدامهم في صراعاتهم الإثيوبية كما يتهمهم جيرانهم الأورومو. هذا الاتهام له صدي واسع وسط الأمهرا وتيجراي الذين خاضوا صراعات واسعة مع الصومال, في أوجادين وعندما أرسلت أديس أبابا قواتها إلي داخل الصومال قبل عقد تقريبا لمواجهة إرهاب اتحاد المحاكم الإسلامية( تحول ليصبح شباب المجاهدين). في المقابل, هناك أزمة النازحين, وهم ليسوا سكان قري فقيرة حدودية, بل هم سكان مدن, وهي علامة خطيرة في تاريخ الصراع داخل البلاد, حيث تعني أن القتال والاشتباكات لن تقف في البوادي الرعوية كما كان سابقا, بل اقتحمت المدن بالفعل. هؤلاء السكان المدنيون, يمثلون ضغطا علي سياسيا واجتماعيا علي الحكومة المركزية حيث إنهم جزء الشرائح الوسطي والدنيا من الطبقة الوسطي. يتخوف كثيرون من أن يؤدي الصراع إلي شعور لدي الأورومو أنهم في خلاف مع الجميع في البلاد, القوميات الصغيرة التي تخشي قوتهم العددية, إضافة للحكومة المركزية, التي تعاني من احتجاجات في أكثر من إقليم.