بسبب سوء الأحوال الجوية.. قرار هام حول موعد الامتحانات بجامعة جنوب الوادي    ننشر المؤشرات الأولية لانتخابات التجديد النصفي بنقابة أطباء الأسنان في القليوبية    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    قبل عودة البنوك غدا.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 27 إبريل 2024    مصر ستحصل على 2.4 مليار دولار في غضون 5 أشهر.. تفاصيل    صندوق النقد: مصر ستتلقى نحو 14 مليار دولار من صفقة رأس الحكمة بنهاية أبريل    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    جماعة الحوثي تعلن إسقاط مسيرة أمريكية في أجواء محافظة صعدة    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل    شهداء وجرحى جراء قصف طائرات الاحتلال منزل في مخيم النصيرات وسط غزة    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    قطر تصدر تنبيها عاجلا للقطريين الراغبين في دخول مصر    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    تصرف غير رياضي، شاهد ماذا فعل عمرو السولية مع زملائه بعد استبداله أمام مازيمبي    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    نداي: أهدرنا العديد من الفرص ضد دريمز.. والجماهير تنتظر وصولنا لنهائي الكونفدرالية    كولر: النتيجة لا تعبر عن صعوبة المباراة.. لم أر مثل جمهور الأهلي    عبد القادر: تأهلنا للنهائي بجدارة.. واعتدنا على أجواء اللعب في رادس    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    السيطرة على حريق في منزل بمدينة فرشوط في قنا    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    تعرض للشطر نصفين بالطول.. والدة ضحية سرقة الأعضاء بشبرا تفجر مفاجأة لأول مرة    تعطيل الدراسة وغلق طرق.. خسائر الطقس السيئ في قنا خلال 24 ساعة    الأمن العام يكشف غموض 14 واقعة سرقة ويضبط 10 متهمين بالمحافظات    برازيلية تتلقى صدمة بعد شرائها هاتفي آيفون مصنوعين من الطين.. أغرب قصة احتيال    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    دينا فؤاد: تكريم الرئيس عن دوري بمسلسل "الاختيار" أجمل لحظات حياتي وأرفض المشاهد "الفجة" لأني سيدة مصرية وعندي بنت    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    طريقة عمل كريب فاهيتا فراخ زي المحلات.. خطوات بسيطة ومذاق شهي    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    بلاغ يصل للشرطة الأمريكية بوجود كائن فضائي بأحد المنازل    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    ناهد السباعي تحتفل بعيد ميلاد والدتها الراحلة    سميرة أحمد: رشحوني قبل سهير البابلي لمدرسة المشاغبين    أخبار الفن| تامر حسني يعتذر ل بدرية طلبة.. انهيار ميار الببلاوي    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    أسعار النفط ترتفع عند التسوية وتنهي سلسلة خسائر استمرت أسبوعين    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناجي في قبضة الدولة المؤدبة
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 02 - 2016

لا أعرف تحديدًا عدد البيانات التي وقعت عليها انتصارًا لحرية التعبير، أو المؤتمرات والندوات التي حضرتها واستمعت فيها لكلمات بليغة دفاعًا عن حق كاتب في الإبداع، أو كم الموضوعات والمتابعات الصحفية التي انشغلنا فيها برصد الآراء حول سقف الحرية الذي يضيق علينا، لكن ولو أني لا أملك حصرًا دقيقًا بكل هذا، فإن يقيني أننا نحيا في بلد يعادي نظامه الثقافة والإبداع، ومع ذلك يحاول التمحك فيهما من خلال الدستور، وإنشاء هيئات ووزارة للثقافة، بينما الواقع أن هذا ليس أكثر من ادعاء نتمسح به في حضارات نعرف أنها قائمة بالأساس علي التفكير والإبداع.
ربما يغضب البعض من هذا، وقد يرون أنها كلمات انفعالية سببها الحدث الحالي، ولهؤلاء المسرح مفتوح للاستمرار في التمثيلية، فقط أذكركم أنها أصبحت مملة للغاية، والأهم أن أثمانها باتت فادحة، هناك من يسجنون، ومن قد يفقدون حياتهم.. لماذا لا نعلنها صراحة ونرحم أنفسنا من كل هذا، لماذا لا ينص الدستور صراحة علي أن الإبداع في الدولة المصرية ممنوع، يخرج مناديًا: يا أيها الناس حُرم عليكم الإبداع، ومن يضبط بممارسته تسري عليه الأحكام والجزاءات المقررة في قانون العقوبات، ومكانه سيكون بين القتلة واللصوص والمهربين. ألن يكون هذا أفضل من تضليل فئة من المواطنين، منحهم حقًا منقوصًا في الكتابة، ثم بعد أن يبتلعوا الطعم نقدمهم للمحاكمة بالتهمة التي سبق وأن تم إجازتها دستوريًا.
