منذ فترة ليست بالبعيدة كتبت عن إحدي الملاسنات التي تحولت إلي خناقة علي الهواء بين اثنين من المعلقين الرياضيين, و كيف أثارت تلك المواجهة العديد من المتابعين ليخرج الكل خاسرا عدا قناة الاستضافة . في حين كان الخاسر الأكبر هو المجتمع و منظومة القيم التي تجعل من بعض هؤلاء المشاهير مثلا عليا للناشئة بحكم الأضواء و الحضور الإعلامي, مما يجعل ذوي الألباب منهم يتحسبون خطورة الرسالة التي أوكلها لهم المجتمع. بيد أنه في غمرة إشراقات أسبوع الهجرة النبوية و ما تعنيه من دروس مستدامة, خرج علينا بعض المشاهير في واقعتين عكرتا صفو المجتمع ليشعرنا( أبطالهما) و كأننا نعود للمربع صفر. الواقعة الأولي كانت علي المستوي الرياضي بقيام أحد المدربين بالرد علي الجمهور المنافس بطريقة مستفزة, لتأتي تداعياتها بردود أفعال في منتهي التردي من كل الأطراف سواء علي المستوي اللفظي أو غيره. في محاولات لاستنفار أطراف رسمية و شعبية لسكب المزيد من الإشعال الإعلامي علي نار المواجهة. و لست معنيا بالحدث في ذاته, و لكن كالعادة جاء التناول الإعلامي ليبين إلي أي مدي يمكننا توظيف علاقات البعض الفضائية لخدمة أغراض شخصية. فضلا عن أسلوب التناول الذي جاء مغذيا لكل مفردات التعصب البغيض, في مجتمع يسعي لرأب الصدع و ترميم موروثات حقبة جعلت من ساحات المتعة و المنافسة الرياضية حلبات للصراع و سفك الدماء. ليأتي أهلوها علي ماتبقي من الأخضر بل و اليابس, ليصبح قرار عودة الجماهير في رحم غيب لن تجدي معه أية عمليات قيصرية لخروجه للنور. أما الواقعة الثانية فكانت علي المستوي الفني مع الإضافة الجديدة لمهرجانات السينما في منطقة الجونة, إذ خرج علي الحضور أحد شباب الفنانين ليستخدم أسلوبا في حديثه بات مثار استهجان من الجميع. و كالعادة اشتعلت مع الفضائيات مواقع التواصل الاجتماعي و كأن مصر قد خلت من مشاكلها, و لم تعد سوي هذه القضية محورا للتلاسن و التشاحن بين أرباب المهنة الواحدة فضلا عن أبواق( التكدير) الإعلامي. حتي تشعر عن بعد و كأن المهرجان قد تواري خجلا من سوء ما بشر به. و للمرة الثانية لا تعنيني الواقعة و( بطلها) المغوار في أصعدة شتي. و لكنني ساءلت نفسي هل كتبت علي الأجيال المتعاقبة من عموم أبناء الوطن تلك الهجمات المتتالية التي تحاول أن تجعل من شخوص بعينها أبطالا تاريخية أو نماذج فعلية تستوجب الاحتذاء. فمنذ وعي جيلي أمره إلا و باتت سير( بديعة) و( زوبة الكلوباتية) و غيرهما نماذج لاستعراض تاريخ الوطن, حتي وصلنا لإبراهيم( الأبيض) و عبده( موتة) و( الألماني) أمام جيل مايزال يبحث عن مؤشر البوصلة. حيث باتت نماذج الفن والرياضة بالنسبة له طموحا مشروعا بعدما اختزلت الفضائيات النجاح فيها وبكافة مقتضياته. و لا تسلني عن العلم أو الانتماء لكونهما مع غيرهما من آثار حقبة قد أكل الدهر عليها و شرب, حال تسليمنا بتوفر ما يستطعم منها. إن ما يشهده المجتمع الآن من بعض( نجومه) يستوجب من أسف وقفة حقيقية, لن تخاطب فيها الضمائر أو تجدي فيها المناشدة بعدما ذهب كل حزب فرحا بفتنة هو مشعلها. بل لا بد من مواجهة ذات شقين قبل أن يتسع الخرق علي الراتق. الأمر الأول إعتبار مثل هذه التصرفات من سلوكيات تعكير الأمن المجتمعي و تكدير صفوه بما يستوجب العقوبة لمرتكبيها بمن فيهم أرباب البرامج المغرضة وفق مبدأ الشراكة المجتمعية السلبية. و الأمر الآخر هو العزل المعنوي لتلك النماذج حتي تثوب إلي رشدها و تدرك أن هذا الشعب الذي منحها الكثير من عطاياه المعنوية قبل المادية لقادر علي حرمانهم منها. إنها في رأيي قضية إرادة لأبناء الوطن لكون مقدراته الأخلاقية خطا ليس بأحمر بل بكل الألوان. ( إشراقات السعدي136): لو أن كل مجادل ألقمته ردا لصار الحرف مثقالا بدينار... مع الاعتذار للشاعر.