يبدو أنه كلما استعاد المجتمع بعضا من عافيته في مجال من مجالات الإبداع الفني والأدبي تحديدا, إذا بسهم جديد يلقي مستهدفا خرق تلك العافية تحديدا, لتبدأ من جديد دوامة اجترار أمثلة الإبداع وما حاق بها منذ زمن إبن رشد وعلي عبد الرازق وطه حسين!!! وحتي وليمة الأعشاب ومسافة عقل الزمن وغيرهما من( سبكيات) الكتابة رغم اتساع الفارق. حتي جاءت مؤخرا رواية استخدام الحياة التي حكم علي صاحبها بالسجن بعدما تجاوزت كل ألوان الخطوط وليس الحمراء فحسب, إذ نعني بالتجاوز هنا النشر لفصل منها تحديدا الخامس- في إحدي الإصدارات القومية المتخصصة في الأدب.. حيث تصافحك ألفاظ وصفات كان من الأوقع توزيع( سي دي) عنها بعد تحويلها إلي نماذج متحركة, لتضفي مزيدا من إسفاف الواقعية علي العمل والاجتراء الذي يشي بإفلاس تعبيري لا شجاعة مكاشفة. و القضية بالنسبة لي ليست تباكيا علي ما وصلنا إليه من فهم شائه للإبداع, علي مشروعية التباكي تأبينا لقيم باتت بلا جنازة تشيعها أو جبانة توسدها. بل في ردود أفعال من تصدروا الساحة الثقافية والفكرية والإعلامية وباتت وصايتهم حالة من أحادية التوجه التي جعلتهم جميعا رغم كون قلوبهم شتي. ومن ثم لم يكن مستغربا أن تأتي شهادة اثنين من مشاهير الكتاب في محكمة أول درجة لصالح العمل استنادا علي تنظير لا محل له هنا من الإعراب, من قبيل أن العمل الأدبي لا يمكن اجتزاؤه وأن الرواية جاءت محكمة الصياغة وغيرها من الجمل التقليدية التي تذكرنا بتسويغ العري الفني باسم السياق الدرامي وخدمة العمل..!!. في حين تناولت برامج( اللت والعجن) الفضائية الأمر وكأنه زلزال أصاب الحرية التي نصبو إليها بعد ربط الموضوع بالثورة, بل بلغ الأمر إلي المقارنة بين عام الإخوان حيث لم يحبس أحد وما حدث لصاحب استخدام الحياة, بعدما غاب عن البعض المفهوم الأشمل للسجن الكبير عنه في سجن العقوبات.. ولم يكن التراشق واسع الصدي لكون الأمر بات مملا من تكرار الحدث والتناول علي حد سواء.. ولست أدري لم لم يطلب أحد من ذوي بكائيات الإبداع من مبدعيهم أن يرعووا ويتساموا فوق إبداع الرداءة النفسية مهما ساقوا عن تاريخيته أو شيوع ألفاظه في الحياة العامة, أو أن الطرح للمواجهة بهذا الشكل يكشف ازدواجية المجتمع أو بالأحري ما يعانيه من شيزوفرانيا أخلاقية جعلت البعض يطلق علي ما نحن فيه العصر الفيكتوري المصري حيث ابتذال الحب والجنس سرا فيما بيننا. وكأن المفروض كي ندلل علي صحتنا النفسية أن نمشي عرايا في الشارع باسم الحرية ما دمنا نتخفف من ملابسنا في خلواتنا!! فأي خطل يطرحون وعلي أي فكر يستندون!! ؟؟. هذا علي المستوي الفردي مثالا لا حصرا, أما علي المستوي الجماعي فقد تشكلت مجموعات بمسميات جذابة علي غرار إحرق إبداعك و ضد محاكمة الخيال, حيث العزف علي ذات الوتر الذي يسخر من الحياء العام أو يعتبر ضعف توزيع المطبوعة وعدم شهرة المؤلف والرواية بمثابة مسوغات لوقف الإدانة.. والواقع أن كل ما قيل وسيقال حتي إشعار أو بالأحري( إبداع آخر) لن ينال من ثوابت المجتمع, حيث الأدب الحقيقي الذي يجعل من مكاشفة المجتمع سياحة راقية لا كشفا فجا للعورات باللفظ والتصريح والتشبيه. أما عن معالجة الرواية المزعومة لضياع الشباب في الفراغ اللانهائي من التمزق شرقا وغربا, فقد كان بمكنة صاحب إبداع استخدام الحياة أن يضعه في إطاره الإبداعي الحقيقي, بدلا من أن يختزل استخدام أوراق روايته بعد زوال اللغط إلي استخدامات أخري حياتية ولكنها أكثر نفعية..!! أستاذ الحضارة المصرية القديمة كلية الآداب جامعة الإسكندرية (إشراقات السعدي85): من سخرية القدر أن يجلب لنا الضغط من لا وزن لهم, أو يأتي لنا بالسكري من لا حلاوة فيهم.