تمثل قضية الشهرة من حيث كونها ظاهرة إنسانية إحدى القضايا التى عكف عليها ولا يزالون أهل الاختصاص فى علمى النفس والاجتماع، لكونها ذات أسباب متباينة ونتائج متعددة إيجابًا وسلبًا. حيث إن أهم مميزاتها وهو تحول الشخص المشهور إلى شخصية عامة تتبع وسائل الإعلام أخباره وتتناقلها عبر الآفاق وفقًا لطبيعة المشهور به والمناخ السائد وما يحفل به، بمعنى أن الموضوع والزمان يلعبان دورًا رئيسيًا فى تحديد حجم الشهرة ومن ثم النجومية التى نعنى بها التميز ظهورًا لشخص ما وسط الآخرين بالشكل الذى لا تخطؤه الأبصار أو بالأحرى معظمها. وما من شك أنه إلى جانب قيمة هذه النجومية فى تكريس مفهوم المثل الأعلى وحتى معبود الجماهير إلى أنها فى المقابل تمنح بعض الشخوص ذات الشهرة بمفهوم سلبى ما لا يقل فى ذيوع صيته فى الآفاق بل إن لم يزد عن النماذج الإيجابية المطروحة. ورغم تعدد هذه الأخيرة والتى تمثل فحوى هذا المقال إلا أن النموذجين اللذان كانا أكثر إلحاحًا على الساحة الإعلامية فى الفترة الأخيرة وهما (الكفار/ المرتدون) و(السائقون من أرباب الكيف) قد مثلا حضورًا طاغيًا دفعنى للمشاركة مضطرًا فى تناول الظاهرة آملاً ألا أكون من حيث لا أدرى فيما أطرحه هنا مسايرًا لما أشجبه، إذ إن عزائى الوحيد هو ذكاء القارئ الكريم وقدرته على تمثل نماذج أخرى ممن أفسدوا علينا حياتنا. وبالنسبة لقضية الارتداد أو الكفر فلن أتبنى فكرة الجلد بالكلمات أو الإلحاح بنصوص الهداية التى تبناها ضيوف تلك البرامج فى مواجهة الصلف المصطنع (للكفار)، وكأنى بابن نوح عليه السلام الذى لم تهزه (ويلك آمن) أو بأبواب مكة وقد ارتفع بين أهليها صخب مواجهة الدعوة الجديدة. كما أننى لن أنزع لتبنى المبدأ النبوى الكريم فى خيرية هداية رجل واحد التى تفوق الدنيا وما فيها، لكون الموضوع ليس بظاهرة قدر كونه حالة حيال المعتقد لا تقل عن مثيلاتها من الكفر والردة فى مجالات أخرى. بمعنى أن ربط القضية بشخوص بذاتها وتجييش أهل الاختصاص للحديث عنها بأسلوب منبرى هو الذى أوجد تلك النجومية الزائفة رغم أن لدينا العديد من أشباه الكفار الذين لا يقيمون دينًا ولا ملة، وكل ما هنالك أنهم لا يجاهرون أو لم تعثر عليهم تلك البرامج كى يصبحوا مادتها. ولو غضضنا الطرف عن الشخوص لباتت الخطورة فيما يعرضون على الملأ فى مقابل أجواء أصبح الدين فيها متهمًا (وحاشا لله أن يكون كذلك) بأفاعيل بعض متدينيه وبعض المجترئين عليه، مما يرسخ مفاهيم مغلوطة فى النفوس الخاوية بحكم المرحلة السنية أو الأوضاع الاجتماعية بحيث ترى دائمًا الدين وليس أسلوب التدين فى قفص اتهام وهمى يستهوى الناشئة، ليتسع الخرق على الراتق بالترويج غير المقصود لمقولات أولئك (الكفار!!) ليصبحوا وبأيدينا نماذج قد تحتذى بنجومية زائفة دفعنا إليها الإعلام دفعًا. والرأى عندى أن إعمال قانون ازدراء الأديان هو الحل بغض النظر عن متشدقى حقوق الإنسان، إذ إن تمثلها فى هذه الحالة حيث الفارق الشاسع بين حرية الاعتقاد وازدراء الاعتقاد يجعلها بئس الحقوق لبئس العشير. أما المسألة الأخرى فتلك التى ارتبطت بتكرار حوادث الطرق المأساوية والتى علقت أوزارها فى رقبة السائقين الذين تستهويهم المخدرات بهدف (عمل دماغ) قبيل الانطلاقات الماراثونية على الطرق المهترئة أملاً فى التيقظ والتجويد!! ولكم أدهشنى أسلوب التناول الذى كاد يربت على كتف البعض وعلى طريقة العزم بعدم العودة للتعاطى بعد التوبة عنه أو التخلص منه تدريجيًا. ولكون القضية ثقافة مهنة فى المقام الأول لدى البعض منهم فلم يكن مستغربًا أن يصرح بعضهم على الملأ الإعلامى بأنه لن يتناهى عن منكر فعلوه ولن يعتزلوا القيادة..!! فى ذات الوقت الذى أشعرنا فيه السادة الإعلاميون ببرامجهم وكأن العقلاء منهم إنما يمنون على المجتمع بقرار الفرسان فى انتهائهم عن إتيان جرم التعاطى للقيادة. والواقع فإننا ولمرة أخرى تهب لدينا عاصفة المواجهة بالتقريظ أو التجريح تاركين أمرًا مهمًا وهو مدى الإعداد النفسى للسائقين الذى ما كان ينبغى إغفاله ونحن نناقش القضية من خلال ثقافة القيادة التى تعلى فى السائق فكرة احترام القانون لا الخروج عليه، لا سيما أن هذه النقطة تحديدًا أصبحت تمثل مع مثيلتها فى التباهى بالكفر حالة من حالات الديمقراطية الشائهة بوهم استخدام حق الاعتراض والمعارضة بأسلوب عملى بعيدًا عن منزلقات السياسة. لكون صاحب الشأن فى هذه الحالة يعيش جوًا افتراضيًا من المواجهة المجتمعية التى يستخدم فيها المتاح له من الأدوات التى تكفل له حالة من حالات الوجود المعارض ربما وبدون أن يقصد. إننا بالطبع لا نسوق ما ذكرناه سلفًا استهدافًا بالعين بل استلهامًا لنماذج لن يعنينا كثيرًا الأبعاد المتباينة حيالهم، إذ قد يتواروا لحساب أنماط أخرى بفعل الديناميكية المجتمعية أو تخرج لا قدر من رحمهم مزيدًا من المخرجات التى تتفق وطبيعة مدخلاتها. بيد أن ما يعنينا هنا هو ماكينة الإعلام التى باتت تخرج عن جادة الرسالة الحقيقية فى صناعة النجوم لتتماشى مع الصناعة السبكية للشخصيات الفنية حتى لو ادعت الإصلاح بنصيحتين أو توجيهًا فى ختام البرنامج، وكأنها تذكرنا إما بأفلام النهايات السعيدة فى دقائق معدودة بعد إفراد زمن العرض للدروس الخصوصية فى فن الانحراف، أو أنها تكرر نمط توصيات المؤتمرات التى تذهب أدراجها مع الجلسة الختامية التى تكتب بخطوط غير منظورة كلمة النهاية رغم أن ما كنا نأمله أن تكتب بها ولو لمرة واحدة كلمة (البداية).