الأسبوع الماضي حكمت المحكمة علي الروائي والصحفي الشاب أحمد ناجي بالسجن لعامين، وتغريم طارق الطاهر رئيس تحرير "أخبار الأدب" عشرة آلاف جنيه. حكم قاس ورادع يثبت به النظام القضائي ما تحاول الدولة المصرية مداراته عبر سنوات.. أنها لا تفهم ما الذي يعنيه مصطلح "إبداع"، وأنها كلما رأت شيئًا مختلفًا منه نادت نيابتها وشرطتها وقضائها ليجتمعوا: الوطن في خطر. تحاول تقنينه مثل كل شيء، تسعي لوضعه ضمن نظم وقواعد بحيث يكون سهلًا عليها تصنيف ما يخرج منه من روايات وشعر وفن.. يجلس موظفها الأمين إلي مكتبه ويعرض عليه خلال ساعات دوامه ما كتبه المبدعون، يقلب في اللائحة رقم كذا لسنة كذا الصادرة بشأن تنظيم العمل الإبداعي والتي تفسر وتحدد له ما هو فن وما ليس كذلك، وبناء عليه يمنح ختمه علي النص بشعار النسر المميز.. اذهب فأنت مبدع بشهادة الدولة المصرية. أو يحل عليك الغضب: عندك ألفاظ بذيئة.. التهمة خدش الحياء العام.. العقوبة عامين. تتعرض لثوابت الدين.. التهمة ازدراء أديان.. العقوبة.. ثلاثة أعوام. تتحدث في السياسة واستنتاجاتك خاطئة.. التهمة.. الإضرار بالصالح العام.. العقوبة أربعة أعوام. لا تعجبك التقاليد والعادات.. التهمة....
في مرافعة النيابة بقضية أحمد ناجي كان واضحًا أنها تملك تعريفًا مسبقًا لما هو إبداع، خطبة طغت عليها بلاغة قديمة وكأن الخلاف بينها وبين ناجي علي تعريف الأدب وتحديد المقصود بالإبداع. بالطبع لم يقرأ ممثل النيابة العامة رواية ناجي "استخدام الحياة" كاملة، اكتفي فقط بالفصل المنشور في "أخبار الأدب"، لا يمكنني تخمين ماذا كانت ستكون رؤيته لو فعل، عالم بأكمله ينهار، أبطال ليس لديهم أي من الأهداف التي يؤمن بها وكيل النيابة، قاهرة تختفي وتتحول أنقاضًا.. ربما لم يكن العمل بأكمله ليعجبه لكنه علي الأقل كان سيضع ما أسماه "الألفاظ البذيئة" في سياقها الذي اقتطعها منه، كان ليعرف أن كل نص يفرض لغته، وأنه قد انتهي إلي الأبد عصر اللغة الموحدة المفروضة من الأعلي.. لم نعد في زمن.. لغتنا الجميلة المقدسة، الآن، في العالم كله بالمناسبة، هناك نهوض لما يسمي اللغات البديلة التي هجرت الاستخدامات الجافة للغة، نزلت إلي الشارع تحاكي العامية وترفعها إلي مستوي النص الأدبي.
وكيل النيابة وقف عند حدود اللغة في فصل أحمد ناجي من روايته "استخدام الحياة"، لم يصل إلي المعني، وهو هنا خلط بين واجبات وظيفتين: وكيل النيابة ومفتش اللغة العربية ذلك الذي يقترح علي التلاميذ موضوعات تعبير يختاروا من بينها ليكتبوا ما يفترض أنها أفكارهم، والحقيقة أنهم لينالوا درجات متقدمة عليهم الكتابة بلغته والتأكيد علي أفكاره هو ومن وراءه وزارته ثم الدولة. بالمناسبة، لماذا لا تحدد الدولة المصرية شكل اللغة التي ينبغي أن يستخدمها المبدع، والأفكار التي تعتقد في أنها أفضل من غيرها، منشور للجنة القصة والرواية والشعر بالمجلس الأعلي للثقافة يحدد سنويًا مجموعة من الموضوعات للأدباء، علي رأسها بالتأكيد الأهداف الوطنية، يليها المجالات الاجتماعية لبث روح الوئام والصفاء بين أفراد المجتمع، وهذا مع منشور آخر استرشادي للألفاظ المسموح بها.
الحقيقة أننا في وضع بالغ البؤس، ليس لأننا نحاكم الأدب والمبدعين ونضعهم وراء الأقفاص بجانب أصحاب السوابق والخارجين علي القانون، بل لأن المصيبة الأكبر أن الدولة تفترض في نفسها صفة الناقد الذي يتتبع النصوص ويضع أحكامه عليها، والمصيبة أنه ناقد قديم لا يقرأ، ثم إنه متعصب لرأيه، غاضب علي كل من يخالف معتقداته، ناقد لديه قضاء وشرطة وسجون يستخدمهم في التنكيل بالمدارس الأدبية المخالفة له.
في الدرجة الأولي من هذه المحاكمة المهزلة استمع القاضي لشهادة د. جابر عصفور، محمد سلماوي، صنع الله إبراهيم، الذين شرحوا بشكل واف ما الذي يعنيه الإبداع، ولماذا تبدو الألفاظ (البذيئة من وجهة نظر وكيل النيابة) طبيعية داخل النص، وبناء علي تلك الشهادات أصدرت المحكمة حكمها بالبراءة، فرحنا وقلنا إن القضاء المصري أخيرًا بات يلجأ إلي المختصين في الأدب قبل أن يصدر أحكامه وأن هذه خطوة للأمام تعني أن دولتنا بلغت الرشد، والآن يمكنها أن تقرأ الإبداع مثل الناضجين، وهذا سيقودها إلي الإقرار، أخيرًا، بأن الأدب مجال خاص لا ينبغي محاكمته إلا من خلال النقد، لكننا كنا واهمين للأسف.
صممت النيابة، بصفتها النقدية التي تظنها في نفسها، أن تستأنف الحكم، وفي الدرجة الثانية من التقاضي، وبحكمها بحبس ناجي وتغريم الطاهر، تكون قد قررت أنها الوحيدة المختصة بشئون النقد في مصر.
النيابة والقضاء كناقد قديم لم يحاولا معرفة من هو أحمد ناجي، رغم أن هذا أصبح إحدي أدوات دراسة النص الأدبي، معرفة صاحبه، المناخ والظروف التي ظهر من خلالهما النص، علي اعتبار أنها عوامل لا بد بالتأكيد أثرت في النص، ربما لو حاول وكيل النيابة أو القاضي تطوير أدواتهما النقدية لعرفا ناجي كما نعرفه، ولفهما لما كان عليه أن يستخدم تلك اللغة والألفاظ التي أغضبتهما إلي حد وضعه في السجن، لأدركا أنه كروائي يبحث عن صيغ مختلفة لمعالجة نصه، وأنه مستعد للذهاب بهذا الاختلاف إلي أقصي حد يتطلبه، لن يتوقف، مثل أي مبدع صادق مع نفسه وعمله، عند تخوفات من أي نوع، هو لا يبحث عن جماهيرية وانتشار، ولا يرجو إلا أن يتم قراءة نصه قي سياقه الطبيعي، السياق الأدبي، ولهذا كان محبطًا للغاية عند إثارة تلك القضية لما ستلقيه حول نصه من ظلال لا علاقة لها بالعملية الإبداعية، ولأنه سيتم قراءته بأدوات خاطئة.
لم يفعل ممثل النيابة أو القاضي ذلك، لأنهما بينما منحا نفسيهما صفة الناقد، سحبا من ناجي صفته كمؤلف، هو الآن متهم، ليس مبدعًا، لن نحاوره ولن نتحدث إليه ولا إلي نصه، ما نراه قرآنًا لا يأتيه الباطل، لسنا في حاجة إلي من يخبرنا ما هو الأدب وكيف يكون، كل مرافعاتنا، وأحكامنا لها ذلك الطابع.. تعريف الإبداع سهل للغاية وليس في حاجة إلي كل تلك المناقشات والكتب والترجمات، الأدب هو الوسيلة التي تجعل الناس يتحلون بالأخلاق، والفضيلة، يجعلهم يهيمون في وديان الحق والخير والجمال.. أليس هذا هو الأدب؟
لدي مفاجأة قد تكون مزعجة لكم: أنتم لا تعرفون شيئًا عن الإبداع، وكل نصوصكم المختارة المليئة بالسجع والطباق والتورية والجناس هي أعمال متحفية بامتياز، لا نرفضها مثلما ترفضون أنتم وتحبسون المختلف عنكم، لكننا فقط نعي تطور العملية الإبداعية ومعناها الحقيقي.. التمرد، علي اللغة والأفكار والشكل.
كل ما أطلبه أن تكون الدولة المصرية صريحة وواضحة مع نفسها ومعنا، تطلق سراح أحمد ناجي، وكل من تجرأ علي الإبداع والتفكير المختلف، تفتح صفحة جديدة مع الجميع بإنذارهم أن الإبداع ممنوع في أرجاء البلاد، ونحن من جانبنا لن نعترض علي قانون، ولم لا أليس هذا في صالح الوطن!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.